من يتحدث باسم الجالية العربية في ألمانيا؟

أحوال الجالية العربية.. لا تسر عدو ولا حبيب

الدليل ـ برلين

يعيش أفراد الجالية العربية في ألمانيا في ظل ظروف الحصار، فهم يواجهون التمييز ضدهم ويتعرضون للتشهير من قبل وسائل الإعلام التي تصفهم بالإرهاب والتعصب الديني، هذا في وقت ما زالت فيه الجاليات والروابط العربية غير قادرة على التعبير عن عدالة القضايا العربية أو مكافحة التمييز العرقي الذي يتعرض له المواطنون العرب والمسلمون، وهم كذلك لا يملكون أي تأثير ولو محدود على السياسة الألمانية ولم يتمكنوا من الحصول على دعم لمصالحهم في برلين. ويعود سبب هذا ـ بشكل جزئي ـ  إلى أن نفس أشكال التنافر والخصومات، التي أثرت سلبا على القضايا العربية على مدى عقود من الزمن، فقد انتقلت عدواها إلى الجاليات العربية هنا.

أما الواقع المرير على الأرض يثبت أنه ليست هناك مرجعية سياسية أو استشارية للجالية العربية، وقد فشلت كل محاولات تقريب وجهات النظر أو العمل على إيجاد حد أدنى للعمل معاً. فقد أخذت كل جمعية أو رابطة على عاتقها العمل منفردة على حسب أهواء مؤسسيها، فأحيانا تكون أهدافهم واضحة وفي أغلب الأحيان لا يكون الهدف منها إلا الرئاسة والوجاهة والتقاط الصور التذكارية مع هذا أو ذاك.

وأصبحت الجمعيات والروابط تجارة وشطارة، إذا اختلف المؤسسون على طريقة إدارة الجمعية، أنشأ كل منهم جمعية أخرى لحسابه الخاص. لقد أصبح الجميع يتنافسون على إرضاء السلطات، مع أن السلطات تطلب فقط إيصال صوت ونبض الجالية الحقيقي إليها، لكن ” الحرس القديم” يعمل بنفس الطريقة التي تعامل بها حكام العرب مع قضاياهم.

إن طرق إدارة الجمعيات لدينا هي نفس الطريقة التي أدار بها حكام العرب دولهم .. وماذا كانت النتيجة؟

الجمعيات والروابط العربية في ألمانيا تحتضر كما تحتضر الدول العربية. لقد فشلت الجالية العربية بأكملها في أن تحقق المطلوب منها وهو إيصال الصوت العربي إلى صانع القرار، والتأثير في صنع القرار.

إدارة الجمعيات هي علم وفن وليست إقامة المؤتمرات المغلقة للتباري في إلقاء الخطب والأشعار، وليست كذلك صيحات الاتهامات بالعمالة لكل من خالف الرأي.

مازالت موضة تأسيس اتحادات تتحدث باسم الجالية العربية تقسم ظهر الجالية وتفرقها، فمثلاً هناك في برلين “الاتحاد العام للجاليات العربية” ، وفي مدينة دوسلدورف ” اتحاد الجاليات العربية في ألمانيا” ، ومشروع آخر يتم التحضير له منذ عامين تحت اسم ” الاتحاد العربي في برلين”. والآن ( الشهر الماضي) هناك مشروع آخر وهو  تأسيس تجمع عربي موحد مكون من بعض الجمعيات في برلين…. إلى هذا الحد ….

يقول البعض: إن هذه الاتحادات ” الموضة” لا تمثل إلا مؤسسيها، الذين يسعون إلى المناصب والمكاسب، وليس لديها من أعمال غير إقامة الحفلات والتقاط الصور ودعوة السفراء والوجهاء. فكل الاجتماعات التي جرت لتأسيسها لم يعرف بها المواطن العربي في ألمانيا، كلها اتفاقات بين أصحاب الجمعيات والروابط العقيمة التي ليس لها أعضاء غير مؤسسيها.

إذا كان الهدف فعلاً هو خدمة الجالية، فلماذا لم يتم التنسيق مع أول اتحاد عربي تم تأسيسه، ولماذا تكثر المحاولات الآن للتحدث باسم الجالية العربية بأكملها !!

في الماضي تم لقاء بين الجمعيات والروابط المهتمة بتعليم اللغة العربية في برلين ـ تحت رعاية بعثة الجامعة العربية ـ للبحث عن طريقة لتوحيد وتحديث مناهج تعليم اللغة على مستوى برلين، تباينت الآراء ولم يصل المجتمعون إلى الحد الأدنى من التعاون للوصول إلى توحيد المنهج التعليمي.

طبعاً صمم كل طرف من الأطراف على أن منهجه ـ الذي أتى به ” صاحب المدرسة” من وطنه ـ هو الأفضل والأنجع لتعليم الطلاب لغة البلاد والعباد.  منهم من صمم على وضع المواد الدينية بالمنهج ومنهم من رفض .. وهكذا خرج المجتمعون بلا توصيات أو قرارات… وخرج التلاميذ العرب ” من المولد بلا حمص”، لأن كل صاحب مدرسة يعتقد أنه الأفضل.

كما أن هناك تنافس غريب وحركة متسارعة لإنشاء جمعيات للصحفيين العرب في ألمانيا، فنحن نعرف حتى الآن سبع جمعيات تطلق على نفسها على سبيل المثال ” اتحاد الصحفيين العرب، جمعية الصحفيين العرب، اتحاد الإعلاميين العرب، جمعية الناشرين العرب، رابطة الإعلاميين العرب، الاتحاد العربي للصحفيين وأخيراً الجمعية العربية للصحافة والنشر”… وهكذا.

كل هذه الجمعيات لا نعرف لها عنواناً، ولم نعرف من هم مؤسسيها، ولم نسمع أنهم يوماً ما قد اجتمعوا أو أصدروا بيانات تهم المواطن العربي هنا أو هناك رغم مرور الجالية والوطن بأحداث جسام .. أين هم ؟

وإذا كان الحال كذلك وجمعيات الصحفيين بهذه الكثرة .. فأين إصداراتهم  الثقافية والعلمية والاجتماعية .. أم أن الحكاية ” للوجاهة والمنظرة”.

يقول الناس هنا: أن “الوجوه هي نفس الوجوه” ، فأنت ترى فلاناً عضو في جمعية كذا، ومسؤول في رابطة أخرى، يتمتع بعضوية جمعيات ثقافية وأخرى اجتماعية أو سياسية، كما أنه عضو في رابطة وطنه الأصلي، وفي بعض الأحوال تجد ” نفس الوجه” عضواً في جمعيات أو روابط متنافسة.

مع أن الذي يحدث هنا ” يضحك”، لكن شر البلية ما يضحك.. أحوالنا تدمي قلب كل من يعرف أننا لم نتعلم من التاريخ أو الآخرين، كما لم يتعلم أهلنا هناك.

المسألة في حاجة للمراجعة، فلا يمكن أن يكون هناك أكثر من ممثل للجالية العربية .. ولا يمكن أن يتحدث كل “صاحب” اتحاد على أنه الأول من نوعه.

علينا جميعاً مواصلة السير في طريق تحمل المسئولية الجماعية وفتح الأبواب أمام الجيل الجديد والتعاون من خلال ” اتحاد عربي واحد” يمثل الجالية العربية تمثيلاُ صحيحاً، كما يجب أن تشارك الجالية العربية ” أي الشعب العربي في ألمانيا” في تأسيس هذا الاتحاد الذي يمكن أن يمثلهم.

والآن .. ندق ناقوس الخطر !!

.