صفقات الحكومة الجديدة لا تشجع على الاندماج

 

د. أمير حمد

 

عادت حكومة ميركل من جديد لتشكل في دورتها الرابعة تحالفا مع الحزب الاشتراكي SPD اثر أن فشل تحالف جامايكا ـ الحزب الاتحادي والخضر و FPD الليبرالي. تقول ميركل بأن تحالف حزبها مع SPD كان تحالف ناجحا ويسعدها أن تواصل هذا التحالف.

يمثل تشكيل الحكومة الألمانية في هذه الدورة الرابعة للمستشارة ميركل أطول وأعقد تشكيل، ليس للتباين الكبير بين برنامج الأحزاب المشاركة في التحالف فحسب وإنما لصعود الحزب البديل AFD اليميني إلى البرلمان وتجديد مطالبته برحيل ميركل والوقوف مع الشعب الألماني بالدرجة الأولى وليس الاهتمام بمطالب اللاجئين وفتح الحدود لهم للإقامة كما تفعل سياسة ميركل. هذا من جانب ومن جانب آخر هبطت نسبة حزب SPD الاشتراكي إلى أسوأ إحصائية منذ تأسيسه نتاج وقوف هذا الحزب مع الأجانب/ اللاجئين ومطالبته بلم شملهم واهتمامه وأولويته لقضايا الرابطة الأوروبية.

يقول أكثر من 70% من الألمان ـ نتائج منظمة أمند ـ بأن الحزب الاشتراكي لم يعد اشتراكيا معنيا بمكافحة الفقر وتأمين المساكن الاجتماعية وقضايا التعليم والصحة… كما كان وأن اهتمامه باللاجئين والرابطة الأوروبية غيب تأييد وترشيح الشعب له كما أن مارتن شولتس رئيسه شخصية مترددة غير قادرة على قيادة الحزب.  كان وقد صرح مارتن شولتس قبل فترة بأنه لن يكون وزيرا في حكومة ميركل وأن حزبه سيدخل المعارضة ليكسب صورته الاجتماعية الأصلية بعد أن تشابه كثير بحزب CDU حزب ميركل ونسبت كل النجاحات إلى سياستها وبرنامج حزبها.

وتمثل مشكلة اللاجئين المحور الأساسي والشغل الشاغل للسياسة الألمانية في هذه الفترة، ونُذكر بالعدد السابق لمجلة الدليل الحافل بقضايا اللاجئين من نواحي عدة متفاوتة الآفاق. فقد استطاع حزبي CDU و SPD أن يبتا في مشكلة لم شمل اللاجئين، إذ قررا دخول 1000 لاجئ شهريا ابتداء من أغسطس القادم، علما بأن هذا العدد شمل أباء اللاجئين الأطفال الذين قدموا إلى ألمانيا بمعزل عن آبائهم. هذا كما سمح كذلك بدخول فئة من اللاجئين ذوي الحاجات الخاصة والمعوقين ولأسباب إنسانية جراء الحرب والتشرد والملاحقة والتهديد.

اعترض الحزب البديل المتطرف AFD على السماح بلم الشمل وطالب في المقابل بتقليص عدد اللاجئين وإيقاف منع لم الشمل. يقول متحدث هذا الحزب بأن لم شمل اللاجئين السوريين مثلا يمكن تحقيقه في الأماكن الآمنة في سوريا وليس ألمانيا، التي أصبحت الخزينة الاجتماعية المشرعة للعالم كله. من المعروف بأن الحزب البديل أكبر حزب معارض بالبرلمان حاز نسبته العالية هذه لشعاراته الصارخة واتهاماته بل وشتمه لميركل بوصفها صديقة الأجانب وعدو ألمانيا والألمان. وواصل متحدث الحزب قائلا بأن ميركل تهدر ميزانية ألمانيا في إيواء اللاجئين ودعم دول جنوب أوروبا للخروج من الأزمة الاقتصادية. “ميركل تود أسلمة ألمانيا” بمثل هذا الشعارات المرفوضة استقطب حزب AFD شريحة كبيرة من الألمان لاسيما الشباب والعاطلين عن العمل والرافضين لاتحاد أوروبا واللاجئين. لم يصمت حزب اليسار والخضر المعارضين عن الرد على هذه الهجومات واعتبروها تعبيرا عن فشل هذا الحزب ومحاولة احتواء الناحب بتحريضهم على الديمقراطية الألمانية والانتفاضة على الأجانب والإسلام.

طالب حزب الخضر بتوسيع وزيادة نسبة لم الشمل انطلاقا من نجاح الاندماج في جو أسري. أما حزب CSU الحليف لحزب CDU الحاكم فيطالب بسرعة تشغيل اللاجئين ودمجهم حتى يتم الاستغناء عن المساعدات الاجتماعية التي تمنح لهم دون أي مجهود أو إنجاز من قبلهم.

 

يظل السؤال قائما بلا اجابة واضحة في الوقت الراهن: هل ستنجح سياسة دمج اللاجئين وغلق الهوة بينهم وبين الألمان؟

جدرت الإشارة سابقا فان قضية اللاجئين تمثل محور السياسة الألمانية بل والأوروبية كذلك. نقول هذا ونذكر بأن حوادث مدينة كُتبوس cottbus بشرق ألمانيا صعدت الحوار حول اللاجئين، حيث تشاجر اللاجئون هناك مع بعض المواطنين الألمان، فقامت الجماعات المتطرفة بالاعتداء على لاجئين واشتد الصراع بين الفئتين بل وبين اللاجئين أنفسهم السوريين والأفغان. فطالب عمدة المدينة بإيقاف هجرة اللاجئين إليها لاشتداد الحقد والصراع بين النازيين واللاجئين بل وطالب الأهالي أنفسهم بإيقاف دخولهم وتقليص عدد اللاجئين المقيمين فيها، ومثلما اشتد الصراع والنزاع بين الألمان واللاجئين في ألمانيا اشتد كذلك في مدينة كاليه Calais الميناء الفرنسي القريب من الحدود الانجليزية، صراع بين اللاجئين أنفسهم من شمال أفريقيا وآسيا، الأمر الذي أدى إلى  تدخل قوات لأمن لفض الصراع بين المتشابكين. من المعروف بأن هذه المدينة مثلت الهجرة السرية بتسريب مئات اللاجئين في الشاحنات إلى انجلترا مما أدى إلى تشديد الرقابة وتأمين الحدود بين فرنسا والرابطة الأوروبية وانجلترا. في طقس كهذا اشتد فيه العداء بين اللاجئين والأوروبيين ارتفعت نسبة وعتاد النازيين والأحزاب اليمينية المتطرفة الكارهة للاجئين والمطالبة بطردهم. نقول هذا ونذكر بأن حزب خمس نجوم الإيطالي مثلا والمرشح للانتخابات الايطالية القريبة القادمة حاز على شعبية عالية تقوده إلى النجاح وبذلك تحقيق أهدافه الخطيرة ـ طرد وتقليص عدد اللاجئين والخروج من الرابطة الأوروبية.

يقول متحدث حزب AFD البديل بأن ألمانيا ستعود إلى قاعدتها الأساسية كدولة مستقلة عن الرابطة الأوروبية، وستخرج اللاجئين وتقلص عدد الأجانب إلا من تحتاجه منهم. ويمثل هذا الحزب القوة اليمينية المتطرفة الوحيدة والأكثر نسبة في المعارضة بالبرلمان نتاج تحريضه للشعب الألماني وغسل دماغه بالشعارات الواهية ..

كان وقد طالب حزب NPD اليميني المتطرف باستمرار تمويله كحزب من أموال الضرائب فواجه رفض الأحزاب الأخرى. يقول متحدث المحكمة الدستورية بأن هذا الحزب مهدد بالاندثار بعد صعود حزب AFD إلى البرلمان ببرنامج واضح معتدل نسبيا مقارنة بحزب NPD ذي النزعة  النازية المدمرة. تقاضى هذا الحزب مليون يورو في عام 2016 مثلا وما أكثر ما تقاضاه من أموال الشعب لتأخيره وسحبه سحبا من المجتمع الدولي والحضارة الإنسانية والقيم المسيحية المتسامحة المرحبة بالآخر المختلف.

 

لم يغلق الملف التركي المتعلق بقضايا اللاجئين بعد فألمانيا لا تزال ترى في تركيا حصنا منيعا إلى جانب دول جنوب أوروبا لصد واستيعاب هجرات اللاجئين.

انتقدت ألمانيا في الفترة الأخيرة تركيا في تدخلها العسكري بسوريا لمطاردة وقتل الأكراد المنتفضين. يقول غابريل وزير خارجية ألمانيا بأن هذا الهجوم أدى إلى قتل كثير من اللاجئين السوريين مما يجر تركيا إلى طاولة الحوار لإيقاف مثل هذا الهجوم والقصف العشوائي. من المعلوم بأن تركيا استوعبت 3.5 مليون لاجئ سوري وهذه نسبة عالية جدا مقارنة باستيعاب دول الرابطة لهم. نعم وحدها ألمانيا استطاعت أن تستقطب مليون لاجئ فيما رفضت المجر وتشيكيا وبولندا استقطابهم. نذكر هذا ونذكر بتصريح أردوغان اثر زيارته لعدد من الدول الإفريقية لتوطيد الاستثمار بينها وبين أفريقيا. قال أردوغان بأن تركيا تتعامل مع الشعوب الفقيرة والنامية بإنسانية واحترام وليس التعالي وحب السيطرة، فتركيا مثلا استقطبت اللاجئين وفقا لاتفاق مع الرابطة الأوروبية مقابل 4 مليار يورو للاهتمام بهم، يقول مواصلا بأن تركيا لم تتقاضى غير 3 مليار يورو وظلت تستقطب اللاجئين خيفة أن يغامروا بحياتهم لاجتياز البحر إلى أوروبا.

 

من العسير بمكان مناقشة قضية اللاجئين في ألمانيا في معزل عن تطوراتها في الدول الأوروبية الأخرى لتشابه وضع اللاجئين النسبي بداخلها ونظرة الأوروبيين إليهم من ناحية أخرى. يقول منيتي وزير داخلية إيطاليا بأن حادثة الاعتداء الأخيرة على خمسة لاجئين أفارقة على يد تنظيم ليفانورد تمثل تطورا سلبيا جديدا يعكس العنصرية ورفض الأجانب الذين عرفناهم وعشنا معهم منذ زمن طويل. يقول بأن إيطاليا ترفض أن تقابل اللاجئين والأفارقة بالكره والعنف وأن لإيطاليا نفسها مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية في أفريقيا، هذا كما أنها ملزمة ضمن الرابطة الأوروبية بتقبل اللاجئين، لاسيما وأنها حصن جنوبي لحدودها وقربها للساحل الليبي مقصد الهجرات السرية الضخمة للاجئين.

 

ها هو ملف قضية اللاجئين يتجاوز أكثر من عامين ونصف بل وأكثر استنادا إلى هجرتهم الضخمة عام 2015. يقول متحدث حزب FDP الليبرالي المعارض بأن ميركل حاولت أن تطبق نظام النقاط الكندي لاستيعاب الأجانب إلى أنها فشلت لأنها لم تفهم منطلق وأساس هذا النظام المحكم. يقول أن كندا لم تفتح أبوابها لكل اللاجئين دون التأكد من هوياتهم، كما تسرب بعض الإرهابيين وسط اللاجئين إلى ألمانيا ولم تستقطب كندا إلا المؤهلين من الأجانب ذوي الخبرات وغير كبار السن. فتحت ميركل الحدود لكل الفاشلين بلا مؤهلات بل الإرهابيين وغير الراغبين في العمل فقط تقاضي المساعدات. كان وقد رفض الحزب الليبرالي إتاحة ميزانية دمج اللاجئين وتعليمهم اللغة الألمانية جيدا وتدريبهم مهنيا للدخول في سوق العمل بخانات شاغرة لاسيما التي يرفضها الألمان كمساعد ممرض أو العمل في الحقول، ورفض الحزب الليبرالي هذه الميزانية لأن تعليمهم وتأهلهم ودمجهم بين الألمان مكلف جدا يتجاوز المليارات. وكما اعترض الحزب الليبرالي FDP على استقطاب ألمانيا للاجئين إلا شريحة المعوقين وقلة من مطاردي الحرب، اعترض حزب اليسار والخضر المعارضين على سياسته هذه واعتبروها غير إنسانية ولا تحترم حقوق الإنسان والقيم المسيحية، كما أن استقطاب ودمج اللاجئين وأبنائهم ذخر لمستقبل ألمانيا وسد لخاناتها الشاغرة. ويرى حزب اليسار بأن الحزب الليبرالي أكثر ميلا وشبها بحزب AFD المتطرف الذي لا يرى في الأجانب إضافة أو انجازا، كما هو حال انجلترا إذ يرى فقط شريحة اللاجئين الغير مؤهلة والطامعة في دعم الخزينة الاجتماعية الألمانية هي القادمة.

 

كان وقد أشرنا في مقال سابق إلى هجرة اليهود من دول شرق أوروبا إلى ألمانيا منتصف تسعينيات القرن الماضي 1995 واندماجهم السريع في المجتمع وتكوينهم لجالية قوية تجارية واقتصادية كفلتهم عن التكسب والعيش على المساعدات الاجتماعية.

ذكر متحدث الجالية اليهودية في لقاء سابق بأن اللاجئين والأجانب بشكل عام لا يدعمون ألمانيا اقتصاديا بل يتكسبون منها ولا يريدون الاندماج ولا زالوا يضمرون الحقد والثأر على اليهود في المغترب الأوروبي. نقول هذا ونذكر بأن إسرائيل في الوقت الراهن تود تسفير 20 ألف لاجئ من مجموع 40 ألف لكونهم لاجئين اقتصاديين وأجسام غريبة على المجتمع اليهودي. اتفق على تسفيرهم إلى أوغندا مقابل حوافز مالية لهم وإلا سيعاقب الرافضين للسفر بالسجن، ومن جانب آخر تحدث بعض اليهود المتعاطفين مع اللاجئين بإيقاف تسفيرهم معظمهم من اريتريا والسودان، وأشاروا إلى مأساة اليهود أنفسهم وتشردهم في شتى أصقاع العالم وإيواء الشعوب الأخرى لهم.

من الملاحظ أن تدفق أبناء شمال أفريقيا إلى أوروبا وكذلك أبناء شرقها إلى إسرائيل أو أوروبا عبر الرحلات الطويلة الخطيرة في تزايد مضطرد رغم تحصين الحدود الأوروبية وصرامة القوانين وكذلك إبرام الاتفاقيات بين الرابطة الأوروبية ودول اللاجئين. نقول هنا ونذكر بأن ألمانيا حاولت أن تطبق اتفاقية اللاجئين مع تركيا في دول كثيرة لحدها النسبي من الهجرة السرية.

 

لا يمكن تناول قضية اللاجئين بمعزل عن الضغوط التي تمارس ضدهم أو عزل هويتهم الثقافية ومعتقداتهم، فأحداث موفين بيك بباريس ومحاكمة صلاح عبد السلام الإرهابي المتسبب في حوادث عام 2015 نموذجا على الرد العنفواني وإقصاء الأجانب واللاجئين عن المنظومة الفرنسية والزج بهم في مناطق شعبية نائية لن تتيح التواصل والاندماج الايجابي والتعرف والتعمق في ثقافة وحياة الآخرين.  نقول هذا ونذكر بالرد الحاسم لأردوغان على اندماج الأتراك في ألمانيا والذي يراه إلغاءً لهوية الأتراك والمسلمين وفق ريادة وتوجيه الألمان.  إذا فدمج اللاجئين لا يختلف في الواقع عن تجارب ألمانيا مع الأتراك مثلا أو أبناء الشرق خلال السنوات الطويلة منذ خمسينيات القرن الماضي. يقول متحدث حزب الخضر أن تقبل اللاجئين وأسرهم وإقامة سكنات لهم وسط الألمان وتعليمهم وأبنائهم اللغة الألمانية هو الحل الأمثل للاستفادة منهم ككوادر منجزة وكمستقبل وإضافة لألمانيا بتكوين جيل جديد متعلم وناشط من أبنائهم.

 

خاتمة

من جديد يعود الزواج القسري بين  CDU و SPD في محاولة تشكيل حكومة مهددة كل من زعمائها الثلاثة بالسقوط وإخلاء منصبه،  فميركل لم تأت بسياسات جديدة وينتقدها الشعب الألماني ولا يرغب في ترشيحها لمرة قادمة، أما زيهوفر رئيس حزب CSU فمهدد بانحدار نسبة حزبه في بايرن وصعود نسبة حزب AFD البديل الرافض للاجئين. أما الأخير مارتن شولتس SPD فسياسي غير محنك ومهتز وكاذب في نظر حزبه، إذ وعد أن يقود حزبه المعارضة وها هو يقوده للتحالف للحكم، ووعد ألا يكون وزيرا في حكومة ميركل وها وهو الآن يطمع في منصب وزير المالية في حكومة ميركل!

يرى أكثر من محلل سياسي بأن حزبه بل والشعب الألماني لا يولي قضية اللاجئين والاتحاد الأوروبي الأولوية وإنما الاهتمام المباشر بقضايا الشعب الحاسمة كتوحيد الضمان الصحي الحكومي والخاص وتخفيض الإيجارات والضرائب و …!

ها هي حكومة ميركل تحاول من جديد، محاولة لابد أن تنجح وإلا فإن انتخابات جديدة على الأبواب،والخاسر دون شك الأحزاب الكبيرة والرابح في المقابل الأحزاب المتطرفة. وستظل قضية اللاجئين محور الأحداث الألمانية إلى أن يتم استيعابهم ودمجهم بما يرضي الناخب الألماني.