المهاجرون وفن التعامل مع الإعلام
د. عمرو راغب
ـ الإعلام قادر على رسم صورة إيجابية تعمل على التأثير بإيجابية على تعامل الآخرين مع المهاجرين، وهو قادر أيضاً على تشكيل صورة سلبية لا تمحى من الأذهان.
ـ المشكلة الحقيقية في طريقة التعامل الإعلامي مع القضايا السياسية، ومن ضمنها قضايا المهاجرين ، تكمن في أنها معالجة سريعة تستهدف الإثارة ولا تسعى لمخاطبة جادة تعمل على تحليل المشاكل في العمق.
ـ من واجب “الجمعيات والاتحادات” الاعتراض على توصيف المهاجرين ب”العبء الاقتصادي” عبر تبيان الدور الذي يقومون به في دعم الاقتصاد وتوفير المهارات المختلفة في شتى المجالات.
ـ الأفعال الصادرة عن أفراد من الجالية تعطي زخماً للأفكار المسبقة عن المسلمين مثل جرائم الشرف، والفساد وتجاوز القوانين، وترديد العبارات التصادمية عند التعامل مع الموضوعات محل الجدل، دون الاهتمام بشرح الذات للآخرين أو تقديم تفسيرات منطقية.
من أصعب الأشياء على الإطلاق أن تواجه خصماً لا تراه، وأن تتعامل مع تهديد لا تعرف من أين يأتيك أو كيف يصيبك أو متى يعمل على اقتناصك، وإذا كانت المعرفة كما يقولون هي القوة، فإن الجهل هو الضعف بعينه، لأنه يسلب المرء جوهر قوته ذاتها وإن لم يسلبه مقوماتها، وذلك عبر انتزاع المبادرة من بين يديه، وحرمانه من استخدام قوته على الوجه الصحيح. والإعلام ليس استثناء من هذه القاعدة، فهو كان وسيظل كياناً حياً يتمدد ويتقلص تبعاً للمتغيرات والظروف، وتحكم حركته والعالم الذي يشكله قوانين متداخلة وحسابات شديدة التعقيد. والدخول في مواجهة مع الأداة الإعلامية ليس أمراً هيناً وأقل ما يفعله المرء في هذا الشأن أن يعرف – تحديداً– طبيعة ما يواجهه وكيف يتعامل معه.
والإعلام ليس خصماً في المطلق العام بل هو أقرب ما يكون إلى التنين ذو الرؤوس المتعددة والذي يمكن أن تطوعه للعمل في صالحك، أو تتركه للآخرين كي يستخدمونه في القضاء عليك. ومنذ اللحظات الأولى التي تطأ فيها أقدام المهاجر الأرض الموعودة، فإنه يصطدم بحواجز زجاجية تصعب رؤيتها وقد صنعتها الآلة الإعلامية بمختلف وسائطها، بعضها لها قوة الفولاذ والأخرى تصمد حيناً لكنها تنهار في النهاية. على أن الصعوبة الحقيقية تكمن في رصد تلك الحواجز والتعامل معها قبل الاصطدام بها، والوقوع في فخ الخسائر الفادحة التي كان من الأفضل لو تم تجنبها منذ البداية.
فقوة الإعلام تكمن في قدرته على تشكيل الوعي الكامن في أذهان أولئك الذين يتحتم علينا التعامل معهم لسبب أو لآخر، أو يملكون بحكم مناصبهم أو أوضاعهم القدرة على التأثير على مجريات حياتنا، خاصة في مرحلة الاستقرار الأولى في المهجر والتي هي أبعد ما تكون عن الاستقرار، والتي يحاول المهاجر فيها وضع جذوره داخل الأرض التي اختارها لتكون وطناً جديداً له. فالإعلام قادر على رسم صورة إيجابية تعمل على التأثير بإيجابية على تعامل الآخرين مع المهاجرين، وهو قادر أيضاً على تشكيل صورة سلبية لا تمحى من الأذهان وقد تؤدي إلى تعقيدات وحساسيات لا نبالغ في القول أنها قد تكون مسئولة وبشكل كبير عن لفظ المهاجر خارج إطار المواطنة وتحويل حياته إلى جحيم ينتهي عادة بفشل اندماجه في مجتمعه الجديد، وإلى عزله فكرياً وإنسانيا عن الآخرين ليتحول حضوره إلى مجرد تواجد جسدي وانفصال حضاري وعقلي كامل عن نسيج المجتمع.
تفعيل العلاقة بين وسائل الإعلام وعموم المهاجرين العرب والمسلمين:
لعل أحد أهم النقاط التي تؤثر على أية معالجة إعلامية لأي موضوع هي وجود مصدر محدد للمعلومات التي تبنى حولها تلك المعالجة الإعلامية. فكلما كانت المعلومات دقيقة والأرقام صحيحة، كلما كان من الصعب حرف المعالجة الإعلامية عن جادة الصواب والحيادية. وعلينا أن نتذكر أن المعلومات الناقصة هي معلومات مغلوطة في نهاية الأمر، وأن نذكر الآخرين بذلك دوماً عبر الإشارة إلى نواقص المعلومات التي يقدمونها، والخلل في تحليلاتهم جراء ذلك. وهذا الأمر يكتسب أهمية خاصة كون معظم التحليلات، وبالتالي الانطباعات والاستنتاجات، يتم بناؤها اعتمادا على مصادر غير دقيقة أو غير مطلعة على الخلفيات الاجتماعية والثقافية والسياسية، مما يتسبب في أخطاء مهمة في الفهم والتحليل. لذلك فإن علينا أن نتذكر أن الصورة الإعلامية هي نتاج “معلومة” و “قراءة”، ومن أجل صورة صحيحة فإن المرء يحتاج معلومة دقيقة وقراءة محايدة.
– سلبية الغالبية العظمى من المهاجرين والعلاقة مع الإعلام :
من الطبيعي إذاً أن نسأل أنفسنا عن مصدر المعلومة، ولماذا هذا الحجم الكبير في المعلومات المغلوطة عن المهاجرين المسلمين وثقافتهم، وكيف يتأتى لنا نعمل على ضمان صحتها. لكن جزءًا من إجابة هذا السؤال تتطلب اعترافا شجاعاً وصريحاً بأننا نعاني من سلبية في التعامل مع الإعلام، وهي سلبية تمنعنا من تقديم المعلومة الصحيحة عندما تكون هناك حاجة لها، وتحد من قدراتنا على التواصل مع الآخرين والدفاع عن قيمنا ومعتقداتنا، والأهم من ذلك أنها تحرم الآخرين من فرصة فهمنا كما ينبغي. لذلك فإن الخطوة الأولى تكون في التعامل بفعالية وإيجابية مع مختلف الشؤون الإعلامية، والتخلي عن السلبية في مواجهة الصور النمطية والانطباعات المسبقة التي تم تناقلها دون فحص أو تدقيق من قبل الإعلاميين ومن قبلهم المفكرين والسياسيين.
فمن واجبنا الاعتراض على توصيف المهاجرين ب”العبء الاقتصادي” عبر تبيان الدور الذي يقومون به في دعم الاقتصاد وتوفير المهارات المختلفة في شتى المجالات، وهي نقطة ازدادت أهميتها بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية حاليا. فالفكرة القائلة بأن المهاجرين إما بطالة مستهلكة أو عمالة “سارقة” لفرص العمل مردود عليها من واقع الأرقام، والتي تبين حجم النقص في مجالات العمل التي يغطيها المهاجرون عامة، والإسهامات التي يقدمها أفرادهم في مجالات التجارة والصناعة والاقتصاد. أما الفكرة القائلة بأن المهاجرين المسلمين يصعب إدماجهم في المجتمع، فمن الأحرى أن يصار إلى بحثها في إطارها الأعم الذي يتناول تحديد مفهوم هذا الإندماج وحجم المصاعب التي تواجهه، من أجل إظهار الحقيقة التي مفادها أن مسؤولية حل هذه المشكلة تقع على عاتق كل من الدولة والمهاجرين والمجتمع أيضاً.
على أن أهم أجزاء الصورة النمطية التي يتحتم على المهاجرين العرب والمسلمين مواجهتها هي الجزء السلوكي والأمني، فالنظرة المترسخة داخل الوجدان الغربي أن العربي بطبعه يميل إلى العنف ولا يقيم وزناً لقيمة الروح البشرية، وهي نظرة تكاد تنزع الإنسانية عنه لتوسمه عوضاً عن ذلك بالهمجية المطلقة، أو السلوك النفسي المرضي نتيجة للضغوط الدينية والثقافية. والمشكلة في هذه المنطقة بالذات أن هناك حالة من العصبية تنتاب جميع الأطراف، وفي هذا الوقت بالذات، نتيجة للتحديات الأمنية التي فرضتها التهديدات القادمة من الجماعات الدينية في الشرق، والتي تدير صراعاً مفتوحاً مع دول الغرب وتتوقع دعماً خالصاً من الأقليات المسلمة بحكم الشراكة في الدين، طبقاً لخطابها الذي تعاود توجيهه بين الفينة والأخرى. وبوضع هذا الخطاب بجانب النظرة القديمة بهمجية هذا المهاجر، فإن المحصلة كانت حالة من التشكيك الدائم بولاء المهاجر لدولته الغربية والتعامل معه كتهديد محتمل للأمن العام في إشارة واضحة لفقدان الثقة.
ولا يتأتى مواجهة حملة التشكيك هذه أو أية صور نمطية أخرى ما لم تكن هناك مواجهة صريحة مع الذات والاعتراف بأن آليات التواصل مع المجتمعات وهيئاته، ومن ضمنها أدوات الإعلام، تفتقد إلى الحد الأدنى من التكامل والهيكلية وتعاني من العشوائية والتخبط الفكري والسياسي قبل الإداري. فهناك بالتأكيد افتقار واضح للخطاب الثقافي وبالتالي الإعلامي المنسجم والمنطقي، ولا نقول الموحد فهذا حلم بعيد المنال. وإضافة إلى ذلك هناك مشكلة في الإشارات والعلامات التي نرسلها إلى الآخرين، ومشكلة في التفاسير التي نقدمها للمتابعين لشؤون الجالية ومشاكلها الأمنية والإجتماعية والثقافية، كما أن الانغلاق على الذات وفي هذا الوقت بالذات يثير الهواجس ويعزز الشكوك ويدور كل الطرفين لا محالة.
فالسلبية في التعامل مع وسائل الإعلام وتساؤلاتها، وعدم الانتباه إلى الأفعال الصادرة عن أفراد الجالية والتي تعطي زخماً للأفكار المسبقة عن المسلمين مثل جرائم الشرف، والفساد الإداري وتجاوز القوانين، وترديد العبارات التصادمية عند التعامل مع الموضوعات محل الجدل، خاصة السياسية والدينية دون الاهتمام بشرح الذات للآخرين أو تقديم تفسيرات منطقية لوجهة النظر المتبناة، كل هذا لن يكون له سوى آثار سلبية على فهم الآخرين لقضايانا ويضعف بذلك قدرتنا على التواصل واستشراف حلول وسط تخدم جميع الأطراف وتعبر عن مصالحهم الخاصة والمشتركة في وطن أصبحوا يتشاركونه، بغض النظر عن رغبتهم في ذلك من عدمه.
وهذه الأفعال والأقوال هي بمثابة المعلومات التي تغذي وسائل الإعلام والتي تتم معالجتها وفقاً لحيادية ونزاهة الإعلاميين، كل على حدة، ورؤيتهم لمختلف جوانب الموضوع محل البحث، ومن المؤكد أن أفعالاً محكمة واضحة ومعززة بشروح واضحة وكافية سيكون من شأنه التأثير على معالجة المسئول الإعلامي للمادة التي يتناولها، لأنه سيكون مجبراً والحالة تلك على تناول وجهة النظر الخاصة بالمهاجرين في تفسير ومعالجة الموضوع، وهو ما يوجد نوعاً من القيود الأخلاقية والمهنية تمنعه من الحيد عن جادة الصواب، أو على الأقل تمنعه من الشطط بعيداً في تطويع المعلومة لتخدم مصالح واهتمامات أطراف أخرى.
وبكلمات أخرى، فمن مصلحة كل الأطراف أن يتواجد المهاجرون بمختلف أجيالهم وأطيافهم على الساحة وأن يعملوا على تعزيز وجودهم واحترام وجهة نظرهم، ولن يحدث هذا ما لم يتخلى الجميع عن سلبيتهم، وهذا يشمل كلاً من الحرص على عدم إتيان أفعال خاطئة، أو الانزواء بعيداً عندما تكون هناك حاجة لتفسير واضح لأقوال قيلت، وبدت خارج السياق. وأياً كان سوء الوضع على الأرض، فمن الأفضل مواجهته والعمل على معالجته، عن الانزواء بعيداً والاعتماد على كرم الآخرين وحيادهم وتفهمهم من أجل تبيان الحقائق والأسباب.
– الخطاب الفكري والتعامل الإعلامي
على أن الأهم من وجود الأداة الإعلامية ذاتها هو وجود الخطاب الفكري الذي يشكل مضمون الرسالة التي يحاول هذا الإعلام توصيلها إلى مختلف الأطراف. فبدون مضمون هادف وحقيقي تصبح الرسالة خاوية من المعاني ولا قيمة لها، بل وقد تكون ضارة في بعض الأحيان. وللخطاب الفكري هدفان أساسيان، أحدهما يتعلق بالشأن الداخلي للجاليات ومعالجة المشكلات الاجتماعية والثقافية التي تواجهها في بلد المهجر، والآخر يتعلق بشرح الذات لدى “الطرف الآخر”، بدءًا من المواطن العادي ومروراً بطبقات التأثير الفكري والإعلامي، ثم صعوداً إلى دوائر النفوذ واتخاذ القرار في الدولة من ساسة وبرلمانيين.
وللخطاب الفكري الداخلي والمتعلق بالجاليات أهمية قصوى تنبع من كونه مفتاح الاستقرار الاجتماعي والثقافي وحتى النفسي لهذه الجاليات، وهو خطاب يفترض فيه أن يقدم إجابات عملية واضحة لمعضلات الهوية الفكرية والثقافية والاندماج عبر التوافق بديلاً عن الذوبان، ومعالجة التراث الفكري وتحديث المقاربات الثقافية، وكذلك التجديد الديني وبحث المذاهب الفقهية في شؤون أهل الاغتراب، وغيرها من الأمور التي تؤثر على وضعية الجاليات وتهم أفرادها في تعاملهم اليومي وحياتهم الجديدة في بلد المهجر.
ورغم أنه موجه في الأساس إلى تعزيز البنية الفكرية والعقائدية وفك العديد من الاشتباكات المذهبية والفكرية بين أبناء الجاليات أنفسهم، إلا أنه يشكل دعائم ومضمون الرسالة الفكرية التي يتحتم نقلها إلى بقية أفراد المجتمع المحيطين بأفراد هذه الجاليات. ودور الإعلام هنا متشابك وحيوي للغاية، إذ عليه أن يقدم الأرضية التي يتم عليها الحوار والاتفاق بين أفراد الجالية وخاصة مفكريها وقادتها، كما عليه أيضاً أن يدير السجال الفكري بطريقة بناءة تساعد على إنجاحه، وفي النهاية عليه أن يضطلع بمهمة إيصال الرسالة إلى مستهدفيها من أبناء الجالية.
أما الهدف الثاني للخطاب الفكري فهو تفعيل الاتصال الفكري مع الآخرين في بلد المهجر بغية شرح الذات بلغة يفهمونها، وبشفافية تسمح بتناول مخاوف كل من الأطراف وبحث الوسائل الكفيلة بتقريب وجهة النظر حيال تلك المخاوف، وكذلك أساليب معالجتها. وفي هذا المجال فإن شؤون المواطنة وحرية التعبير عن المعتقدات وممارسة الشعائر الدينية، واحترام الخصوصيات الدينية والثقافية والفردية، والعدالة الاجتماعية ومحاربة العنصرية، كل هذا يأتي على رأس القائمة من جانب الجاليات. في المقابل، فإن الموضوعات التي ستثار من الجانب الآخر ستتعلق باحترام الدولة والقانون، واستيعاب جميع الأطياف من المجتمع بغض النظر عن المعتقد الدين أو الشخصي، ونبذ التطرف الديني والفكري، ومراعاة متطلبات الأمن الخاصة، وغيرها من الموضوعات.
ومن الواضح أن الحوار لن يكون سهلاً، لكنه من الواضح أيضاً أن المهمة تكون أقل مشقة في ظل وجود خطاب فكري محدد المعلم من جهة الجاليات، وفي ظل وجود إعلام محايد ونزيه يوفر قنوات اتصال تعزز الحوار ولا تلغيه، ومعالجة إعلامية تساعد على الفهم والانفتاح على الآخر، وليس الحكم المسبق والانغلاق الفكري على الصور النمطية. وفي هذا السياق يجب التنبه إلى أهمية الكيفية التي يتم بها إدارة هذا الحوار و اللغة المستخدمة كذلك الإشارات الثقافية أو والتاريخية عند بحث أو تناول أي موضوع.
فبحكم وجود الصور النمطية من قبل، فإن المحاور الفكري من أهل المهجر يصطدم عادة بحواجز تاريخية من أفكار وألفاظ ومصطلحات وتعبيرات تحتم عليه أن يتحلى بكياسة واضحة وفطنة في تناولها أو استخدامها، خاصة إذا ما وضع نصب عينيه أن الهدف هو الوصول إلى نقطة اتفاق وليس مجرد الدخول في معركة لإثبات وجهة النظر، أياً كانت. ومن هنا فإن الإلمام بالجوانب التاريخية والثقافية والإجتماعية للموضوعات تحت البحث، وإدراك حجم وطبيعة التغيرات الحادثة على أرض الواقع، والاعتماد على مصادر معلوماتية وتاريخية مقبولة لدى جميع، أو معظم الأطراف على الأقل، كل هذا يساعد على إدارة الحوار بنوع من الحرفية الكفيلة بتحقيق نتائج مهمة وبناءة.
ومن المهم أيضاً الاهتمام بمفردات التعامل مع الوسائط الإعلامية والانتباه للتأثير الإعلامي على الواقع السياسي والإنساني للإنسان المغترب. فإدارة الحوار عبر الإعلام تتطلب استخداما مقنناً للمصطلحات والتعبيرات بشكل يسمح للمواطن العادي بإدراك المعاني والأفكار المطلوب توصيلها، وفي هذا السياق فإن العبارات والمصطلحات “التصادمية” لا تفيد أحداً باستثناء أولئك الذين لا يريدون لهذا الحوار أن يتم في الأساس، وسياسة إدارة الحوار لا يمكن لها أن تتلاءم مع سياسة حرق الجسور. ومن هنا تأتي أهمية تبني سياسات توافقية واضحة تدعم الإندماج والتوافق، وتؤسس لحقوق المواطنة الكاملة، مع التركيز على حماية المحتوى الإنساني والديني للمغترب باعتباره حقاً من حقوق المواطنة وضمانة لاندماج حقيقي وبناء، وليس مجرد احتواء مرحلي يسقط بانتفاء مسبباته.
إن تبني سياسة إعلامية واضحة لم يعد ترفاً كما يظن البعض، بل أصبح ضرورة أساسية لجلب الاستقرار إلى حياة جاليات المهجر، وربما ارتقى في القريب العاجل ليكون ضرورة من ضرورات البقاء في عالم تزداد حدة التوترات السياسية والعقائدية والعرقية فيه يوماً بعد يوم. كما أنها لم تعد مسؤولية جهات منظمة كما كان الحال عليه في السابق، بل أصبح مسؤولية كل مغترب ومهاجر أن يدرك حجم التأثير الناشيء عن كل لفظ أو فعل يأتي به. ومن المثير للانتباه أن الكثير من البشر لا يدرك أنه، شاء أم أبى، قد أصبح أداة إعلامية صغيرة ومتحركة، يراقبها الآخرون ويلاحظون سلوكها ويستمعون إلى كلماتها، لكنهم في النهاية يحكمون ليس عليها فحسب، بل وعلى الوسط الذي تنتمي إليه والثقافة التي أنتجتها.
وإذا كنا نشكو دوماً أن أحداً لا يستمع لنا، هل سألنا أنفسنا عما إذا كنا قد فتحنا أفواهنا أولاً؟
ربما قد حان الوقت لنفعل ذلك!