أحلام السلطان

شريف عطية ـ

بادرت تركيا بإنشاء قواعد عسكرية تحيط بالدول العربية، فى الصومال.. وقطر.. وفى السودان قبل طردها منه ربيع 2019 كما فى التحالف مع حركة حماس تحت دعوى تبنيها القضية الفلسطينية، وأيضاً عن علاقاتها الراسخة مع جماعات العنف المسلح – المتشحة بالإسلام – فى سوريا، ناهيك عن نقل (جهادييها) إلى ليبيا.. التى أبرمت مع حكومتها (الوفاق) اتفاقاً أمنيا يتيح للجيش التركى التدخل لدعم ميليشيات العاصمة طرابلس.. التى يتقدم نحوها الجيش الوطنى الليبى حثيثاً للسيطرة عليها، ربما عبر حرب شوارع قد تؤدى حال اشتباكها إلى حمامات دم من المتوقع أن تنتقل فوضاها إلى دول الجوار، بما فيها مصر.

يوما بعد يوم، يدفع الشعب التركي ثمن السماح لأردوغان بالبقاء لأكثر من 16 عاما فسقطت تركيا في بحر من المشكلات وأصبحت الديمقراطية التي حولت أردوغان من بائع للبطيخ إلى رئيس في مهب الريح.

ويبدو أن حالة الهوس بأوهام الإمبراطورية التي يعاني منها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاوزت حدود التصور. فالرجل أعاد رسم خريطة بلاده ليضم العديد من الجزر اليونانية من جانب واحد ويطلق عليها اسم «الوطن الأزرق» ويرسلها إلي الأمم المتحدة، واستكمل هوسه بتوقيع اتفاق مع رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج لترسيم حدود بحرية بين البلدين علما بأنه لا توجد أي مياه مشتركة بينهما في ظل وجود جزيرة كريت اليونانية الكبيرة.

ورغم أن الأصل في اتفاقيات ترسيم الحدود هو «الإشهار» لأنها ترتبط في أغلب الأحوال بأطراف أخرى مجاورة، فإن أردوغان فرض سياجا من السرية على الاتفاق الذي وقعه مع السراج، لأنه يدرك أكثر من غيره أنه بلا أي قيمة من منظور القانون الدولي.

هذا الاتفاق ليس أكثر من دليل جديد على أن بقاء أردوغان الطويل في السلطة حوله من رئيس حكومة ناجح وصاحب تجربة تنموية لا ينكرها أحد في سنوات حكمه الأولى، إلى حاكم مستبد يقود بلاده إلى الهاوية بعد أن أطاح بأقرب حلفائه ومستشاريه مثل وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو الذي قاد السياسة الخارجية التركية نحو ما يعرف باسم «صفر مشكلات» وعبدالله جول الذي قادة الحزب إلى الفوز في الانتخابات عام 2002 عندما كان أردوغان ممنوعا من العمل السياسي بسبب الحكم بسجنه عام 1998 بتهمة التحريض على الكراهية.

وقد دفع قادة حزب العدالة والتنمية أنفسهم ثمن السماح بتحول أردوغان من مجرد رئيس للحزب لا يجب أن تزيد ولايته عن فترتين كل فترة 4 سنوات إلى زعيم مدى الحياة يتم تعديل اللوائح من أجل استمراره على رأس الحزب، وبالتالي على رأس الدولة، فأطاح بقيادات كبيرة في الحزب حتى ينفرد بالسلطة والسلطان.

والآن يدفع الشعب التركي كله ثمن السماح لأردوغان بالبقاء في السلطة لأكثر من 16 عاما، سواء كرئيس للوزراء أو رئيس للجمهورية، فسقطت تركيا في بحر من المشكلات مع كل جيرانها، وأصبحت التجربة الديمقراطية التي حولت أردوغان نفسه من بائع للبطيخ إلى رئيس للجمهورية في مهب الريح، ودخل الاقتصاد التركي نفقا مظلما بعد سنوات من النجاح.

ولم يكن تحول أردوغان من رئيس حكومة ناجح، إلى حاكم مسكون بجنون العظمة وأوهام الإمبراطورية، إلا نتيجة مباشرة وربما حتمية للبقاء في السلطة كل هذه السنوات.

فلو كان الرئيس قد التزم بقواعد اللعبة الديمقراطية في بلاده وترك مناصبه التنفيذية بعد ثماني سنوات في رئاسة الحزب والحكومة، لربما استمرت تركيا في طريق التقدم والرخاء.

أخيرا نقول إذا كانت السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فإن تجربة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي سعى إلى التأبيد في السلطة عبر التلاعب بقواعد اللعبة والإطاحة بالشركاء قبل الخصوم، تؤكد أن البقاء الطويل على رأس الحكم هو الباب الملكي نحو هذه السلطة المطلقة التي هي بالقطع مفسدة مطلقة، بغض النظر عن كل ما يردده مرتزقة السلطان ومواليه عن ضرورة بقائه لاستكمال مسيرة الإنجازات، وضمان الاستقرار والأمن ومواجهة المؤامرات الكونية التي تستهدف البلاد، وحتى لا تصبح البلاد مثل سوريا والعراق.

.