تركيا وحمى الانتخابات الرئاسية

إبراهيم بدوي /

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسميا أنه سيترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في يونيو/حزيران 2023، مبددا الشائعات بشأن إجراء انتخابات مبكرة في البلاد التي تشهد صعوبات اقتصادية.

وكان متوقعا على نطاق واسع أن يعلن أردوغان عزمه خوض سباق الرئاسة وقد باشر حملة انتخابية مبكرة على أمل ترقيع شعبيته التي تضررت بشدة في السنوات القليلة الماضية على وقع أزمة مالية وركود اقتصادي وقلاقل اجتماعية آخذة في التفاقم بسبب تدهور الوضع المعيشي.

هي المرة الأولى التي يعلن فيها أردوغان الذي يتولى السلطة منذ 2003، رسميا ترشحه. وقال خلال تجمع لحزبه العدالة والتنمية في مدينة إزمير بغرب البلاد “دعوني أقولها هنا، طيب أردوغان هو مرشح تحالف الشعب” في إشارة إلى التحالف بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية اليميني.

ولم يقدم حزب الشعب الجمهوري المعارض وهو ثاني أكبر حزب في البرلمان، أي مرشح حتى الآن ووجه أردوغان تحديا لزعيمه كمال قلجدار أوغلو. وتوجه له بالقول “أعلن إما ترشيحك أو مرشحك”، مضيفا أن الانتخابات ستجري في الموعد المحدد في 24 يونيو/حزيران السنة المقبلة.

وكانت قد سرت شائعات حول احتمال إجراء انتخابات مبكرة وسط الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها تركيا بسبب ضعف الليرة والتضخم الذي بلغ نسبة 73.5 بالمئة في أعلى مستوى منذ 1998.

ونسب منتقدون ذلك إلى سياسة أردوغان الاقتصادية غير التقليدية القائمة على الضغط من أجل خفض نسب الفوائد للحد من ارتفاع الأسعار ولكن، خلافا للنظريات الاقتصادية التقليدية، يبدو الرئيس التركي مقتنعا بأن معدلات الفوائد العالية تزيد من التضخم بدلا من كبحه. وقال الاثنين “هذه الحكومة لن ترفع معدلات الفوائد”.

وسيكون الوضع الاقتصادي محددا لمسار الانتخابات القادمة ومقياسا لتوجهات الناخبين، فإذا نجح أردوغان خلال الفترة المتبقية قبل الانتخابات في كبح انهيار الليرة وخفض معدل التضخم وتحسين الأوضاع المعيشية للأتراك، قد يستعيد جزء من ثقة الناخبين ويرفع اسهم شعبيته.

لكن إذا استمر الوضع على حاله أو ازداد سوءا فإن ذلك سيؤثر حتما على حظوظه وحظوظ حزبه.

عداوة بعد محبة

وسيكون سباق الرئاسة في تركيا استثنائيا بكل المقاييس مقارنة بالانتخابات السابقة، حيث سيواجه أردوغان منافسين شرسين نجحوا في الاستفادة من الأزمة المالية الطاحنة لجهة تعزيز موقعهم في مقابل إضعاف خصمه (أردوغان).

وبدأت في الأشهر الماضية ترتسم ملامح تحالفات حزبية هدفها تشكيل جبهة قوية فقط من أجل عزل أردوغان سياسيا. واللافت أن جزء من التحالفات المتوقعة ستشمل أحزاب جديدة بعضها ولد من رحم حزب العدالة والتنمية الحاكم على اثر انشقاقات واسعة أضعفت الحزب.

ومن بين المنشقين والمرشحين المحتملين لمنافسة أردوغان رئيس وزرائه السابق أحمد داود أوغلو والوزير الأسبق علي باباجان إلى جانب شخصيات وازنة من حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية مثل زعيم الحزب كمال قلجدار أوغلو ورئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو.

وتحمل المعارضة التركية الرئيس التركي المسؤولية عن انهيار الليرة والارتفاع القياسي لمعدل التضخم وكذلك تردي الوضع المعيشي للمواطنين، متهمة أردوغان بتدمير الليرة بسبب تدخلاته في السياسة النقدية وبتقويض مصداقية واستقلالية البنك المركزي بفرضه تخفيضات قسرية لأسعار الفائدة.

كما ترى المعارضة وشق واسع من الشخصيات السياسية والأكاديمية والحقوقية أن الأزمة التي تعيشها تركيا هي نتاج طبيعي لسياسات أردوغان ولمعاركه الخارجية المدفوعة بطموحات شخصية.

ويشير هؤلاء إلى أن التدخلات العسكرية الخارجية في ليبيا وسوريا وفي نزاع قره باغ استنزف موازنة الدولة وسممت علاقات تركيا الخارجية، موضحين أن النهج الصدامي والعدائي الذي انتهجه أردوغان تجاه الشركاء الغربيين والخليجيين في السنوات الأخيرة، أضر بالاقتصاد التركي وجعل المستثمرين الأجانب يتجنبون ضخ استثمارات في السوق التركية.

ويعاني الاقتصاد التركي منذ العام الماضي من تراجع كبير مع ممارسة إردوغان الذي يسعى للفوز بولاية جديدة في انتخابات العام القادم، ضغوطا على البنك المركزي لخفض معدلات الفائدة.

ويعتبر الرئيس إردوغان وخلافا للنظريات الاقتصادية التقليدية، أن أسعار الفائدة المرتفعة تعزز التضخم بدلا من السيطرة عليه.

التضخم والأسعار

وكان معدل التضخّم ارتفع في تركيا إلى أكثر من 36% خلال عام 2021 وحده، وهو رقم قياسي منذ أيلول/سبتمبر 2002، بسبب تراجع قيمة الليرة التركيّة على وقع تدخلات الرئيس رجب طيب اردوغان لخفض معدل الفائدة.

وتخفض تركيا الفائدة تماشيا مع توجه أردوغان الذي يتبنى نظرية غير تقليدية مفادها أن أسعار الفائدة المرتفعة تؤدي إلى ارتفاع التضخم. وعادة ما يشير أردوغان إلى تحريم الربا في الإسلام للدفاع عن نظريته.

ويدعو الرئيس التركي الى خفض أسعار الفائدة بهدف تحفيز النمو والإنتاج وتعزيز الصادرات. لكن الليرة التركية خسرت حوالي نصف قيمتها مقابل الدولار مع مخاوف من تراجع إضافي.

ودفعت أزمة العملة الكثير من الأتراك الى ما دون الخط الرسمي للفقر، في حين أدى ارتفاع الأسعار في جميع القطاعات إلى ردود فعل غاضبة. وشهد الأتراك تآكل أجورهم منذ بدأ البنك المركزي في خفض أسعار الفائدة في سبتمبر/أيلول الماضي.

.