أحوال المسلمين في الغرب
ـ المسلمون في الغرب تحت المجهر الأمني
ـ اهتمام المسلمين بالعمل السياسي في الغرب ضئيل جداً
ـ الأغلبية الساحقة من المسلمين يفضلون إقامة جمعيات إسلامية أو اجتماعية أو ثقافية على الانخراط في الأحزاب
ـ ما دور المتحكمين في إدارة الجمعيات في شرخ الصف الإسلامي وتفريقه؟
عادل فهمي
.
المسلمون و الأمن
استطاعت الولايات المتحدّة الأمريكية وعبر أجهزتها الأمنية بمختلف عناوينها أن تنقل الهاجس الأمني الكبير الذي يتحكّم في مسلكيتها السياسية والذي أوجدته أحداث سبتمبر – أيلول إلى العواصم الغربية والتي راحت أجهزتها الأمنية ترتّب أوراقها وتفتح كافة الملفات القديمة والجديدة وتعيد رسم خارطة وضع المسلمين تحت المجهر في هذا البلد الغربي وذاك .
وإذا كانت العواصم الغربية تبدي احترامها لحقوق الإنسان وقوانين الديمقراطية السائدة فيها، إلاّ أنّها لا يمكنها الإفصاح عن الترتيبات الأمنية المتخذّة والخطوات المدروسة لمراقبة تحركات المسلمين وتحديدا الملتزمين و الحركيين منهم، و الخطوات المتخذّة لوضع المسلمين تحت المجهر كثيرة .
ولم تكتف الأجهزة الأمنية الغربية بهذا الرصد للعرب والمسلمين من الأصول العربية والإسلامية بل بدأت هذه الأجهزة ترصد المسلمين الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام عن طريق البحث والدراسة خوفا من التزامهم بالإسلام الحركي و احتمال أن يؤثّر ذلك على مستقبل الغرب في حدّ ذاته !
و تحاول هذه الأجهزة ومؤسساتها الفكرية والتحليليّة الغوص في المصادر الفكرية والإعلامية التي يعتمد عليها هؤلاء المسلمون من الغربيين من قبيل صفحات الإنترنت باللغات الغربية والكتب الإسلامية المترجمة في محاولة لمعرفة طرق تفكير هذا الإنسان المسلم الغربي الجذور والمواطنة .
وبقيّ القول أنّ مؤسسّات الأبحاث التابعة للأجهزة الأمنيّة الغربيّة توظّف غربيين من خريجي معاهد الاستشراق واللغات العربية والفارسية والتركية والكرديّة عندما يتعلّق الأمر بتشريح العالم العربي والإسلامي الذي يشرّح فكريا في أعلى المستويات الغربيّة ويراد تشريحه جغرافيا من خلال تفتيته إلى دويلات كما تقضي الإستراتيجية الغربية الجديدة !!!
المسلمون و العمل السياسي
يتمتّع المسلمون الذين يعيشون في الغرب سواء الذين يحملون جنسية البلد الغربي الذي يقيمون فيه أو المقيمون إقامة دائمة فيه بنفس المزايا الدستوريّة و القانونية والحقوق التي يتمتّع بها الإنسان الغربي بالكامل، ويحقّ للمسلمين في كل الدول الغربية والذين يتمتعون بحق المواطنة من الانضمام إلى أكبر الأحزاب السياسيّة الفاعلة سواء التي كانت في الحكم أو في المعارضة ، كما يحقّ للمسلمين الذين يتمتعّون بحق المواطنة تأسيس أحزاب سياسيّة أو جمعيات ثقافية واجتماعية وغيرها أو تأسيس جرائد ومجلات ووسائل إعلامية مسموعة ومرئيّة وكل ذلك متاح وتكفله القوانين التي لا تضع أيّ قيد في طريق العمل السياسي أو الإعلامي أو الثقافي، ومع كل هذه الحريّة المتاحة والمعطاة لكل من يحمل المواطنة الغربيّة إلاّ أنّ المسلمين المقيمين في الغرب لم يستفدو من هذه الأجواء والفضاءات السياسية الحرّة إلاّ بمقدر ضئيل – كما تفيد العديد من البحوث الغربيّة وبعض البحوث المحدودة التي قام بها أكاديميون مسلمون .
وتشير الإحصاءات الغربية نفسها أنّ اهتمام المسلمين بالعمل السياسي في الغرب ضئيل إلى أبعد الحدود ، فعلى الرغم من أنّ كافة الأحزاب الفاعلة و غير الفاعلة في الغرب لا تضع أي فيتو ضدّ أي مسلم كيّ ينضمّ إليها، ويكفي ملء استمارة ليصبح الإنسان عضوا كامل العضوية في أي حزب، له حق الوصول إلى سدّة رئاسته إذا أراد، ومع ذلك فإنّ اهتمام الجيل الأول من المهاجرين المسلمين وحتى الجيل الثاني والثالث بالسياسة محدود جدّا وللغاية، وإذا كان انضمام المسلمين إلى الأحزاب الغربية محدود للغاية فإنّ ضلوعهم بتشكيل أحزاب سياسيّة خاصة بهم معدومة من أساسها وهناك تجارب محدودة للغاية في بريطانيا على سبيل المثال .
لقد حرم المسلمون أنفسهم من حقّ التأثير في اللعبة السياسية الغربية و بالتالي المساهمة في صياغة القرارات الكبرى والصغرى التي تتخّذ في البرلمانات الغربية، ويقول أحد الخبراء الغربيين أنّ عدم مشاركة المسلمين الذين يتمتعون بحقّ المواطنة في الحياة السياسيّة وفي الانتخابات العامة التشريعية والبلدية جعلهم مُسيرّين من قبل نخبة سياسية غربية كان بإمكانهم لو استخدموا حقّ مواطنتهم من تغيير الكثير من المعادلات .
وفي هذا السيّاق يشار إلى أنّ المسلمين في الغرب يحتاجون إلى وضع إستراتيجية كاملة للتأثير على الحياة السياسيّة الغربية و التأثير على مجرياتها إمّا عبر الانضمام المكثّف إلى الأحزاب الفاعلة أو عبر صناعة أحزاب جديدة تخاطب على وجه التحديد الجيل الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين وتشعرهم بأدوارهم في معترك السياسة الغربية .
وعدم انخراط المسلمين في اللعبة السياسية الغربية مرده إلى أسباب عديدة أهمها المستوى الثقافي البسيط حيث لم تعمل شرائح واسعة من المسلمين على تطوير شخصيتهم العلمية والثقافية، خصوصا وأنّ الدورات التحصيلية النهارية والليلية منتشرة في الغرب.
كما أنّ الاختلاف الضارب أطنابه بين التوجهات الإسلامية في الغرب حال دون توحيد الرؤى ورسم الرؤية الموحدّة، بالإضافة إلى ذلك فإنّ الأغلبية الساحقة من المسلمين يفضلون إقامة جمعيات إسلامية أو اجتماعية أو ثقافية على الانخراط في أحزاب حاكمة، وبالتالي التأثير في القرارات الكبرى لهذا الحزب وذاك، علما أنّ تشكيل الجمعيات على أنواعها له إيجابيات لكن مفعوله محدود في نطاق عائلات مسلمة محدودة يدرس أبناؤها اللغة العربية ومبادئ الدين الإسلامي، أمّا العمل ضمن المعادلة السياسيّة الغربية من شأنه التمكين لحقوق المسلمين في الجغرافيا الغربية وفي الجغرافيا الإسلامية على صعيد المساهمة في صناعة سياسة خارجية تكون قريبة إلى تطلعات الشعوب المسلمة أو أقلا تحدّ من الهجمات الشرسة التي يتعرّض لها عالمنا العربي والإسلامي .
المسلمون والقضية الفلسطينية
لم تؤدّ الحياة الغربية بكل إفرازاتها ورفاهيتها إلى سلخ حوالي ثلاثين مليون مسلما يعيشون في أوروبا عن محور قضاياهم ـ فلسطين ـ وما تتعرّض له من ظلم سافر ومتواصل. وتؤكّد الفاعليات العربية والإسلامية، التي تنطلق في أكثر من عاصمة أوروبيّة في كثير من المناسبات الوطنية الفلسطينية، أنّ الجاليّة العربية والإسلامية في الغرب ورغم أنّها بعيدة عن جغرافيا الحدث الفلسطيني، لكنّها موجودة في دائرته السياسية والإعلامية و تداعياته اليوميّة، والأكثر من ذلك فإنّ الآباء العرب والمسلمين استطاعوا أن ينقلوا عقيدتهم بضرورة استرجاع فلسطين إلى أبنائهم الذين ولدوا في أوروبا والذين لا يعرف بعضهم العالم العربي، بل لا يتكلم أكثرهم اللغة العربية، وهؤلاء الأولاد المولودون في أوروبا يحيطون علما بتفاصيل القضية الفلسطينية رغم السيطرة الصهيونية على مفاصل الإعلام الغربي و تحويلها قضية الهولوكست إلى مرجع في فهم التطورات الحاصلة في فلسطين بالنسبة لكثير من الغربيين، إلاّ أنّ كل ذلك لم يزعزع إيمان هؤلاء.
في هذا السيّاق نشير إلى أنّ الأطفال المولودين في أوروبا والذين لم يروا فلسطين ولا العالم العربي كانوا في طليعة التظاهرات التي شهدتها مدن أوروبية دعما للقضية الفلسطينية، وكان حملة الأعلام الفلسطينية و الشعارات أطفال من أصول عراقية ولبنانية وجزائرية ومصرية وكردية وإيرانية وتركية، وفي ذلك إشارة إلى أنّ العائلات العربية والمسلمة نجحت في جعل الهمّ الفلسطيني همّا عربيا وإسلاميا بالدرجة الأولى. ومن شأن هذا التوحد أن يعطي دفعا للقضية الفلسطينية لأنّ الدوائر الغربية تتوجّس خيفة من أي عمل وحدوي فيه تنظيم وتنسيق، وتوليه أهمية أكثر من الأعمال المنفردة غير المدروسة .
والملاحظة الأخرى التي يمكن إدراجها في سيّاق قراءة مشهد تظاهرات دعم القضية الفلسطينية في الغرب هو أنّ المرأة العربية والإسلامية كان لها وجود كبير في كل التظاهرات التي انطلقت في العواصم الغربية ، بل إنّ العديد من النسوة العربيات اضطلعن بمهمة توزيع المناشير المكتوبة باللغات الغربية، والتي تكشف حقيقة المجازر الصهيونية، وكان للفتيات الشابات دور كبير في إطلاق الشعارات المنددة بالغطرسة الصهيونية . هذه المرأة التي أراد لها الإعلام الغربي أن تكون ماجنة ومتحررة، و شاءت فلسطين أن تكون إمرأة مشدودة إلى أقصاها الأسير بكل ما يمثله في حركة التاريخ والنبوات ……
لكن ماذا حدث ولماذا اختلف العرب والمسلمون وأصبحوا شيعاً وأحزاب وجمعيات تعمل ضد بعضها البعض .. وما دور المتحكمين في إدارة الجمعيات والروابط في شرخ الصف الإسلامي وتفريقه ؟
تفرقت الجالية الإسلامية والعربية بعد موجة الثورات العربية، اصبح لكل فرد اتجاه، وفقدت القضية الفلسطينية بعض من بريقها، الذي وحد صفهم.
إلى أن وصلت الجماعات الإسلامية إلى حكم دول مثل تونس ومصر كان كل شيء على ما يرام، وما أن تحولت الثورة السورية الشعبية إلى حرب بين فصائل تكفيرية، تحاول باسم الدين الحصول على مكاسب سياسية، في الوقت نفسه تمت إزاحة الإخوان المسلمين عن حكم مصر.
هنا .. هنا بدأت الجالية الإسلامية تعض بعضها البعض.
لقد انتهت صداقات دامت عشرات السنين لمجرد أن شخصاً يعارض حكم الإسلاميين (الإخوان أو النهضة)، أو يساندهم. لقد غلبت على الجالية في الغرب الروح العربية التي لا تعرف الرأي والرأي الآخر.
تدخل بعض خطباء المساجد في السياسة، وأصبحت المنابر الدينية .. للأسف سياسية. وقد ساعد خطباء المساجد في إشاعة الفرقة بين المسلمين، لا لشيء فقط لإثبات أنهم يدعمون الفصيل المحبب لديهم.
.