هل تنقلب تونس على “النهضة” ؟

جوهر حميد

وجّه الرئيس التونسي قيس سعيد رسائل واضحة ودقيقة إلى حركة النهضة، التي تقوم بحملة تشويه واسعة ضده على مواقع التواصل، معلنا تمسكه بتصريحاته الأخيرة التي فهم منها تلويح بالالتجاء إلى الشارع لسحب الوكالة من نواب البرلمان في ظل عجزهم عن أداء دورهم في خدمة الناس.

وقال سعيّد، في كلمة له أمام قيادات عسكرية على مأدبة إفطار، إن “تقاسم موائد الإفطار مع أبناء المؤسستين الأمنية والعسكرية ليس مقدمة لأيّ شيء كما يتوهّم البعض”، في رد مبطّن على حملات الذباب الإلكتروني لحركة النهضة الذي يتّهمه بالسعي للانقلاب على “الشرعية” من خلال نقد البرلمان والنواب في كل كلمة أو خطاب له، واتهام بعض مساعديه بالوقوف وراء الدعوة إلى حلّ البرلمان من أجل خلق مناخ ملائم لتنفيذ برنامجه القائم على نظام انتخابي مغاير تماما ينطلق من الأسفل إلى الأعلى وليس العكس.

وأضاف سعيد في كلمته، التي حضرها وزير الدفاع الوطني عماد الحزقي وأعضاء المجلس الأعلى للجيوش: ”لم نكن ولن نكون دعاة فوضى أو دعاة خروج عن الشرعية، ولكن من حق أيّ كان من المواطنين أن يطالب بأن تتقابل الشرعية مع المشروعية الشعبية”.

ومن الواضح أن الرئيس التونسي يريد التأكيد لقيادة حركة النهضة التي تتّهم بأنها تقف وراء شيطنة قيس سعيد وأنها تضغط عليه بكل الطرق لمنعه من الحصول على صلاحيات فعلية يمكن أن تهدد نفوذها داخل الحكومة والبرلمان.

ويقول مراقبون إن سعيد بات واضحا لديه أن حركة النهضة هي من تواجهه وتحاول منعه من تحقيق أيّ نتائج ملموسة للحفاظ على شعبيته، ولذلك بات يواجهها بخطاب قويّ لتلزم حدودها، مفندا الإشاعات التي تطلقها من مثل الاستعانة بالمؤسسة العسكرية أو الأمنية للاستقواء بها، أو اتهامها بالفوضوية وفتح البلاد على المجهول من خلال استهداف “شرعية البرلمان”.

وأشار المراقبون إلى أن الرئيس سعيد أراد التأكيد في كلمته على أن الاتهامات بشأن الالتقاء مع أجندات أخرى مثل أجندة الحزب الدستوري الحر الذي ترأسه عبير موسي، أو أجندات خارجية، لا تعني له شيئا، وأنه متمسك بالضغط لأجل تحقيق مطالب الشارع وعلى رأسها بناء مؤسسة تشريعية تمتلك مشروعيتها من الشعب.

وكان الرئيس التونسي قد انتقد تعديلات في البرلمان هدفت لمنع “السياحة الحزبية” معتبرا أن “هؤلاء (النواب) يقومون بخرق جسيم للقانون يجسد مرضا سياسيا ودستوريا”، مؤكدا أنه “لو كان النائب مسؤولا أمام ناخبيه لكان بإمكانه سحب الثقة دون الحاجة إلى هذا الخرق”.

ومن شأن التصريحات الجديدة للرئيس سعيد أن توسع الهوة بين رئاسة الجمهورية وحركة النهضة، وخاصة مع رئيسها راشد الغنوشي الذي باتت تحيط به الأزمات من كل جانب بسبب سعيه لاحتكار السلطة من بوابة رئاسة البرلمان بزعم أن الحكومة تعود بالنظر إلى البرلمان، وأن رئيس الجمهورية صلاحياته محدودة وأغلبها بروتوكولية.

ولم يعد خافيا البرود في علاقة رئيس الجمهورية برئيس البرلمان خاصة مع استمرار الغنوشي في لعب أدوار خارجية من خلال الاتصال بشخصيات سياسية من أمثال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس مجلس الدولة في ليبيا خالد المشري، في تعد على صلاحيات حددها البرلمان بأنها تابعة لرئيس الجمهورية دون سواه.

وقال النائب بالبرلمان منجي الرحوي في تصريح صحفي:” إن “مظاهر التوتر تظهر وجود صراع حول مركز السلطة، حيث يسعى الغنوشي إلى تحويل مركز السلطة إلى البرلمان، ويعمل جاهدا على ذلك من خلال القيام بأشياء غريبة تتمثل في تعيينات نائب برتبة وزير والتدخل في الصلاحيات ودعوة السفراء، ولقاءاته المتكررة بالأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.”

ولفت الرحوي إلى أن “البرلمان في طريقه إلى فقدان الشرعية بسبب التنكّر لمصالح الشعب، وهو وإن كان يملك الشرعية بالمنطق القانوني لكنه يفقدها بمجرد خيانة الناخبين.”

وأضاف أن هذه المساعي الحثيثة للاستيلاء على السلطة وتحويل وجهتها نحو قبة البرلمان تتماشى وأجندات الحركة الإسلامية في الاستحواذ على الشرعية القانونية، فضلا عن التغوّل في إدارة شؤون البلاد.

وسبق أن أشار قيس سعيد، بمناسبة مرور مئة يوم على توليه الرئاسة، إلى وجود مؤامرات تحاك ضده وأطراف تعمل على عرقلته، وهي رسائل قال بعض أنصاره إن المقصود بها هو حركة النهضة وبعض قيادييها، وخاصة رئيسها الغنوشي، وهو ما تحدث عنه رضا شهاب المكي أحد أبرز المقربين من الرئيس.

واتهم المكي حركة النهضة ومناصريها بعرقلة مسار الإصلاح في تونس من خلال التشبث بالنظام البرلماني، داعيا إلى تغيير نظام الحكم إلى نظام “لا مركزي” تكون فيه المجالس الجهوية (المحلية) هي صاحبة السيادة والقرار.

وبالتوازي مع الصدام مع رئيس الجمهورية، بدأت علاقة النهضة برئيس الحكومة إلياس الفخفاخ تتوتر بشكل تصاعدي خاصة بسبب رغبة النهضة في توسيع التحالف الحكومي وإلحاق حزب “قلب تونس” به، وهو مقترح الهدف منه إخراج حركة الشعب التي لم تعد تخفي خلافا حادا مع النهضة والغنوشي.

واعتبر رئيس الحكومة الفخفاخ في حوار ” أن الثقة داخل الائتلاف الحكومي لم تُبنَ بعد. وعن إمكانية مشاركة حزب “قلب تونس” في الحكم، أوضحك “أجلنا هذه النقاشات بسبب أزمة كورونا التي تمثّل أولوية اليوم .. لكل حادث حديث فيما بعد” مشددا على أنه “لن يرضخ لأيّ ضغط من أي كان”.

.