ازدواجية التعامل مع أزمات اللاجئين

سامي عيد /

يتساءل نيكولاس ميسينسكي، أستاذ مساعد للعلوم السياسية والشؤون الدولية بجامعة ماين، لماذا كانت استجابة الاتحاد الأوروبي مع أزمة لاجئي أوكرانيا مختلفة عن تعامله مع عدد من الأزمات السابقة للاجئين، مؤكدًا أن الاتحاد الأوروبي أمامه فرصة للتعاون بصورة أفضل لإدارة أزمات الهجرة. يأتي ذلك في تحليله المنشور في صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.

واستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أنه في الأسابيع الأولى التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا فرَّ حوالي 3 ملايين أوكراني إلى أوروبا. واستجابةً لذلك فعَّل مجلس الاتحاد الأوروبي لأول مرة «التوجيه المتعلق بالحماية المؤقتة (TPD)». ويسمح هذا التوجيه لجميع الأوكرانيين بالسفر إلى دول الاتحاد الأوروبي دون تأشيرة، ويمنحهم الحق في العمل، والتعليم، والسكن، والرعاية الصحية، لمدة عام واحد.

إن توفير الحماية المؤقتة للاجئين الأوكرانيين على مستوى الاتحاد الأوروبي لا يُمثِّل سوى أحدث نتائج نقاشات الكتلة الأوروبية بشأن سياسات الهجرة الموحَّدة. وخلال العقدين الماضيين استخدم الاتحاد الأوروبي أزمات الهجرة مرارًا وتكرارًا لتَوسيع سلطاته في تنظيم الهجرة والتحكم فيها، وإدراج وكالات جديدة معنية بشؤون الهجرة، وتنفيذ عمليات مشتركة مع كل دولة على حدة، بالإضافة إلى توفير تمويل إقليمي.

لكن على الرغم من الجهود المبذولة لإنشاء أنظمة لجوء أكثر عدلًا نلاحظ أن القرارات المتعلقة بالذين يتلقون الحماية في الاتحاد الأوروبي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على العِرق والدين، والاعتبارات الجغرافية السياسية، وقدرة الدولة على استضافة اللاجئين.

ازدواجية المعايير في أوروبا

يُفيد المقال أن أزمات الهجرة واللاجئين ليست غريبة على القارة الأوروبية. وفي أغسطس (آب) الماضي حاول الآلاف من طالبي اللجوء العبور إلى الاتحاد الأوروبي عبر الحدود البيلاروسية، لكن قوات حرس الحدود البولندية تصدت لهم. وعلى النقيض مما يحدث الآن دعم الاتحاد الأوروبي كلًا من بولندا، ولاتفيا، وليتوانيا، في احتجازها هؤلاء اللاجئين، ومنع حصولهم على أي حقوق.

وبعد انتفاضات الربيع العربي التي اندلعت في عام 2011 طلب أكثر من 40 ألف شخص اللجوء إلى إيطاليا خلال بضعة أشهر. وطلبت إيطاليا ومالطا تفعيل التوجيه بالحماية المؤقتة، لكنهما لم تحصلا على دعمٍ كافٍ من مجلس الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2015 الذي شهد «أطول صيف للهجرة»، كما أطلق عليه بعض المراقبين، لم يسمح الاتحاد الأوروبي على الإطلاق بتفعيل التوجيه بالحماية المؤقتة.

وعوضًا عن ذلك أنشأ التكتل الأوروبي نظام الحصص لإعادة توطين حوالي 160 ألف لاجئ من اليونان وإيطاليا في مختلف الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، لكن هذا النظام فشل فشلًا ذريعًا عندما رفضت بولندا، والمجر، وسلوفاكيا، وجمهورية التشيك، استقبال اللاجئين المسلمين.

لماذا فعَّل الاتحاد الأوروبي التوجيه بالحماية المؤقتة الآن؟

السبب الأوضح وراء تفعيل توجيه الحماية المؤقتة هو التمييز؛ إذ نُلاحظ مدى سخاء الاتحاد الأوروبي في فتح حدوده أمام الأوكرانيين المسيحيين البيض، لكنه يأبى توفير الحماية المماثلة للسُوريين، والأفغان، وغيرهم من اللاجئين من غير البيض. كما أن بعض الصحافيين والسياسيين لا يُخفون تحيُّزهم عندما يُرحبون بالأوكرانيين لأنَهم «متحضرون نسبيًّا، وأوروبيون نوعًا ما» أو بسبب أوجه التشابه الثقافي أو الديني بينهم.

ـ أما السبب الثاني فهو جيوسياسي: في الوقت الراهن يحتاج أعضاء الاتحاد الأوروبي الذين منعوا تفعيل التوجيه بالحماية المؤقتة عام 2015 (بولندا، والمجر، وسلوفاكيا) إلى المساعدات. ويشترط نظام دبلن (اتفاقية قانونية بين دول الاتحاد الأوروبي تُحدد البلد المسؤول عن فحص طلب اللجوء) في الاتحاد الأوروبي من طالبي اللجوء التقدم بطلباتهم في أول دولة في الاتحاد الأوروبي وصل إليها طالب اللجوء، الذي إذا عُمل به كما كان في عام 2015، فهذا يعني أن بولندا، والمجر، وسلوفاكيا، ستكون مسؤولة عن جميع طلبات اللجوء الأوكرانية البالغ عددها 3 ملايين طلب، ومسؤولة عن توفير السكن، والتعليم، والمساعدة لهم.

وكانت هذه الدول قد عارضت سياسات نظام الهجرة الموحَّد الخاص بالاتحاد الأوروبي عندما لم تؤثر هذه السياسات فيها تأثيرًا مباشرًا، لكنها غيَّرت موقفها عندما بدأ الأوكرانيون في الوصول إلى محطات قطاراتها الخاصة.

ـ السبب الثالث يكمن في قدرة الدولة، أو قدرة الحكومات على تنفيذ سياسات الهجرة. إذ تدرس المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي قدرات الدول، مثل عدد حرس الحدود، والموظفين المعنيين باللجوء، والأطباء، والأسرَّة في مراكز الاستقبال، عند اتخاذها قرارًا بشأن كيفية الاستجابة لأزمات الهجرة. كما تبحث عن مدى إمكانية الوثوق بأعضاء الاتحاد الأوروبي لتنفيذ هذه السياسات كما هو مستهدف.

ويمكن للاتحاد الأوروبي أن يرصد المليارات لصالح المساعدات الإنسانية للاجئين، على غرار ما فعله عام 2015، لكن من غير المرجح أن يثق في حكومات أوروبا الشرقية، خاصةً أنها قوَّضت بشدة قيم الاتحاد الأوروبي. وبدلًا عن ذلك يمكن للاتحاد مرةً أخرى إسناد كثير من إجراءات مساعدة اللاجئين إلى الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات الإنسانية غير الحكومية.

دروس مستفادة من أزمة عام 2015

يُنوِّه الكاتب إلى بعض الدروس التي بإمكان الاتحاد الأوروبي استخلاصها من تجربته عام 2015، ومنها على سبيل المثال أنه في الوقت الذي صُمِّم فيه نظام الحصص الخاص بالاتحاد الأوروبي لتقاسم الأعباء بين أعضاء التكتل الأوروبي، فرضت الحكومات المحلية كثيرًا من الإجراءات البيروقراطية للحيلولة دون تنفيذ النظام عمليًّا. وعندما تكون الأنظمة الرسمية شديدة التعقيد، يتحرك الناس من خلال شبكاتهم الاجتماعية الخاصة. وفي الوقت الراهن يُقيم العديد من الأوكرانيين مع عائلات، وأصدقاء في مختلف دول الاتحاد الأوروبي التي تضم جالية كبيرة من الشتات الأوكراني.

وعلى الرغم من أن معظم أوروبا تُرحِّب بالأوكرانيين، فإن التجربة تُوحي بأن هذا الوضع لن يستمر. وفي عام 2015 وجدت المشاعر الأولية الفياضة المفعمة بحسن النية، وتقديم التبرعات، وإرسال المتطوعين، ردود فعل عكسية. وحظَرت بعض الحكومات منظمات المجتمع المدني، واعتقلت عددًا من المتطوعين الذين يساعدون اللاجئين، وفقد السياسيون الذين رحبوا باللاجئين شعبيتهم في الانتخابات اللاحقة.

يقول الكاتب في تحليله: إن الاتحاد الأوروبي بمقدوره استخدام الأزمة الأوكرانية بوصفها فرصة لمواصلة إضفاء الطابع الأوروبي على سياسات الهجرة. وسيُشجِّع التوجيه بالحماية المؤقتة، الذي يعد ضروريًّا للأزمة الراهنة، وكالات الهجرة في الاتحاد الأوروبي يجب أن تكون أنشط. كما أن الأزمة ستضفي زخمًا على الميثاق الجديد المقترح بشأن الهجرة واللجوء، وتُظهر الأزمة الأوكرانية قدرة الاتحاد الأوروبي على التعاون بشأن إدارة الهجرة حال رغب في الأمر، ومع ذلك تُحدد السياسات الداخلية هذا الأمر.

.