بعد الانتخابات التونسية .. أحزاب تتصدع من الداخل

سامي عيد

الناخِب التونسي عبر عزوفه النسبي عن الاقتراع، واقتراع أغلب شريحته الشابّة لقيس سعيد الذي اتّخذ من شعار “الشعب يُريد” رمزاً لحملته الانتخابية، وهو أبرز شعارات الثورة، أراد مُعاقبة المنظومة القائمة لعجزها عن إيجاد حلولٍ للأزمة.

وتعيش حركة النهضة على وقع هزيمة مذلة في الانتخابات الرئاسية التونسية في مرحلتها الأولى، ولم يتمكن المرشح عبد الفتاح مورو من المرور الى الدور الثاني رغم الاستعدادات المالية والدعاية التي رافقت المرشح طيلة الحملة الانتخابية لتكشف تراجع قدرة اخوان تونس على استقطاب الناخب والتأثير فيه.

وأمام الصدمة التي يعيشها الاخوان في تونس بدأت بوادر التململ والانشقاق تخرج الى العلن بعد ان كانت مجرد صراعات داخلية لا يراد لها البروز وذلك في اطار ما يسمى بالانضباط الحزبي.

وخرجت “حركة النهضة” كأكبر الأحزاب الخاسرة في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية ، ليس فقط لأن مرشحها، وهو نائب رئيسها وأحد مؤسسي الجماعة قبل نصف قرن، حل ثالثاً ولم يترشح إلى الدور الثاني، بل لأنها لم تحصل إلاّ على 430 ألف صوت بعدما تملّص منها أنصارها وتوزعت أصوات مؤيديها على عدد من المنافسين، خصوصاً قيس سعيد.

تراجع شعبية النهضة في المشهد السياسي تؤكده الأرقام التي سجلتها الحركة منذ انتخابات المجلس التأسيسي، الذي بلغ فيه عدد المصوتين لها قرابة 1.4 مليون ناخب عام 2011، والذي تراجع بالتدرج إلى أقل من 450 ألفاً في الدور الأول للرئاسة حالياً، وهو أقل من نصف الأصوات التي حصدتها الحركة في الانتخابات التشريعية عام 2014 .

هزيمة مدوية

وعلى الرغم من أن زعيم الحركة ومرشدها راشد الغنوشي حاول لملمة هول الهزيمة المدوية، التي كان أكبر المساهمين فيها، بالقول إن “النتيجة كانت مشرّفة في أول مشاركة للحزب في انتخابات رئاسية بمرشح من داخله”. ارتداد الزلزال الذي أحدثته نتائج انتخابات 15 سبتمبر (أيلول) 2019 كان قوياً داخل الحركة، إذ نكأ الجراح القديمة التي ظن البعض أن خوض الانتخابات سيداويها.

وعلى الرغم من أن الانتخابات التشريعية، التي تعوّل عليها “الحركة الإسلامية” لكسب أكبر كتلة برلمانية بغية الاستمرار في الحكم، تبدو على مرمى حجر، فإن قياديين بارزين انتفضوا ضد الرئيس وطالبوه بالاستقالة وترك الحزب.

زبير الشهودي، المدير السابق لمكتب راشد الغنوشي، الذي قضى ثلاثة عقود في الحركة، ساءه الوضع الذي آلت اليه الحركة، فأعلن الاستقالة من كل مناصبها بعد يومين من الاقتراع وقبل الإعلان عن النتائج الرسمية، داعياً رئيس الحركة إلى “اعتزال السياسة والبقاء في بيته ومحرابه ويبعد صهره رفيق عبد السلام وكل القيادات الذين ضلّلوا إرادة كبار الناخبين، في إقصاء مباشر لكل المخالفين في الرأي من نساء وشباب وقيادات تاريخية”.

استقالة واتهامات

واعتبر الشهودي في تصريحات صحافية أن “نتيجة الانتخابات الرئاسية تدل على أن رئيس حركة النهضة خارج الزمان ولم يستوعب التحولات الجديدة. أنا بدوري لم أستوعب مثله ما يجري، وبالتالي، يجب إعادة النظر تماماً في الوضع الحالي لإصلاح الحركة بعد الانتخابات”.

الموقف ذاته عبّر عنه، بعد يوم فقط، محمد بن سالم القيادي البارز المحسوب على “صقور” النهضة، الذي قال إنه “يجب إحراج القيادة التنفيذية ومحاسبتها لأنها أضاعت الحملة الانتخابية لعبد الفتاح مورو، ولم تقدم له الإمكانيات الكافية للقيام بحملته، إضافة إلى أنها أعلنت عن مرشحها بشكل متأخر”.

من المعروف أن الود بين “الشيخين” الغنوشي ومورو لم يكن قوياً، وكانت النهضة اهتزت يوم 8 يوليو (تموز) على وقع استقالة القيادي البارز في الحركة لطفي زيتون، من منصب المستشار السياسي لرئيس الحركة راشد الغنوشي، في خطوة كشفت لاحقاً عن اختلافات عميقة في صلب الحركة.

انقلاب داخلي

هذه الاختلافات لها علاقة بالموقف من تغيير رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي كان يتمسك به الغنوشي حينها، قبل أن يرتفع منسوب الغضب من رئيس الحركة الذي قاد “انقلاباً داخل الحركة”، كما أسماه محمد بن سالم، بعد التعديلات التي أدخلها المكتب التنفيذي على قائمة الحركة للانتخابات التشريعية، والتي اختارتها القواعد المحلية والجهوية وجرى تغييرها من قبل الغنوشي وجماعته، ما اعتبره بعض القياديين، ومنهم عبد اللطيف المكي الوزير السابق والبرلماني، ضرباً للمسألتين الديمقراطية والأخلاقية، داخل النهضة.

ويحاول الغنوشي إنقاذ الحركة واسترجاع قواعدها الغاضبة، واتجه إلى الشباب الذي لجأ إلى قوى أخرى رآها أكثر ثورية من حركته، قائلاً “نحن واثقون من تجميع الجسم القاعدي للنهضة خلال الانتخابات التشريعية”، قبل أن يعد مجموعة من شباب الحركة التقاهم وسط هذا الأسبوع، “ثقوا في الله ثم في حركة النهضة واعتزوا بها، فهي الضمانة الحقيقية لنجاح الثورة وحماية الحرية وتقدم البلاد”.

قيس والظهور الأول

هذا وقد ثار ظهور قيس سعيّد، متصدر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية على قناة الجزية القطرية، جدلا واسعا في تونس، بسبب خرقه للقانون الانتخابي الذي يمنع المرشحين من التحدث لوسائل الإعلام الأجنبية خلال الحملة الانتخابية.

ورفض سعيّد وهو أستاذ قانون دستوري، التحدث إلى وسائل الإعلام التونسية منذ إعلان فوزه أمام منافسيه من الأحزاب ذات الثقل في تونس، وشن أنصاره حملة شرسة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد قناة “الحوار التونسي” الخاصة داعيين إلى مقاطعتها.

ورغم توجيه وسائل الإعلام التونسية الخاصة منها والعمومية الدعوة إلى سعيّد للحديث عن برنامجه الانتخابي وتعريف التونسيين بنظرته المستقبلية لحكم البلاد في حال فوزه، إلا أنه رفض التحدث والاستجابة لذلك، حيث بقي معتمدا فقط على صفحات يديرها أنصاره على فيسبوك.

وسبب ظهور سعيّد البالغ من العمر 61 عاماً، في حوار مع قناة الجزيرة القطرية توجس التونسيون من دورها المشبوه والداعم لجماعات الإسلام السياسي منذ بداية ثورات “الربيع العربي” التي انطلقت من بلادهم.

وانتقد نشطاء تونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي توجه سعيد إلى قناة أجنبية للتحدث عن برنامجه، حيث رأوا في ذلك خرقا للقانون الانتخابي من أستاذ يدرس القانون الدستوري قبل حتى توليه أعلى منصب في البلاد.

وحسب القانون يعاقب كل مخالف لذلك بغرامات مالية.

.