أوروبا تفقد إنسانيتها وتخالف مبادئها

مجدي صبحي *
مع اقتراب موعد انتخابات البرلمان الأوروبى، تريد قيادة الاتحاد إقناع الناخبين أن أزمة اللاجئين ــ التى عصفت بالاتحاد الأوروبى طوال السنوات الأربع الماضية ــ قد انتهت..
ففى ظل حماية الولايات المتحدة لحدودها ووضع قيود شديدة على الهجرة، قامت الدول الأوروبية بهدوء بقمع الهجرة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إن ما حدث فى سبتمبر 2015، عندما تطوع الآلاف من الألمان للترحيب باللاجئين الوافدين، أصبح شيئا بعيد المنال.
ومنذ سقوط جدار برلين، شيدت الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى أكثر من 1000 كيلومتر من الجدران الحدودية، مع إقامة سبع دول حواجز جديدة خلال السنوات الثلاث الماضية.
فى تلك السنوات الثلاث، تحول الإجماع الأوروبى حول قضية الهجرة باستمرار ناحية اليمين.. حيث إن الجدل الدائر حول الهجرة كان عاملا حاسما فى استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى لعام 2016، وكذلك فى الانتخابات اللاحقة والتى أدت إلى وصول اليمين المتطرف إلى السلطة فى النمسا وإيطاليا. ومع تخلى اليسار إلى حد كبير عن مسألة الهجرة، أفسح ذلك الطريق أمام اليمين المتطرف الصاعد لاحتكار الحديث عن ذلك.
ومع ذلك، أصبح يتعين على صانعى السياسة الأوروبيين إيجاد حل مستدام لقضية الهجرة التى تتجاوز عمق الأسوار والأسلاك الشائكة أكثر من أى وقت مضى.
بعيد عن العين .. بعيد عن القلب
على الرغم من معدلات الوفيات المذهلة، إلا أن السلطات الأوروبية تجعل مرور اللاجئين أكثر خطورة. وعلى الرغم من انخفاض أعداد اللاجئين بشكل كبير، فقد توفى أكثر من 2000 شخص وهم فى طريقهم إلى أوروبا فى عام 2018.
بالنسبة للكثيرين، فإن الطريق «الخطير» من ليبيا إلى إيطاليا هو الخيار الوحيد حيث إن «طريق البلقان» الذى يمر برا من اليونان إلى وسط أوروبا تم إغلاقه فعليا أمام اللاجئين.
ومع ذلك، تواصل الدول الأوروبية المجاورة إغلاق الثغرات المتبقية التى تسمح بالمرور. حيث أغلقت الحكومة اليمينية المتطرفة فى إيطاليا جميع موانئها أمام اللاجئين، وأعادت قوارب اللاجئين إلى ليبيا، وحذرت المنظمات غير الحكومية من المشاركة فى عمليات إنقاذ الأرواح.
يمكننا القول إن سياسة الاتحاد الأوروبى تلبى بشكل متزايد مطالب الأعضاء الأكثر «صخبا». ففى الآونة الأخيرة فقط، أنهى الاتحاد الأوروبى مهمته البحرية فى البحر الأبيض المتوسط لمواجهة اللاجئين والهجرة غير الشرعية قبالة السواحل الليبية المعروفة باسم عملية (صوفيا) البحرية.
مع القليل من الاهتمام بتداعيات حقوق الإنسان، يحاول الاتحاد الأوروبى إبقاء المهاجرين المحتملين فى منازلهم بجعل المساعدات إلى البلدان «المصدرة» للمهاجرين مشروطة بوضع ضوابط صارمة على الهجرة. ونتيجة لذلك، لا يتمتع المهاجرون بأى وسيلة قانونية تقريبًا لطلب اللجوء فى أوروبا. ففى الوقت الحالى، يتعين على 90 فى المائة من اللاجئين المعترف بهم، وهم أشخاص لديهم حق فى طلب اللجوء حتى وفقًا لقوانين الاتحاد الأوروبى التقييدية، شق طريقهم إلى أوروبا بطريقة غير قانونية.
بالإضافة إلى ذلك، تحتاج أوروبا بشدة إلى مستويات عالية من الهجرة لضمان النمو الاقتصادى. وفقًا لبنك التسويات الدولية، على سبيل المثال، تحتاج ألمانيا إلى عدد كبير من المهاجرين. حيث إنهم يعملون لساعات أطول فى مقابل أجور أقل، وهم أقل عرضة لارتكاب الجرائم، وأكثر عرضة لبدء الأعمال التجارية.
ضد التيار
فى بيئة اليوم المعادية للمهاجرين، يتم رفض أولئك الذين ينادون بزيادة الهجرة. حيث إن موجة الغضب الشعبى نتيجة فتح أبواب الهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبى فى عام 2015 قد دفعت التحالفات المناهضة للمهاجرين ــ الأحزاب اليمينية المتطرفة ــ للوصول إلى السلطة فى إيطاليا والنمسا والمجر وبولندا. حيث كشف استطلاع للرأى أجراه تشاتام هاوس عام 2017 فى عشر دول أوروبية أن 71 فى المائة فى بولندا، و65 فى المائة فى النمسا، و53 فى المائة فى ألمانيا، و55 فى المائة فى إيطاليا يؤيدون حظر كل أنواع الهجرة من البلدان ذات الأغلبية المسلمة.
يتعين على صانعى السياسة التحدث مع ناخبيهم وإيجاد طرق لمعالجة المشاكل الاقتصادية الكامنة وأزمات الهوية التى تغذى كره الأجانب على نطاق واسع. ففى السنوات القليلة الماضية، كان الوسط الأوروبى وأحزاب يسار الوسط خائفين للغاية من معاقبة جمهورهم لهم إلى الدرجة التى جعلتهم يتبنون ــ إلى حد ما ــ آراء، كانت مرفوضة بالنسبة لهم فى السابق. الأهم من ذلك، يجب ألا تتغلّب الانتهازية على المبادئ. إذا كان للاجئين حق إنسانى أساسى فى اللجوء إلى أوروبا، فيجب أن يفوق هذا الادعاء مقاومة معارضى الهجرة.
فى الحقيقة، إن الموجة المعادية للمهاجرين فى أوروبا تحفزها مخاوف ثقافية لا أساس لها من الصحة إلى حد كبير وليس اقتصادية. حيث سارع متشككون فى الهجرة إلى الإشارة إلى فشل الدول الأوروبية فى دمج المهاجرين الأتراك ومن شمال إفريقيا فى الماضى، كما يتضح ذلك فى الأحياء اليهودية فى بروكسل وبلدات باريس ونقاط برلين الساخنة. ولكن فى الحقيقة هذا الفشل نتج إلى حد كبير عن سياسات وطنية «فاشلة». دول مثل ألمانيا أو فرنسا لم تحاول أبدًا دمج المهاجرين بشكل حقيقي لأنهم يمثلون فى نظرهم مجرد عمالة مؤقتة.
يمكن لأوروبا أن تتبع سياسات أفضل. فمن شأن التأشيرات الإنسانية والمتعلقة بالعمل أن تقلل من تكاليف تأمين الحدود وتحافظ على حرية التنقل داخل الاتحاد الأوروبى، دون سياسات خارجية مشكوك فيها تؤدى إلى الاحتجاز التعسفى وغير المحدود للاجئين الأبرياء.
إن تنفيذ مثل هذه السياسات من شأنه أن يفى بالتزامات أوروبا الأخلاقية مع دعم النمو الاقتصادى وضمان الاستقرار المالى على المدى الطويل. حيث حذر الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، فى خطاب ألقاه عام 2018 فى برلين، من أن العالم يقف عند مفترق طرق. ومع تخلى الولايات المتحدة عن دورها كمدافع عن حقوق اللاجئين وحقوق الإنسان، يقع على عاتق قادة أوروبا تحمل مسئولية حل أزمة اللاجئين.
* عن صحيفة Harvard political review
.