واهتزت صورة “الخليفة”

حامد أوغلوا

أُعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ظاهرة مثيرة في العالم العربي، فخلال العشر سنوات الماضية أصبح أسمه يتردد في الأوساط العربية ووسائل الإعلام وبين النخب والمنتديات، أصبح ملأ السمع والبصر بالإيجاب أحيانا والسلب أحيانا أخري بسبب طموحاته التوسعية في المنطقة العربية.

منذ صعود رجب أردوغان إلى السلطة في تركيا عام 2001 كرئيس للوزراء للجمهورية التركية لم يتخيل أحد أن هذا الرجل سيلعب دورا موثرا في الشرق الأوسط، وسيكون لديه طموح جامح للسيطرة على المنطقة.

وانتهز الرئيس أردوغان حالة الوهن العربي وغياب الزعماء أصحاب الكريزما السياسية الطاغية مثل جمال عبد الناصر، وجد فرصة كبري كي يملأ هذا الفراغ الاستراتيجي لكي تلعب تركيا دورا أكبر في المنطقة من خلال سياسة صفر مشكلات والجمع بين الديمقراطية والإسلام وتقديم خطاب متوازن أمام الغرب.

وبدأت تركيا تتودد للعرب من خلال دعوة أحمد داوود اغلوا وزير الخارجية التركي الأسبق لنسيان أخطاء الدولة العثمانية في حق العرب وتماهت دول مهمة في الاقليم  مثل مصر ودول الخليج والأردن مع الأجندة التركية في البداية وراهنت عليها في الملف الفلسطيني والملف السوري في تسوية الأزمة السورية وتقوية العلاقات الاقتصادية بين العالم العربي، ولكن كان الرهان غير صائب في النهاية واتضح أن الدور التركي يشبه الدورين الايراني والإسرائيلي مع اختلاف الأسلوب والآليات ولكن الجوهر واحد وهو تقويض الأمن القومي العربي عبر خلق سياسة المحاور الاصطفاف السياسي والذي يفضي في النهاية إلى استغلال موارد الدول العربية واستنزافها سياسيا وعسكريا واقتصاديا لتعظيم موارد دول الطوق الغير عربي، فاستغل ورقة القضية الفلسطينية قضية العرب الأولي، وضعف الأنظمة العربية وغياب الاصلاح السياسي، واندلاع انتفاضات الإصلاح في العالم العربي لرسم صورة القائد الملهم في الذهنية العربية، عبر دغدغة عواطف الشعوب العربية بالشعارات الاسلامية ومساندة المستضعفين تارة والحكم الديمقراطي تارة ونقل التجربة التركية إلى العالم العربي.

الصورة الوردية 

يعتبر العقد الماضي تحديدا منذ عام 2008 إلى 2018 هو عقد أردوغان بامتياز حيث صعدت شعبيته في العالم كرجل قوي نهض بتركيا يجمع بين الإسلام والديمقراطية نموذج سياسي ملهم لتطوير الحياة السياسية في العالم العربي ودفع الأنظمة العربية للإصلاح السياسي ولم يدرك أحدا أن أردوغان يعلن انطلاقة الدور التركي في المنطقة المُقوض للأمن القومي العربي ليكون استكمال لمحور الطامعين في الثروات العربية واعتمدت صورة أردوغان على عاملين :

استغلال الأزمات العربية لصالحه

–  دخل أردوغان للبيوت العربية من أوسع الأبواب وعبر قضية العرب الرئيسية “القضية الفلسطينية” من خلال استغلال مسألة الحصار الإسرائيلي على غزة عقب حرب عام 2008  وإرسال سفينة مرمرة.

– الربيع العربي لعب دورا في تعزيز شعبية أردوغان في العالم العربي من خلال حديثه عن تصدير الديمقراطية التركية للعالم العربي بعد اندلاع الانتفاضات العربية في مصر وسوريا وتونس وليبيا واليمن وصنع لنفسه صورة كأنه مدافع عن حقوق الشعوب العربية مما خلق نوع من التعاطف له في العالم العربي.

– استغلال ورقة اضطهاد المسلمين في الروهينغا أو الايجور، أو ان يكون للدول الإسلامية مقعد دائم في مجلس الأمن رغم عدم واقعبة هذا الطرح وفقا لميثاق الأمم المتحدة، كأحدي الأوراق التى يستخدمها أردوغان للاستعراض السياسي أمام الجمهور العربي

– سهلت الآلة الإعلامية القطرية ” قناة الجزيرة ” التى ساندت منذ عام 2008  في خداع المواطن العربي  في رسم صورة لادروغان وكأنه منقذ المنطقة العربية خاصة.

اللعب على وتر استعادة حلم الخلافة

– لعبت جماعات الإسلام  السياسي دورا في تلميع صورة أردوغان في العالم العربي كنموذج الحاكم المسلم القوي، من وجهة نظرهم، على الرغم أن تركيا دولة علمانية خالصة وأردوغان يقود حزب محافظ وليس إسلامي ولا يدعو لتطبيق الشريعة الإسلامية من الاساس.

– ظهور أردوغان في منطقة الشرق الأوسط أعطي أملا ودفعة كبيرة لكي تقفز تيارات الإسلام  السياسي على السلطة في المنطقة العربية وهو ما حدث بالفعل بوصول احزاب منتمية للإسلام السياسي للحكم عقب عام 2011 في مصر وتونس وليبيا.

– محاولة أردوغان قيادة العالم الإسلامي عبر المزايدة على دورهم في خدمة المسلمين حول العالم من خلال  سحب البساط من تحت أقدام السعودية ومصر، مستغلا غياب الوازع القومي لدي جماعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية التى تراهم أنقرة أحدي أدوات القوي الناعمة لها للتأثير في العالم العربي.

انقلاب الصورة

الرئيس التركي الذي ظل ينسج صورته الوردية في العالم العربي طوال سنوات فقد الكثير من شعبيته خلال الأعوام الماضية بعدما  اتضح طبيعة الدور التركي في المنطقة العربية، فبدأ يدرك المواطن العربي خطورة الدور التركي وأن هدفه السيطرة على المنطقة، مثال ذلك انتشار القوات التركية في السودان والصومال وسوريا والعراق وقطر وأخيرا في ليبيا، كلها كانت عوامل لإظهار الصورة الحقيقية.

–  حديث أردوغان صراحة “اننا نسعى لإحياء الامبراطورية العثمانية”.

– ظهور محور عربي مناوئ للتمدد التركي سياسيا واقتصاديا وثقافيا وإعلاميا  في المنطقة عبر التصدي لطموحات أردوغان.

اهتزت صورة الزعيم الملهم لدي الشارع العربي بعد ان اتضحت نواياه ومطامعه في السيطرة على الدول العربية، وهذا ما ردده نواب المعارضة التركية في تصويتهم على إرسال قوات تركية إلى ليبيا بالقول:أننا نخسر العرب للأبد عبر احتلال دول عربية على غير إرادتهم.

لقد حول أردوغان تركيا من دولة تسير على خطي الديمقراطية إلى دولة الرجل الواحد، دولة ديكتاتورية أمنية، تقمع وتعتقل وتلفق التهم بغرض الانتقام السياسي وإطالة مدة حكمه.

.