هل يعود “القذافي” لحكم ليبيا ؟

 

سالم وهدان

 

في خطوة مرتقبة، أعلن سيف الإسلام القذافي نجل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي نيته الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة في بلاده، رغبة منه في إعادة الحكم إلى عائلته بعد سبع سنوات من ثورة الليبيين ضد نظام أبيه، ليضاف اسمه إلى قائمة الأسماء المدعومة والطامعة في رئاسة ليبيا.

 

إعادة إعمار ليبيا بمساعدة دول الجوار

إعلان نجل القذافي نيته الترشح للرئاسة، جاء على لسان مدير حملته الانتخابية أيمن بوراس الذي أشار في ندوة صحفية بإحدى ضواحي تونس العاصمة إلى أن الغاية من هذا الترشح “إنقاذ ليبيا”.

وسلط بوراس الذي يشغل أيضًا مهمة الناطق باسم “لجبهة الشعبية الليبية”، الضوء على البرنامج السياسي والإصلاحي للقذافي، الذي قال إنه يتمحور حول “إعادة إعمار ليبيا بمساعدة دول الجوار”، موضحًا ذلك بقوله “هو مشروع إنقاذ وطني متكامل سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا منفتحًا على كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، حتى تلك الدول التي أساءت إلى علاقتها معنا سنة 2011، على أساس الإسلام والاتفاقيات الدولية”.

ويتضمّن مشروع سيف الإسلام حسب مدير حملته الانتخابية “مشروع المصالحة الليبية والعفو والحوار الليبي – الليبي، وأن يخضع الجميع لسلطة القضاء والعرف الاجتماعي، بهدف كشف فصول تلك المؤامرة التي أحيكت للوطن، كي نبين للعالم حقيقة الحقد الصليبي المستديم ضد الإسلام وحقيقة الأطماع في ثروات الشعب الليبي وخيرات البلاد، وسنمد أيادينا لمن أراد السلام داخل البلاد وخارجها لنفتح معه صفحة بيضاء”.

وقال بوراس إنهم سيرحبون بكل النتائج وسيكونون طرفًا في الحياة السياسية من أجل إعادة بناء ليبيا، وأضاف أيمن بوراس أن سيف الإسلام حر طليق ويتمتع بحقوقه المدنية كافة، وموجود حاليًّا داخل الحدود الليبية ولم يغادرها، مشيرًا إلى أن سيف الإسلام سيخاطب خلال الأيام القادمة الليبيين بشكل مباشر لإعلان خططه الانتخابية المقبلة.

 

محكمة الجنايات الدولية

إعلان سيف الإسلام القذافي ترشحه لرئاسة ليبيا، تمّ رغم علمه بالدعوة الموجهة ضده من محكمة الجنايات الدولية التي دعت في أكثر من مرة السلطات الليبية إلى اعتقاله أو تسليم نفسه، “تماشيًا مع التزامات ليبيا الدولية”، لمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

وفي حزيران الماضي، أفرجت كتيبة ليبية مسلحة تطلق على نفسها اسم “كتيبة أبو بكر الصديق” عن سيف الإسلام الذي كان محتجزًا في مدينة الزنتان غرب ليبيا منذ تشرين الثاني عام 2011، بناءً على قانون العفو العام رقم 6 الصادر عام 2015 عن برلمان طبرق، رغم حكم الإعدام الصادر ضده.

وحكمت محكمة في طرابلس بالإعدام غيابيًا على سيف الإسلام في 28 من تموز 2015 بسبب جرائم حرب، من بينها التحريض على إثارة الحرب الأهلية والإبادة الجماعية وإساءة استخدام السلطة وإصدار أوامر بقتل المتظاهرين والإضرار بالمال العام وجلب مرتزقة لقمع ثورة فبراير.

وكانت كتيبة أبو بكر الصديق بقيادة العجيمي العتيري قد تمكنت من القبض على سيف الإسلام رفقة عدد من حراسه في صحراء ليبيا، ونقلته إلى أحد سجون الزنتان، ليبقى حبيس جدرانه، رغم المطالبات المتزايدة بضرورة نقله إلى العاصمة طرابلس للمثول أمام قضاة المحاكم، ومطالبات دولية أخرى، بينها محكمة الجنايات الدولية، بضرورة تسليمه لها على خلفية صدور حكم بالقبض عليه منذ حزيران عام 2011.

 

فرص سيف الإسلام

حظوظ نجل القذافي في الفوز في هذه الانتخابات إن تمت كبيرة، وسبق أن بدأ أنصاره في ترتيب عودته للمشهد السياسي في ليبيا من خلال إطلاق الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا، وانخرطت في هذه الجبهة عدة قيادات وقبائل لأجل دعم نجل القذافي في المستقبل وترشيحه للرئاسة، أهمها المجلس الأعلى للقبائل الذي يجمع عشرات القبائل من مختلف مناطق ليبيا الذي اختار منذ أيلول 2015 سيف الإسلام ممثلًا شرعيًا لليبيا.

يجعل خيار المجلس الأعلى للقبائل من سيف الإسلام على مقربة من الفاعلين الأساسيين في الحياة السياسية في بلد تتمتع فيه المؤسسات القبلية بثقل اجتماعي كبير، وبغض النظر عما إذا كان هذا الثقل رسميًا أو غير رسمي، فهو يكتسي أهمية، كما أنه عامل فاعل في استقرار البلاد.

تعد العشيرة عنصرًا أساسيًا من مكونات المجتمع الليبي والنظام السياسي المرتكز على التحالفات القبلية أكثر من النخب الحضرية، وكثيرًا ما ساهمت التحالفات القبلية في تركيز النظام الليبي لسيادته وقوته، على الرغم أن ولاء العشائر يبقى ظرفيًا ومتقلبًا.

وما زال سيف الإسلام القذافي يتمتع بشعبية في ليبيا ويحظى بمكانة كبيرة خاصة من أنصار ومؤيدي نظام والده الذين عادوا في الفترة الأخيرة إلى الواجهة والنشاط، فرؤية الأعلام الخضراء وصور القذافي وابنه سيف الإسلام باتت مشهدًا طبيعيًا ومألوفًا في عدد من الشوارع الليبية، ويرى أنصار القذافي أن سيف يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في إحلال السلام ولم شمل الليبيين، كما أنهم يرون فيه منقذ ليبيا من المخاطر التي أصابتها ومن المطامع وحالة الانهيار والضياع التي وصلت إليها، حسب قولهم.

من الناحية المالية، من المرجح أن يكون تحت تصرف سيف الإسلام قرابة 20 مليار دولار، وهي الأموال التي نجت من عملية تجميد ممتلكات القذافي التي أقرتها الأمم المتحدة، علمًا بأن الثروة العائلية للقذافي وصلت قيمتها إلى قرابة 300 مليار دولار.

 

يحظى بدعم أنصار أبيه

يمثّل سيف الإسلام بالنسبة إلى “القذافيين”، الشخص السياسي الوحيد القادر على توحيد مستقبل ليبيا، على الرغم من أن بعضهم انضم إلى اللواء المتقاعد خليفة حفتر بعد الاستفادة من العفو الذي منحه إياهم برلمان طبرق، ولكن، يبدو حسب عديد من المحللين أن أتباع سيف الإسلام أكثر تنظيمًا.

وتجدر الإشارة إلى أن الخريطة الأممية التي قدمها المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة قبل شهر، لم تستثنِ مؤيدي أو قيادات النظام السابق من المشاركة في العملية السياسية في ليبيا والانتخابات الرئاسية البرلمانية القادمة، وهو ما رآه البعض فرصة لعودة سيف الإسلام القذافي من الباب الكبير إلى السلطة وتحقيق طموحات مؤيديه، ومن غير المستبعد أن يتمكن من الفوز بالرئاسة حسب الإعلامي والكاتب الليبي باسم الصول الذي يرى أن سيف الإسلام “سيكون الحل الأجدر لإنقاذ ما تبقى من النسيج الاجتماعي الليبي”.