جماعة “جيل الهوية” المتطرفة تحاول منع وصول اللاجئين إلى أوروبا
محمد عبد المنعم
أطلق ناشطون من اليمين المتطرف الأوروبي سفينة تجوب البحر الأبيض المتوسط وتهدف إلى صد قوارب اللاجئين والمهاجرين القادمة من شمال إفريقيا وتعبر البحر باتجاه الشواطئ الأوروبية الجنوبية في مهمة تتخذ من “الدفاع عن أوروبا” شعاراً لها.
وكانت السفينة التي أطلق عليها الناشطون اسم “C-Star” ويبلغ طولها 40 متراً قد عبرت قرب السواحل الليبية، التي تعتبر إحدى أهم نقاط الانطلاق الرئيسية للهجرة إلى أوروبا، متجهة إلى تونس، بينما توعّد صيادون توانسة بمنع السفينة من دخول ميناء جرجيس في جنوب البلاد.
ويقف خلف فكرة السفينة مجموعة تطلق على نفسها اسم “جيل الهوية” تتألف من عناصر مناهضة للهجرة من فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا. وكانت المجموعة قد أطلقت حملة جماعية لتمويل نشاطاتها على موقع “باي بال” قبل أن يقوم الموقع بحظرها بعد أن تلقى مئات الشكاوى. ورغم كل شيء، فقد تمكنت المجموعة من جمع 76 ألف يورو عبر موقعها الالكتروني.
وتتهم المجموعة المنظمات غير الحكومية بالتلاعب والتزوير بهدف “تهريب مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا” وتتوعد بالقيام بنشاطات لمنع ذلك.
وتتلخص مهمة السفينة كما شرحها أحد النشطاء الفرنسيين المتواجدين على ظهرها في مقطع فيديو بإجبار كل القوارب التي تحمل مهاجرين على العودة إلى السواحل الإفريقية، على الرغم من أن ذلك يعد مخالفة للقانون البحري الدولي.
وفعلاً، فقد قامت السفينة قارب يسمى “أكواريوس” استأجرته منظمتا “نجدة المتوسط” و”أطباء بلا حدود” على طول السواحل الليبية وأجرت مناورات حوله استمرت ساعة من الزمن، وتمكن صحفيون موجودون على متن قارب النجدة من تسجيل المكالمة التي دارت بينه وبين قارب نشطاء اليمين المتطرف عبر الراديو.
ولكن ما هي هذه المجموعة اليمينية التي تسعى لمنع وصول اللاجئين لأوروبا؟
في شهر مايو/أيار الماضي دشنت جماعة فرنسية تحمل اسم “جيل الهوية” موقعا إلكترونيا تحت اسم defend Europe (الدفاع عن أوروبا) لاستهداف قوارب إنقاذ اللاجئين.
وجاء في بيان الجماعة: “إن القوارب المحملة بالمهاجرين غير الشرعيين تغمر الحدود الأوروبية، مما يعرِض بلادنا للغزو. إن هذه الهجرة الهائلة تغير ملامح قارتنا. نفقد سلامتنا، وأسلوب معيشتنا تدريجيا، وهناك خطر محدق بنا ويجعلنا عرضة لأن نصبح، نحن الأوروبيين، أقلية في أوطاننا الأوروبية”.
ودعا البيان إلى جمع التبرعات لتجهيز قوارب والإبحار الى البحر المتوسط لـ “مطاردة أعداء أوروبا”، كما طلبت الجماعة أيضا تمويلا لإجراء “أبحاث” عن المنصة الأفضل لنشر رسائل اليمين البديل، والمتمثلة في موقع 4chan الإلكتروني.
ودعت إحدى المناقشات التي نشرت مؤخرا على موقع 4chan المستخدمين إلى تعقب قوارب المنظمات غير الحكومية في البحر الأبيض المتوسط، ثم إبلاغ قوات البحرية والشرطة عن هذه القوارب للتحقيق في أمرها، ولا سيما “القوارب المتسكعة بالقرب من سواحل شمال إفريقيا”.
ويتهم اليمين المتطرف بعض المنظمات غير الحكومية بالتعاون مع بعض جماعات الاتجار بالبشر، لجلب المهاجرين إلى أوروبا.
وذكرت صحيفة الغادريان البريطانية أنه من الصعب تحديد عدد الجماعات اليمينية، لكن جماعة Génération Identitaire نظمت مظاهرات في فرنسا جذبت حوالي 500 شخص، بينما تحظى صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بـ122 ألف إعجاب. وتحظى صفحة نظيرتها النمساوية، وهي جماعة Identitäre Bewegung Österreich، على الموقع نفسه بـ37 ألف إعجاب.
تبرعات
وجمع أعضاء الحركة تبرعات قيمتها 56489 جنيها إسترلينيا (حوالي 72 ألف دولار) في أقل من ثلاثة أسابيع لسداد نفقات السفن، وتكاليف السفر، ومعدات التصوير لتمكينهم من استهداف قوارب تديرها الجمعيات الخيرية للمساعدة في إنقاذ اللاجئين، وفقا لما نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.
وأشارت الصحيفة إلى أن إحدى جماعات اليمين الفرنسية كانت قد استأجرت قاربا لإجراء عمليةٍ تجريبية في مايو/أيار 2017، مما أدى إلى تعطيل قارب بحث وإنقاذ تابع لمنظمة SOS Méditerranée غير الحكومية أثناء مغادرته ميناء كاتانيا الصقلي. وزعم أفراد هذه الجماعة أنهم تمكنوا من إبطاء القارب حتى تدخلت قوات خفر السواحل الإيطالية.
وقد قامت الجماعة اليمينية باستئجار سفينة طولها 40 مترا غادرت ميناء جيبوتي لتقوم بدوريات في البحر المتوسط قبالة سواحل ليبيا.
وبنيت السفينة “C-Star” عام 1975 في فنلندا وتعود في الأصل إلى رجل الأعمال السويدي سفين توماس إيجرستروم الذي أدين مراراً بتهمة الاحتيال. بالمقابل فقد تمكنت السفن التي استأجرتها المنظمات غير الحكومية من إنقاذ حوالي ثلث المهاجرين الذين تم إنقاذهم هذا العام في ليبيا ونقلوا إلى إيطاليا.
موقف محرج
وتعرضت الجماعة لموقف محرج بعد أن تخلى جزء من الطاقم السيرلانكي للسفينة عنها وقدموا طلبات لجوء.
وأكد حساب تويتر التابع لمجموعة “ديفند يوروب – دافع عن أوروبا” الذي يديره أعضاء تابعين لحركة “الهوية” المتواجدين في فرنسا وألمانيا والنمسا، خبر ترك جزء من طاقم السفينة الآسيوي لها، لكنها جادلت في أسباب حدوث ذلك.
ونقل موقع شبيغل أونلاين عن صحيفة قبرصية قولها إن كابتن سفينة “سي ستار” المستأجرة من قبل الحركة ونائبه اعتقلوا في ميناء فاماغوستا في شمال قبرص (الجزء التركي)، بتهمة تزوير وثائق، فيما نقلت صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” عنها قولها إن مالك السفينة اعتقل أيضا وتم اتهامه بالتهريب.
وذكرت الحركة في بيان على تويتر، أن العشرين شابا، وهم من التاميل بحسب تقارير صحيفة، كانوا قد دفعوا المال للسفر على السفينة، وذلك بغرض إكمال تدريبهم المهني، وكان من المفترض أن يغادروها في مصر.
وقدم بعض هؤلاء الشبان، وعددهم ٥ بحسب الحركة المتطرفة، اللجوء في الجانب التركي من قبرص، الأمر الذي أرجعته “الهوية” في بيانها إلى دفع المنظمات غير الحكومية التي تساعد عادة في إنقاذ اللاجئين، رشوة، كانت على شكل مال وغذاء ومأوى، لأعضاء من الطاقم للاقدام على ذلك في أحد المطارات، زاعمة أن ١٥ عنصراً من الطاقم رفضوا العرض، فيما قبل الخمسة وعمدوا إلى توجيه اتهامات زائفة لمالك السفينة.
الصيادون التونسيون ضد العنصرية
في جرجيس في تونس، تجمع عدد من صيادي الأسماك الأحد في مرفأ المدينة للتصدي للسفينة التي غادرت قبرص ويعتقد أنها باتت بحاجة إلى التزود بالمؤن. كما أكد مسؤول في جرجيس لوكالة فرانس برس طالبا عدم كشف هويته “ان نسمح للعنصريين بدخول هذا المكان امر لن يحدث ابدا”.
وكان رئيس جمعية الصيادين البحريين التونسية شمس الدين بوراسين قد أعلن نية جمعيته “إغلاق القناة التي تستخدم للمؤن باعتباره أقل ما يمكن فعله بالنظر إلى ما يحدث في البحر المتوسط من موت للمسلمين والأفارقة”. كما عارض منتدى المنظمات غير الحكومية التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رسو السفينة أو استقبالها من قبل الموانئ التونسية داعياً الحكومة إلى “عدم التعاون مع طاقمها العنصري والخطير”.