متناقضات الساسة والسياسة

.

د. أمير حمد

ناقشت مجلة الدليل في عددها السابق قضايا آنية مهمة تعني بنهاية حكومة ميركل والفترة التي تليها نتيجة لتنازلها عن رئاسة الحزب بسبب الضغوط السياسية عليها لفشلها في سياسة اللاجئين وفقا لرأي المعارضة AFD  وأكثر من ثلث حزبها.

لا يمثل فشل ميركل الراهن فشلا وحيدا في الساحة العالمية  فترامب مثلا يواجه بتورطه في صفقات روسية وتريزا ماي في بريطانيا جراء بريكست وكذلك ماكرون لسياسته الليبرالية ورفع الأسعار. هذا إلى جانب اشتداد زحف الأحزاب الراديكالية في كل دول أوروبا. فلنتابع معا التطورات في هذا المقال.

ـ في انتخاب رئيس حزب CDU:

بإلقاء النظر على المتنافسين الثلاثة ( فريدريش ميرز، كارنباور، شابان) على منصب قيادة الحزب يتضح لنا اهتمامهم الجاد بحل أزمة اللاجئين وإعادة الحزب إلى اليمين وليس الجنوح به إلى اليسار الاشتراكي كما فعلت ميركل.

يمثل شابان اليد اليمنى لنهج سياسة حزب AFD المتطرف الذي يرأسه كاولاند عضو حزب CDU سابقا. اقترح شبان مناقشة ورفض التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين ، اذ يرى فيها اجتياح أكبر عدد ممكن من اللاجئين والأجانب إلى ألمانيا. أما ميرز البليغ في خطابه السياسي عرف سابقا بتمسكه بالهوية الألمانية وخوفه من تذويب المجتمع الألماني وضياع هويته ومنظومته الثقافية. ذهب ميرز أكثر ليقارن ويفضل ترامب على ميركل اذ قال بأن ترامب التزم بتحقيق برنامجه السياسي أمام من انتخبه على النقيض من ميركل التي آثرت الانفتاح على أوروبا وقضايا الأجانب وليس الألمان مما أنشأ أحزاب متطرفة.

أما كارنباور فهي المرشحة الوحيدة التي تسير بخطوات بطيئة وراء سياسة ميركل التي اختارتها لأن تكون سكرتيرة الحزب وأن تتخلى عن منصبها كرئيسة لوزراء ولاية زارلاند مركز اليسار بغرب ألمانيا..

نقول .. لا فرق بين هذا، هذه أو ذاك .. كلهم يمثلون الحزب المحافظ وعلى نفس النهج، ولا يهم من يترأس الحزب !!

ثمانية عشر عام وميركل رئيسة حزب CDU المسيحي الحاكم وهي أطول فترة منذ المستشار الأسبق هلموت كول. من محض الصدفة ان يتم اختيار رئيسة الحزب بعد ميركل في مدينة هامبورج المدينة التي ولدت فيها ميركل وعرفت بانفتاحها وحريتها وتداخلها مع الأجانب لأهميتها وشهرتها كميناء بحري دولي.

أخيرا انصرمت بوادر توقعات العاصفة يوم اختيار رئيس حزب CDU الحاكم فتم اختيار حليفة ميركل وسط تصفيق وفرح كبير كميلاد للحزب وإحياء لحقبته الذهبية من سنوات المستشار هلموت كول بمعنى تجديد الحزب وليس تعديله وتذويبه في حزب آخر أو تقليده.

ودّعت ميركل منصب رئيس الحزب بعد أن تركت بصماتها واضحة عليه، فقد استطاعت كرئيسة للحزب ايقاف الخدمة الالزامية بالجيش وساوت زواج المثليين بالزواج الفطري وساوت حقوقه به هذا كما خرجت من فروع الطاقة النووية،هذا كما فتحت ميركل الحدود معتمدة على شعارها “سنجتاز الأزمة ” إلى جانب ذلك اشتد الخلاف بينها وبين زيهوفر وزير الداخلية ليصل إلى حد أن شارف الحزبين الحليفين CDU و CSU على الانفصال.

ها هي كارنباور ترأس الحزب الحاكم بعد ميركل اي هو فوز متناوب بين امرأتين. إن كارنباور كاثوليكية اعتمدت في فوزها على مشوارها السياسي السابق وخبرتها وترأسها لوزراء ولاية زارلاند بعد أن انتصرت على حزب ال SPD هناك وأنقذت مواطني الولاية من الانضمام إلى حزب AFD المتطرف بتبني سياسة حازمة مع اللاجئين كتسفير المرفوضين سراعا، لاسيما المجرمين منهم.

قالت كارنباور بأن معظم البرلمانيين يرى فيها نسخة من ميركل وأنها ستسير في طريقها مما يقوي حزب AFD ، تقول معترضة بأنها سياسية دربة وليس ظل لأحد لذا دعت ميرز وشابان، خصميها في انتخابات رئاسة الحزب، للانضمام إليها لتسيير أعمال حزب CDU اذ رأت في اختلاف آرائهم تنوعا وإثراءً وليس نجاح أو هزيمة. 

في ملف اللاجئين:

جاء في تقرير منظمة UNHCR مفوضية الأمم المتحدة للاجئين الأخير أن أفريقيا تمثل تقل وهجرة اللاجئين وان تعداد سكان افريقيا سيتضاعف عام 2050 ليصل 2 مليار مواطن. هاجر اللاجئون الأفارقة إلى أوروبا بل وداخل افريقيا لطول الحروب لاسيما الأهلية منها والجفاف والفقر والبطالة والإرهاب والعنف. هجرة إلى السواحل الأوروبية وأخرى إلى المغرب وإسرائيل كآخر حل ممكن بعد أن شددت الرابطة الأوروبية تأمين حدودها الجنوبية في ايطاليا واليونان ونشرت سفن المراقبة وقوات السواحل في البحر المتوسط.

هذا وقد جاء في تقرير مؤتمر الأمن بميونخ الأخير أن فعالية قوات الرابطة، لاسيما الفرنسية منها في غرب افريقيا منذ عام 2014  حققت نجاحا جزئيا في كبح الإرهاب وتأمين حياة المواطنين هناك مما يضمن بقائهم وعدم تهجيرهم وتشردهم.

إلى جانب هذا كفلت اتفاقيات اللجوء مع دول غرب افريقيا ودول شمال افريقيا تقليص هجرة اللاجئين علما بأن اتفاقية منظمة الامم المتحدة الموقعة في المغرب جاءت بحلول سريعة وناجحة لتنظيم هجرة اللاجئين وإيقاف الهجرة السرية والقضاء بالتالي على نشاط المهربين اللذين أودوا بحياة آلاف اللاجئين الأبرياء.

وعليه اعتبرت منظمة اللاجئين ألمانيا الدولة الأكثر اهتماما واحتواءً للاجئين، كما أثنت على دعمها المالي لصندوق تنمية دول افريقيا ومحاربة الجفاف ومجابهة تغير الجو بالالتزام باتفاقيات مع الدول الصناعية لفرنسا وبولندا.

متناقضات

ـ لا تزال تشغل قضية اللاجئين الساحة السياسية والعامة بألمانيا والرابطة الأوروبية اذ لا يمر أسبوع واحد دون تطور جديد في مجريات هذه القضية. هنا نشير إلى قضية “سارة” اللاجئة السورية الحاصلة على جائزة “بامبي” والتي أنقذت لاجئين كثر من الغرق في إحدى جزر اليونان. لم يمض وقت طويل على هذا التكريم إلا واعتقلت اليونان هذه اللاجئة الانسانة بتهمة تهريب اللاجئين. يقول متحدث لوزارة داخلية اليونان بأن هذه الناشطة تعمل مع الناشطين الطوعيين وأصحاب السفن الخيرية ليس لإنقاذ اللاجئين وإنما لتهريبهم وذلك بالتعاون مع المهربين بتقديم المساعدات لهم والاستشارة حول أقصر الطرق لوصول سواحل أوروبا الجنوبية.

إن حادثة كهذه تؤكد مدى عمق وتصادم الحقائق والاتهامات بل والتدخل المباشر لسلطة الدولة في قيد اللاجئين اي من كان، فاللاجئة سارة مثلا مهددة بالسجن لمدة 25 عام باليونان !!

ـ كان وقد  ناقشت الأمم المتحدة في الاتفاقية الاخيرة التي وقعت في المغرب امكانية مكافحة المهربين عن طريق اتاحة الهجرة المشروعة وتنسيق قدوم اللاجئين إلى أوروبا. ووقعت هذه الاتفاقية في المغرب  في ديسمبر الماضي رغم عدم توقيع دول عديدة عليها كالنمسا والمجر … 

إننا وإذ نتحدث عن هذه الاتفاقية المعنية بالهجرة واللاجئين يستوجب أن نشير إلى الاعتراضات الموجهة اليها من قبل الأحزاب الأوروبية بشكل عام لاسيما اليمينية والمتطرفة منها:

أولا: يرى المعترضون عليه بأنه مكتوب بصيغة عامة وعليه يصعب نقاش كل نقاطه وتأملها والرد عليها.

ثانيا: اعتراض على إدراج اللاجئين والمهاجرين في شريحة واحدة أي لا يميز بين هجرة اللاجئين والمهاجرين الطوعيين، ولا يرفض دخوله إلى الدول التي وقعت على هذا الاتفاق ويحق له تقديم طلبه بعد دخوله إلى الدولة الموقعة.

ثالثا: اعتراض كذلك على تمويل المهاجرين الجدد هؤلاء ومغبة تدهور الدول الموقعة عليه اقتصاديا وأمنيا كما حدث من قبل عام 2015 وما بعده.

ـ ذهبت النمسا مثلا إلى تغير خارطة أوروبا بعد دخول موجة اللاجئين الجديدة وتهديد أمنها وثقافتها لصعوبة التحري عن هويات هؤلاء اللاجئين والتأكد منها ورفض الدول القادمين منها ارجاعهم إليها. هذا وقد ذكرت الصحافة السويسرية بات كل ثالث افريقي يرغب في القدوم إلى أوروبا وأن ما لا يقل عن 300 مليون لاجئ ومهاجر سيدخلون أوروبا إلى نهاية عام 2050.

ـ حاولت الكنائس الكاثوليكية في أعياد الميلاد توسيع كفل لاجئين افريقيا لاسيما في ايطاليا الكاثوليكية. يقول رئيس حزب كيفا المتطرف الحاكم بأن الكنيسة تخرج عن القانون باحتوائها للاجئين دون أوراق رسمية ومعرفة هويتهم ان كانوا سلميين أو ارهابيين. وقال مواصلا بأن حزبه سيواصل سياسة الاقصاء والعنصرية لعدم رغبة الايطاليين في اللاجئين اللذين لا يقدموا لايطاليا سوء البطالة والتكسب من خزينتها.

حدث هذا في أعياد الميلاد بعد أن سجلت ايطاليا وهولندا وألمانيا انتصارا على المافيا بجنوب ايطاليا، اذ قبضت على رؤسائها وكم هائل من المخدرات “مارجوانا” والحبوب المخدرة.

ـ إلى هذا انشقت الكنائس البروتستانتية الألمانية بتصحيح تاريخها بالاعتذار إلى مواطني زامبيا في عهد استعمار فريدريش الثاني لها. إذ تم قتل الآلاف وتشريدهم في الصحراء وإكراههم على الأعمال الشاقة والتمثيل بجثثهم. يقول متحدث الكنيسة البروتستانتية في نامبيا بأن استقطاب الأفارقة كلاجئين في ألمانيا جزء من رد الجميل لهم وتخفيف من عبء عقدة الاستعمار عام 1904 لنامبيا.

ـ صرحت ميركل قبل زيارتها الأخيرة لأمريكا لمراسم دفن جورج بوش الرئيس الأمريكي الذي أنهى الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا وساعد في اتحاد الألمانيتين بأن ألمانيا ستظل تسترفد من دروس تاريخها بمقاومة النازية وإقصاء الآخر المختلف، مثلما أتيح لألمانيا الخروج من التعتيم بلم شملها يستلزمها أن تلم شمل المشردين وتساعد اللاجئين مثلما ساعدت أمريكا والدول الأوروبية والألمان بعد الحرب النازية.

هذا وقد أكدت ميركل بأن توقيع اتفاقية الأمم المتحدة بالمغرب لا تمثل خوفا وتهديدا لأمن ألمانيا كما يرود لها الكثيرون وبعض الأحزاب وإنما هي محاولة جادة لتنظيم هجرة اللاجئين وإنقاذ حياتهم وذويهم من مغبات الموت غرقا وإدراك أن الهجرة المشروعة هي الحل الأسلم وليس التهريب والمغامرة المأساوية بهذا تكون ميركل قد ختمت عام 2018 في طريقها لانتصار جديد يكفل لها كبقائها على الحكم وخروجه معه بكرامة وتقدير كما يرغب وفق تصريحات لها في الصحافة والتلفزيون الألماني.  

وأخيراً

هل ستسير ألمانيا في نفس طريق ميركل بعد تولي كارنباور لرئاسة حزب CDU أم ستعدل السياسات، لاسيما سياسة اللجوء ليتحقق تجديد بالفعل داخل الحزب وألمانيا ؟

ربما ينقشع المستقبل القريب وكارنباور مستشارة لألمانيا وأنجيلا ميركل رئيسة للرابطة الأوروبية. ts=functio