تركيا في وضع اقتصادي قاتم

إبراهيم بدوي

في الوقت الذي يشيد فيه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بما حققته حكومته في قطاع الاقتصاد رغم جائحة كورونا التي عطلت الكثير من اقتصادات العالم، شكك المعارض التركي وزعيم حزب الديمقراطية والتقدم المعارض؛ علي باباجان بصحّة البيانات الاقتصادية التي تعلنها الهيئات الحكومية التركية.

باباجان وصف في حديث مع تلفزيون “فوكس تي في” التركي، الحكومة التركية بأنها “فاقدة للمصداقية والاستقلالية”.

وعلي باباجان كان وزيرا للاقتصاد في أول حكومة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان قبل أن يصبح نائب رئيس الحكومة، وقبل أن ينتقل للمعارضة، مشتكيا من القبضة الحديدية للرئيس إردوغان على جميع السلطات.

وقال باباجان أيضا في الحوار الذي تناقله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إن “المؤسسات الاقتصادية التركية، بما في ذلك وكالة الإحصاء، تتعرض الآن لضغوط سياسية”.

أخفاء الأرقام

وتم خلال السنتين الأخيرتين استبدال كل من رئيس المعهد الإحصائي التركي، المسؤول عن نشر بيانات التضخم والأرقام الأخرى، ومحافظ البنك المركزي بمسؤولين مختارين عيّنهما أردوغان، وذلك بقرار من حزب العدالة والتنمية الحاكم.

وبالكاد تعافت تركيا من أول ركود اقتصادي لها خلال عشر سنوات، ليضربها فيروس كورونا المستجدّ بقوة، فأصبح الاقتصاد على وشك الانهيار مجدداً وخيارات الرئيس رجب طيب إردوغان محدودة.

الخبير الاقتصادي في معهد أبحاث “غلوبل سورس بارتنرز” لخص الحالة الاقتصادية في تركيا بالقول إن “الوضع سيئ للغاية، بطالة على نطاق واسع، انهيار القطاع السياحي وعملة غير مستقرة”.

وفي مارس، كشف الرئيس التركي النقاب عن خطة لإنعاش الاقتصاد وأعلن رفعاً تدريجياً للقيود في مايو ويونيو لتحفيز القوة الاقتصادية التي تحتل المرتبة 19 عالميا من حيث الناتج المحلي الإجمالي الذي تبلغ قيمته 710 مليارات يورو.

لكن خبراء اقتصاديين توقعوا ركوداً مؤلماً، بل تحدث بعضهم عن لجوء تركيا إلى صندوق النقد الدولي، الأمر الذي لطالما رفضه إردوغان.

يذكر أنه بسبب الأرقام الاقتصادية السيئة تكبّد إردوغان نكسة مدوية في الانتخابات البلدية العام الماضي، وخسر إسطنبول وأنقرة.

بيانات غير موثوق بها

وفي هذا السياق، قال علي باباجان إن “البيانات الرئيسة التي تحدد الأداء الاقتصادي للبلاد لم تعد موثوقة، لأنها أصبحت تستجيب لتطلعات الرئيس السياسية” في إشارة لأى الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا.

وفيما كانت أنقرة تعوّل على معدّل نمو يبلغ 5 في المئة لعام 2020، يتوقّع صندوق النقد الدولي حالياً انكماشاً للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 في المئة وبطالة بنسبة 17,2 في المئة.

ويعكس تدهور قيمة الليرة التركية بنسبة تقارب الـ15 بالمئة مقابل الدولار منذ مطلع العام، القلق في الأسواق. وبلغت الليرة التركية أدنى مستوى لها في التاريخ، فقد سجلت 7,24 مقابل الدولار الواحد. وهذا الأمر يزيد الدين الساحق بالعملات الأجنبية الذي يُثقل كاهل القطاع الخاص.

ومن أجل تجنّب توقف النشاط الاقتصادي، اختار إردوغان أثناء تفشي الوباء تدابير محددة الأهداف، مثل فرض عزل فقط في عطلة نهاية كل أسبوع.

وقال في حديث إن حكومته ستقدم حوافز لتعزيز التوظيف وستدعم الصناعة للحفاظ على نمو يقوده الإنتاج والتصدير لإنعاش اقتصاد تضرر بشدة من جائحة فيروس كورونا.

وأضاف: ” نحن عازمون على دعم المسيرة الإيجابية للاقتصاد التركي من خلال تخفيض التضخم للمستويات التي نستهدفها”.

اضطرار المحتاج

ومقابل الأرقام الاقتصادية القاتمة التي تسجّلها تركيا، يتوقع خبراء أنه لن يكون لأنقرة خيار سوى طلب مساعدة صندوق النقد الدولي.

ولجأت أنقرة إلى هذا الصندوق 19 مرة في تاريخها، لكن بالنسبة لإردوغان المدافع عن السيادة الوطنية، سيشكل ذلك إذلالاً.

وتسعى أنقرة للحصول على تمويل عاجل من الدوحة ودول أخرى لتفادي انهيار عملتها، إذ يقول المحللون إنها قد تحتاج إلى عشرات المليارات من الدولارات. وقال مسؤول تركي كبير لوكالة رويترز إن المحادثات مستمرة.

وقال البنك المركزي التركي إن اتفاق مبادلة العملة مع نظيره القطري، الذي رفع حد الاتفاق الحالي الذي كان يوازي خمسة مليارات، سيدعم الاستقرار المالي والتجارة.

وقال البنك المركزي التركي إن تعديل اتفاق المبادلة المبرم في 2018 مع مصرف قطر المركزي يهدف إلى “تسهيل التجارة الثنائية” بالعملة المحلية إلى جانب “دعم الاستقرار المالي في البلدين”.

وبموجب التسهيل تجري المبادلات بالليرة التركية والريال القطري.

وهبط صافي احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي التركي إلى 26 مليار دولار من 40 مليارا هذا العام ويرجع ذلك لتدخل البنك من أجل استقرار الليرة، بحسب محللين. وتبلغ التزامات الدين الأجنبي لتركيا 168 مليار دولار في 12 شهرا.

حراس الحزب الحاكم

هذا وقد تبنى البرلمان التركي مشروع قانون مثير للجدل يعزز إلى حد كبير صلاحيات “حراس الأحياء.

ينص القانون على منح حراس الأحياء الذين يقومون بدوريات ليلية للإبلاغ عن سرقات وحالات إخلال بالنظام العام، الصلاحيات نفسها التي يتمتع بها رجال الشرطة، وسيسمح لهم بحيازة واستخدام الأسلحة النارية في حال الضرورة واعتراض أفراد للتدقيق في هوياتهم أو تفتيشهم.

“حراس الأحياء” هي مؤسسة مرتبطة بوزارة الداخلية وتم إنشاؤها قبل أكثر من قرن من الزمان، ولكنها تطورت بشكل كبير بعد محاولة انقلاب وقعت في تموز/يوليو 2016 ضد إردوغان، ويبلغ عدد أعضاءها أكثر من 28 ألفا.

وأثار النص الذي تم إقراره جدلا حادا في البرلمان، ووصل الأمر إلى عراك بالأيدي خلال الجلسة.

.