موسم العودة إلى الأوطان

 

عودة اللاجئين إلى أوطانهم؛ هل هي طواعية أم اصطدام بالواقع الغربي؟

 

محمد عبد المنعم

 

مغادرة الوطن بطبيعة الحال مغامرة قاسية، فكيف إذا ما كانت تحت ظروف استثنائية مثل الحرب أو ما شابه ذلك، وبما أن منطقة الشرق الأوسط تشهد صراعات ساخنة منذ ما يزيد عن العقد لبعض الدول وعدة سنوات لبعضها الآخر، فإن أبناءها أجبروا على النزوح ومغادرة منازلهم إلى أماكن أكثر آمنا واستقرارا علهم يحظون ببعض الهدوء والطمأنينة، ولكن ما جرى وما شاهدت أعينهم كان على عكس توقعات الغالبية منهم.

ونتيجة لعدم قدرتهم على الاندماج مع المجتمع الغربي لأسباب عديدة، منها اختلاف العادات والأعراف وعدم فهم طبيعة الشعب هناك، وعدم الترحيب بقدومهم، كذلك عودة الأمان والاستقرار لأجزاء كبيرة من بلادهم، قرر قسم كبير من هؤلاء اللاجئين العودة إلى أوطانهم طواعية وهنا نقصد لاجئو سوريا والعراق بالتحديد.

 

لاجئو سوريا والعراق

نبدأ من سوريا التي تشهد عودة قسم كبير من مواطنيها اللاجئين في أوروبا وغير أوروبا إلى حضن الوطن، ويعود هذا لأسباب عديدة، أهمها التقدم الكبير للجيش السوري في شرق البلاد وجنوبها فضلا عن تحريره مدناً بأكملها من قبضة “داعش”، هذه السيطرة من قبل الجيش السوري وتحريره مساحات هائلة وطرد المجموعات الإرهابية منها، دفعت بالسوريين اللاجئين بالعودة إلى بلادهم.

وبحسب صحيفة ” راينشه بوست”، فقد انضم لاجئون سوريون لقائمة طالبي اللجوء الذين قرروا العودة طواعية إلى بلادهم بعد التحسن الكبير الذي شهدته سوريا في الآونة الأخيرة ، طلبات العودة جرت من خلال برنامج ألماني ينظم ويدعم عودة اللاجئين.

وكتبت الصحيفة التي استندت على بيانات من الهيئة الاتحادية للهجرة واللاجئين، أن عدد من هؤلاء اللاجئين يرغبون في التوجه إلى العراق أولاً، نظراً لعدم وجود إمكانية لدعم العودة مباشرة إلى سوريا، أياً تكن الطريقة فهذا مؤشر إيجابي على اتجاه الأمور نحو الحل وهذا بدوره يعطي إشارة بأن سوريا تتجه أكثر فأكثر نحو الاستقرار وإعادة الإعمار وبناء مستقبل جديد للبلاد.

ومن خلال مرور سريع على الإحصائيات الأوروبية لعدد طالبي اللجوء لهذا العام ومقارنتها مع العامين السابقين نجد أنها تراجعت بشكل كبير، فعلى سبيل المثال وصل عدد طالبي اللجوء إلى ألمانيا غالبيتهم من سوريا والعراق في هذا العام إلى 140 ألف من طالبي اللجوء، بينما بلغ إجمالي طلبات اللجوء في ألمانيا عام 2016 نحو 280 ألف طلب مقارنة بنحو 890 ألف طلب في عام 2015.

 

العودة طواعية

اتجه السوريون بغالبيتهم نحو أوروبا لطلب اللجوء أملا بحياة أفضل ليصل عددهم في هذا العام إلى 240 ألف لاجئ موزعين على الدول التالية: ألمانيا، السويد، النرويج، النمسا، فرنسا، المملكة المتحدة وهنغاريا، ولكن حملات العودة إلى الوطن بدأت تنتشر فيما بينهم بشكل كبير، وقام اللاجئون بتشكيل مجموعات عدة على شبكة التواصل الاجتماعي “فيس بوك” تقدم نصائح ومعلومات حول كيفية العودة من أوروبا إلى اليونان ثم تركيا، مثل مجموعة “كراجات الهجرة العكسية” (وفيها ما يزيد عن 22 ألف عضو)، و”الهجرة العكسية من أوروبا إلى اليونان وتركيا”، وغيرها.

ومن الأمور التي ساهمت بتنامي “الهجرة العكسية” التسهيلات التي بدأت الحكومات الأوروبية بتقديمها لمن يود العودة إلى بلده، وصلت إلى حد دفع مبالغ مالية لمن يرغب بذلك، حيث عرضت ألمانيا مثلاً دفع مبلغ 1200 يورو للراغبين بالرجوع، وبناء على هذا عاد ما يقارب 8468 شخصا خلال الربع الأول من العام الحالي إلى بلادهم.

وفي الوقت الحالي تقدم نحو 2332 عراقياً بطلبات للاستفادة من البرنامج المدعوم من ألمانيا، لتسهيل العودة طواعية إلى وطنهم.

 

دول أخرى عاد منها اللاجئون

لم يقتصر عودة اللاجئين إلى أوطانهم على ألمانيا بل شملت أيضا دولا أخرى مثل الدنمرك واليونان وفنلندا التي شهدت زيادة كبيرة خلال العامين السابقين في عدد طالبي اللجوء بلغت نحو 10 أمثال، إلا أنه في مقابل ذلك شهدت فنلندا عودة كبيرة للاجئين فيها إلى بلادهم، حيث ألغى آلاف اللاجئين الذي وصلوا إلى فنلندا طلبات اللجوء وقرروا العودة طواعية إلى بلادهم، مشيرين إلى مسائل عائلية وخيبة أملهم بسبب طبيعة الحياة في الدولة الاسكندينافية الباردة.

وفي اليونان قالت الشرطة أن نحو 14 ألف مهاجر عاد من اليونان إلى وطنه الأصلي مطلع العام الجاري، مشيرة إلى أن معظم العائدين من العراق، وسوريا، وألبانيا، وباكستان، وجورجيا، ودول شمال أفريقيا ، مشيرة إلى أن برنامج عودة اللاجئين إلى بلدانهم تدعمه المنظمة الدولية للهجرة.

أما في الدنمرك فقد أعلنت منظمة الهجرة الدولية، أن العديد من اللاجئين في الدنمرك اتخذوا قرار العودة بشكل طوعي إلى وطنهم، وهذا الاتجاه كان واضحاً وسط القادمين من دول الشرق الأوسط وروسيا وأوكرانيا.

ختاماً، مهما طال الزمن لابد لهؤلاء اللاجئين من العودة إلى وطنهم والمساهمة ببناءه والقيام بدور فعال فيه والاستفادة من التجربة المريرة التي عاشوها لكي لا يضطر أحفادهم يوما ما من ترك أوطانهم والوقوع بنفس الفخ الذي وقع فيه أجدادهم.

اترك تعليقاً