مع نهاية عهد ميركل .. القاع المصرفي يتذمر

محمد عبد المنعم /

بعد اضطرار الحكومة إلى دعم قطاع البنوك بأموال الإنقاذ مع ضمان مدَّخرات المودعين عام 2008، زادت الانتقادات الشعبية لذلك حملت درساً مهماً بالنسبة إلى ميركل في بداية ولايتها؛ ألا تتوقَّع مكسباً في السياسة الألمانية إذا كنت قريباً جداً من قادة البنوك في البلاد.

تحالفات معقدة..

ومع انتهاء عهدها خلال الشهر الجاري، تقلَّص حجم بنوك الاستثمار في فرانكفورت، التي كانت قوية ذات يوم، نتيجة أعوام من انخفاض أسعار الفائدة إلى معدلات سلبية، وتشديد القواعد التنظيمية والرقابية التي شجَّعت ميركل على تطبيقها. وتعتمد كيفية خروج هذه البنوك من تدهورها الذي طال أمده اعتماداً واضحاً على مَن سيخلف ميركل، وما إذا كان المستشار القادم إلى السلطة سيستطيع استكمال المشروع الرئيسي الذي لم يكتمل حتى الآن، وهو مشروع الاتحاد المصرفي لأوروبا.

كيف أدارت أنجيلا ميركل عقارب ساعة التاريخ الألماني إلى الوراء؟

يقول أكسيل ويندت، وهو مسؤول سابق لدى “دويتشه بنك”: “إنَّ ميركل وحكوماتها كانت تعتبر القطاع المصرفي خادماً للقطاع الصناعي”. وأضاف ويندت، الذي انتقل للعمل رئيساً لشركة “هيبو القابضة للعقارات” (Hypo Holding) بعد إنقاذها: “أصبح القطاع المصرفي الآن في وضع أفضل من ناحية قوة رأس المال واحتياطيات السيولة، لكن فيما يتعلَّق بالتنافسية، فلا تستطيع البنوك الألمانية اللحاق بها”.

عندما أوشكت شركة “هيبو القابضة للعقارات” على الإفلاس في عام 2008، وتواكب ذلك مع احتدام أزمة الائتمان؛ اضطرت ميركل إلى توجيه خطاب علني لطمأنة كل المدخرين بأنَّ ودائعهم في أمان، وهي لحظة حاسمة ساهمت في تكوين عزيمتها على متابعة تطبيق قواعد أشد صرامة على البنوك. وأسست ميركل لموقف ألمانيا الداعم لوضع معايير دولية تقضي باحتفاظ البنوك بمخصصات مالية أكبر، وتُستخدم في امتصاص الخسائر، علاوةً على تأسيس صندوق أوروبي لتصفية البنوك المفلسة تدريجياً.

أزمات متلاحقة

وفي حين أجبرت بنوك “وول ستريت” هي الأخرى على التعامل مع قواعد تنظيمية أعلى تكلفة وأشد صرامة، استطاعت بنوك، مثل: “جيه بي مورغان تشيز”، و “غولدمان ساكس غروب” زيادة حصتها السوقية على حساب بنوك الاستثمار الأوروبية بعد أن قامت الولايات المتحدة بقوة بإعادة رسملة البنوك الكبرى خلال الأزمة المالية. وتحت إشراف ميركل؛ استغرقت البنوك زمناً أطول في تكوين احتياطياتها المالية، ولم يكن مسموحاً لها باندماج حقيقي أبعد من صفقات الاندماج على المستوى الوطني.

وعانت أوروبا أيضاً من تبعات الأزمة المالية لفترة أطول من غيرها بسبب أزمة الديون السيادية اللاحقة التي ركَّزت الأضواء على “الحلقة الجهنمية” من حكومات تعاني من ديون باهظة، وبنوك دائنة تحمل سنداتها. وفي عام 2012، قرر قادة المنطقة أنَّ حل المشكلة هو تأسيس اتحاد مصرفي يرفع مستوى الإشراف والرقابة، ومعالجة مشكلة البنوك المفلسة عبر التعاون المشترك، وتكوين صندوق لحماية وضمان الودائع البنكية. لكن لم يكتمل الركن الأخير بسبب الخلافات حول كيفية معالجة المخاطر.

محاولات

قالت مصادر عملت مع المستشارة، إنَّ أحداث 2008 أقنعت ميركل بأنَّ الصداقة مع رؤساء الشركات، وخاصة البنوك، ليست جيدة في الأوقات العصيبة. وقد ظهر ضعف إخلاص أكرمان رئيس دويتشه بنك للمستشارة بعد ذلك في عام 2008، عندما أعلن أنَّه من “العار” أن نقبل معونة من الدولة. وتعرَّضت تصريحاته للنقد من أعضاء البرلمان، لأنَّها تعرقل محاولة الحكومة إعادة الاستقرار إلى القطاع المصرفي. وقطعاً، كانت للبنوك الألمانية الكبرى يد في الانهيار الذي تعرَّضت له. فقد أدى توسُّع “دويتشه بنك” العنيف ليصبح بنك استثمار عالمي إلى جعله في النهاية صاحب أعلى التزامات مالية وسط جميع البنوك الأوروبية، كما ألقى اقتحام “كوميرتس بنك” لأسواق قروض الشحن والرهن العقاري أحمالاً عليه من الديون الرديئة. وعلى مدى سنوات، حاول البنكان إجراء إصلاحات جزئية، لكنَّها فشلت في خفض النفقات بطريقة حاسمة.

خليفة ميركل في حكم ألمانيا

أرمين لاشت، هو الشخص الذي عيَّنته ميركل كي يخلفها كمرشح لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وهو لم يبدِ أدنى إشارة إلى أنَّه سوف يحيد عن اعتبار القطاع المصرفي بالأساس مصدر الائتمان للقطاع الصناعي. ومع تحديات ضاغطة، مثل التغير المناخي، وانتشار الجائحة والأزمة في أفغانستان؛ يأتي تنظيم القطاع المصرفي في ذيل الأولويات بالنسبة للمرشَّحين الآخرين في الانتخابات.

أولاف شولتس، هو أبرز المرشحين للمنصب من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يميل نحو اليسار. لم يكن شولتس حليفاً محتملاً للبنوك الألمانية الكبيرة عندما كان وزيراً للمالية في عهد ميركل. لقد عين مستشاراً لبنك “غولدمان ساكس غروب”، كما دعم مفاوضات الاندماج بين “دويتشه بنك”، و “كوميرتس بنك” عندما تعثَّر البنكان في تنفيذ خطط الإصلاح. وكذلك بدأ محاولة جديدة لإحياء المفاوضات الخاصة بالبرنامج الأوروبي المشترك لضمان الودائع، ويعتبر هذا البرنامج الركن المفقود في إقامة الاتحاد المصرفي لأوروبا.

فإذا نجح شولتس، سيحتاج إلى أن يتغلب على حالة اللامبالاة، ليس في ألمانيا فحسب؛ وإنَّما في عموم أوروبا. فقال شولتس إنَّ موضوع الاتحاد المصرفي “لا يمكن أن ينجح إلا إذا حظي بأولوية سياسية. وأنا مستعد لإعطائه هذه الأولوية”

خطة الحزب الاشتراكي الديمقراطي لقطاع الخدمات المالية:

ـ دعم قيادة ألمانيا لعمليات التمويل المستدام عبر إصدار المزيد من السندات الخضراء.

ـ التأكُّد من صرامة الرقابة والتنظيم، وذلك بما يكفي لمنع استخدام أموال دافعي الضرائب في إنقاذ البنوك.

ـ استكمال تأسيس الاتحاد المصرفي الأوروبي، وتأسيس اتحاد آخر لأسواق رأس المال.

ـ توظيف مسؤولين عن مراقبة عمليات غسل الأموال، ومنح مسؤولي الهيئة الفيدرالية للرقابة (BaFin) مزيداً من الصلاحيات. غير أنَّ أسلوبه التدخلي لم يحقق نتائج تذكر حتى الآن؛ وترجع بعض المصادر المطَّلعة ذلك جزئياً إلى عدم تحمُّس ميركل لهذا الأسلوب، وهي عضو الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ التي ابتعدت عن البنوك قليلاً منذ اضطرارها إلى إنقاذ العديد منها خلال الأزمة المالية.

.