الإرهاب “العرقي الشعبوي” في تصاعد

سعيد العلمي

قال الإمام الأكبر شيخ الأزهر في بيان: “لعل الذين دأبوا على إلصاق الإرهاب بالإسلام والمسلمين يتوقَّفون عن ترديد هذه الأكذوبة بعد أن ثبت لكلِّ مُنصف مُتجرِّد من الغرَض والهوى أنَّ حادثة نيوزيلندا، بكل ما خلَّفته من آلامٍ شديدة القسوة، لم يكن من ورائها عقلٌ منتمٍ للإسلام ولا للمسلمين، وإنَّما وراءها عقل بربري وهمجي متوحش، لا نعرف ما هي دوافعه وعقيدته المنحرفة التي أوحت له بهذه الجريمة النكراء”.

فالجريمة الإرهابية التي هزّت العالم باستهداف مسجدين في نيوزيلندا، والتي راح ضحيتها أكثر من 100 شخصا بين قتيل وجريح، ليست عملاً فردياً أو حادثةً عرضية؛ فكل الوقائع والقرائن تدل على أنها جريمة ارتُكبت مع سبق الإصرار والترصد وبتخطيط محكم.

المجزرة وقعت في سياق سلسلة جرائم استهدفت المسلمين في دول الغرب؛ حيث شهدت السنوات الماضية ارتفاع وتيرة خطاب الكراهية الذي انعكس على شكل استهداف للمسلمين في مساجدهم وشعائرهم وحياتهم.

غير أن غياب تلك الهجمات المتتابعة عن الرأي العام العالمي مردّه إلى تركيز الإعلام الغربي على “الإرهاب” الذي تمارسه أقليات مسلّحة محسوبة على الإسلام؛ مثل تنظيمي “داعش” و”القاعدة” ومن على نهجهما، وتغاضيهم عن التطرف اليميني الذي ينمو يوماً بعد آخر.

الإرهاب الأبيض

ويرى مراقبون أن ما نُشر في وسائل الإعلام الغربية، في السنوات العشر الماضية عن حجم الجرائم الإرهابية وصل إلى مئات الحوادث، وهي عبارة عن جرائم كراهية موثّقة لدى الأجهزة الأمنية، وبعضها وصل إلى القضاء، في مقابل مئات الحوادث التي لم يبلَّغ عنها ولم تصل إلى أجهزة الشرطة.

في العام الماضي، انتشرت في بريطانيا دعوة من خلال رسائل وصلت إلى المواطنين تحثّهم على التخلص من المسلمين، في إطار حملة دعت لاتخاذ يوم 3 أبريل موعداً لانطلاقها بشكل متزامن، وتضمّنت توجيهاً بأن تكون هذه الأعمال على شكل ضرب مباشر أو رمي المسلم بالأحماض الحارقة، أو تفجير مسجد.

واللافت للانتباه أن الدعوة مجهولة المصدر انتشرت بسرعة، وانتقلت عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أوروبا كلها، ووصلت إلى أمريكا، حيث تبنّتها الحركات العنصرية واعتبرتها نوعاً من التضامن العالمي ضد المسلمين، والغريب أن الدعوة مرّت دون أن تترك أثراً في الإعلام العالمي، وتم تناقلها كخبر من الأخبار اليومية.

الحال في أوروبا والغرب

وعند تتبّع الوقائع نجد أن هذه الدعوة أتت في إطار تتابعي لصعود خطاب الكراهية ضد الإسلام في الغرب.

فالسلطات الألمانية رصدت نحو ألفي هجوم على المسلمين والمساجد عام 2017، وبحسب بيانات قدمتها وزارة الداخلية الألمانية للبرلمان إن 33 شخصاً أصيبوا في تلك الهجمات وذكرت أن 60 هجوماً استهدفت المساجد ونُفّذ بعضها بدماء الخنازير، وأظهرت البيانات أيضاً أن كل مرتكبي تلك الهجمات من المتطرفين اليمينيين.

وفي إسبانيا وثّقت “منصة المواطنة الإسبانية حول الإسلاموفوبيا”، وهي منظمة حقوقية، أكثر من 500 اعتداء بحق المسلمين في العام نفسه.

ووُثق في تقرير حوادث حصلت بالشوارع والإعلام وحملات الإنترنت من قبل مجموعات يمينية متطرفة، وأشارت إلى أن 386 حادثة من مجموع 546 حادثة مرتبطة بالإسلاموفوبيا في 2017 وقعت عبر منصات إعلامية أو مواقع الإنترنت.

وشهدت مدينة كيبيك الكندية، أواخر يناير 2017، هجوماً دموياً قُتل فيه 6 أشخاص وأُصيب 8، حين أطلق عليهم الرصاص وهم يؤدّون صلاة العشاء في المركز الثقافي الإسلامي بالمدينة.

وفي 28 يناير 2017، أحرق متطرفون مبنى مسجد في بلدة فيكتوريا التابعة لمدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية، أتت على معظم البناية، في أعقاب قرارات أصدرها الرئيس دونالد ترامب، تستهدف المسلمين واللاجئين.

وفي 1 ديسمبر 2016، أعلن مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) أن “المسجد الكريم” في ولايات رود آيلاند، وخمسة مساجد في ولاية كاليفورنيا، تلقّت خطابات تهديد وصفت المسلمين بأنهم “حقراء وقذرون”.

وفي هولندا احتلت مجموعة متطرفين تطلق على نفسها “حماة الهوية” مسجد الفتح في مدينة دوردريخت، ورفعت عليه أعلاماً ولافتات معادية للإسلام والمسلمين.

وفي السويد تعرض مسجد في مدينة أوبسالا شمال العاصمة استوكهولم لهجوم بعبوة مولوتوف أحرقته، وكتب المهاجمون المتطرفون عبارات عنصرية وصفتها الشرطة بالـ”قبيحة”. إن المجزرة التي تم ارتكابها بدم بارد، تؤكد أن الإرهاب وباء عالمي وليس حكراً على جهة معينة كما يحاول دعاة التطرف والعنصرية في عدد من الدول أن يصوروه، كما أن الحادثة تبين أن الوباء يستهدف جميع دول العالم دون استثناء، وأن دعوات التطرف والانعزالية نتيجتها أمثال هذا الإرهابي، الذي جعل العالم يعيش صدمة قوية، ويشعر بالأسى على الضحايا وذويهم من فظاعة الهجوم الشنيع.

.

.