تركيا: تصعيد في العلن وطلب المساعدة في السر

صبري هلال

لطالما سوّق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نفسه على أنه منقذ اقتصاد تركيا من الأزمات الاقتصادية، وهو ما نجح فيه مع حزبه العدالة والتنمية، لكن عبر الترويج لـ”فقاعة اقتصادية” لم تستمر طويلا، وباتت على وشك الانفجار أخيرا مع انهيار الليرة.

بعد وصوله إلى السلطة عام 2002، بدأ حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان، في وضع استراتيجية جديدة للاقتصاد التركي، واستطاع تحقيق أرقام إيجابية مثل تحسين دخل الأتراك وخفض التضخم كما سددت تركيا كل ديونها لصندوق النقد الدولي عام 2013. لكن خبراء توقعوا أن هذا الأمر لن يدوم ، مشيرين إلى احتمال وقوع هزة عنيفة شبيهة بتلك التي أطاحت النمور الآسيوية في تسعينيات القرن الماضي.

ويرد الخبراء سبب الفقاعة التركية إلى قفزات في القطاعين الاستهلاكي والعقاري، حيث انتشر بناء مراكز التسوق وناطحات السحاب، ناهيك عن مشروعات البنى التحتية الطموحة وجلب الاستثمارات، عوضا عن التركيز على أسس صلبة وبعيدة المدى.

خلط السياسة والدين

بعبارات دينية ووطنية، صعّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هجومه على من يعتبر أنهم السبب في انهيار عملة تركيا، واصفاً أزمة الليرة بأنها «هجوم على الاقتصاد التركي» وعلى «عَلَم» البلاد، وكذلك «هجوم على الأذان»، وتابع أردوغان أن الهدف من أزمة العملة الأخيرة هو «تركيع تركيا وشعبها». ولم يذكر أردوغان اسم أي دولة أو مؤسسة بشكل مباشر لكنه أنحى باللوم في الماضي على جماعة ضغط لرفع سعر الفائدة ووكالات التصنيف الائتماني والممولين في عمليات بيع العملة. وتابع أن «من يعتقدون أنهم سيجعلون تركيا تخضع من خلال سعر الصرف سيدركون قريباً أنهم مخطئون».

ويستغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخلاف مع واشنطن لإلقاء اللوم في المشاكل الكبيرة التي يواجهها اقتصاد بلاده على عدو خارجي، كما قال خبراء. وتسبب أردوغان في تقويض الثقة في العملة من خلال تصريحاته المتكررة التي اعتبرها بعض اللاعبين في السوق بأنها مربكة.

وخلال الأشهر الأخيرة حذر محللون بأن الاختلالات الاقتصادية تعني أن الاقتصاد التركي سيواجه مشاكل كبيرة، حتى قبل العقوبات التي أعلنها الرئيس الأمريكي. وبعد شهر من الفوز بصلاحيات جديدة في الانتخابات، أدهش أردوغان المراقبين بتعيين صهره براءة البيرق، وزير الطاقة السابق، على رأس وزارة المالية الجديدة الموسعة، رغم أنه يفتقر إلى الخبرة في الأسواق المالية..

وقالت صحيفة الغارديان في وقت سابق إن الانهيار الأخير في قيمة العملة التركية، الليرة، بعد عامين من التراجع المستمر، لم يأت مفاجئا لمن يرصدون أفق إسطنبول وفقاعة قطاع الإنشاءات المثقل بالديون.

وأثارت تدخلات اردوغان في السياسة النقدية ومحاولة تركيع البنك المركزي لصالح أجندته، مخاوف المستثمرين وألقت بظلال من القلق على الأسواق الناشئة وسط توقعات بأن تنتقل عدوى انهيار الليرة إلى المصارف الأوروبية.

عرض تركي!

في الأثناء، على رغم رفض القضاء التركي، حتى الآن، الإفراج عن القس أندرو برانسون، أشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية إلى رفض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عرض تركيا الإفراج عن القس أندرو برانسون لقاء وقف ملاحقة بنك خلق التركي المهدد بغرامات أميركية بمليارات الدولارات. ذكرت الصحيفة أن تركيا طلبت وقف التحقيق الجاري في بنك خلق الذي قد تفرض عليه غرامات بتهمة «مساعدة إيران» على تجنب العقوبات الأميركية.

لكن الإدارة الأميركية قالت إنها لن تبحث مسألة الغرامات ومسائل أخرى موضع خلاف بين الجانبين قبل إطلاق برانسون، وفق ما نقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في البيت الأبيض. المسؤول رأى أن «حليفاً حقيقياً في حلف شمال الأطلسي ما كان سيوقف برونسون من الأساس».

ألمانيا لن تساعد

يأتي ذلك في وقت أعلنت وزارة المالية الألمانية أن أزمة العملة التركية تشكل خطراً إضافياً على الاقتصاد الألماني علاوة على الخلافات التجارية مع الولايات المتحدة واحتمال ترك بريطانيا الاتحاد الأوروبي من دون التوصل إلى اتفاق.

أوضحت الوزارة، في تقريرها الشهري، أن «الأخطار ما زالت موجودة، لاسيما في ما يتعلق بالغموض في شأن كيفية نجاح انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى السياسات التجارية الأميركية في المستقبل». وأضافت أن «التطورات الاقتصادية في تركيا تمثّل خطراً اقتصادياً خارجياً جديداً»، علماً أن ألمانيا هي ثاني أكبر مستثمر أجنبي في تركيا التي يعد الاتحاد الأوروبي أكبر شركائها التجاريين.

مع ذلك، أكّد ناطق باسم الحكومة الألمانية أن ألمانيا لا تدرس تقديم دعم مالي لتركيا لمساعدتها على التغلب على أزمة انهيار قيمة العملة.

ورأى زايبرت أيضاً أن الأمر يرجع لتركيا في تقرير ما إذا كانت تريد طلب مساعدة صندوق النقد الدولي، مضيفاً أن مسألة المساعدة المالية ليست هي محور المحادثات بين قادة تركيا وألمانيا.

اصعب الأزمات

قال الكاتب الصحفي التركي المعروف أرجون باباهان بخصوص التطورات الاقتصادية في تركيا “إنها أصعب الأزمات الاقتصادية في تاريخ تركيا الحديث، لكن رئيسها رجب طيب أردوغان لا يكف عن نفي هذه الحقيقة ويرفض اتخاذ ما يلزم من إجراءات”.

وأفاد أن الخبراء يُجمعون على أن تركيا ستضطر في النهاية لطرق أبواب صندوق النقد الدولي، ومن شأن التأخر في سلك هذا الطريق زيادة التكلفة التي ستضطر تركيا لدفعها لإعادة التوازن إلى اقتصادها، لكنه توقع “أن صندوق النقد الدولي لن يقدم لتركيا قرشا واحدا ما لم تتوفر ضمانات باستقلال مؤسسات الاقتصاد التركي، وأهمها على الإطلاق هو البنك المركزي”.

كما لفت باباهان إلى أن الاقتصاد الأوروبي أيضا لن يكون مستعدا لتقديم مساعدة مالية إلى تركيا تحت هذه الظروف، ونقل عن يورجن هاردت عضو الحزب الذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قوله: “إن على أردوغان تلبية مطالب ألمانيا لكي يتسنى له الحصول على مساعدة مالية”.