مصر ـ تركيا: متى تكون العلاقات طبيعية؟

إبراهيم بدوي

لا تنفكّ تركيا “المعزولة” تُكرر محاولات استمالة ومُغازلة مصر، بشكل شبه يومي، بلهجة تكاد تتمسّح في العلاقات التاريخية معها وفي الروابط التي تجمع بين الشعبين المصري والتركي، لاستعادة العلاقات بعد 7 أعوام من التوتّر الناجم عن تصريحات رئيسها رجب طيب إردوغان.

التلويح التركي للتودد إلى مصر بدأ في يونيو الماضي، لكنه تصاعد في الأيام الأخيرة حتى بدت تركيا وكأنها تتوسل راكعة لمصر لإعادة العلاقات، وفق تعبير محلل تركي، فما سبب التودد التركي الحالي ولماذا لم تتجاوب معه القاهرة؟

وأثارت التعليمات التي أصدرتها السلطات التركية للقنوات الفضائية المصرية المعارضة التي تبث من إستانبول، بوقف البرامج السياسية والامتناع عن توجيه الانتقادات للنظام المصري وللرئيس عبد الفتاح السيسي، الكثير من الضجة في مصر، وقبل ذلك تبارى مقدمو البرامج الحوارية على القنوات الخاصة المصرية في إبداء شيئا من السخرية وإملاء الشروط، ردا على التصريحات التركية التي أدلى بها أردوغان ووزرائه بشأن المصالحة مع مصر وعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين.

المسؤولون المصريون امتنعوا عن التعليق في الحالتين، إلا أن القاهرة لم تنكر وجود اتصالات ومفاوضات على مستوى استخباراتي مع أنقرة، وسربت بعض المصادر أن هذه المفاوضات تتعلق بملفات الحدود البحرية والطاقة.

الاستجداء التركي

في أول تصريح رسمي كشف التودد التركي للعلن، أكّد وزير الخارجية التركي تشاويش أغلو، أن “الطريقة الأكثر عقلانية لعودة العلاقات المصرية- التركية تكون عبر الحوار والتعاون مع تركيا بدلًا من تجاهلها”. وأوضح في مقابلة على قناة “إن تي في” التركية، وقتذاك، أنه وبتفويض من إردوغان أجرى اتصالات مختلفة مع مصر في السابق، إلا أن التوازنات في ليبيا أدت إلى توتر العلاقات قليلًا.

ومضت أنقرة تُغازل القاهرة باللعب على المتناقضات؛ إذ قال إردوغان نفسه قبل أيام إن “الشعب المصري لا يختلف مع تركيا”، وسبقه وزير خارجيته تشاويش أوغلو، بوصفه مصر وتركيا بأن لديهما أطول مساحة من الأرض والحدود في شرق البحر المتوسط، ويمكنهما التفاوض على الاختصاصات البحرية، مُلوحًا بإمكانية توقيع اتفاقية بينهما مُستقبلًا. فيما تودد وزير الدفاع خلوصي أكار مشيرا إلى “القيم التاريخية والثقافية المشتركة مع مصر”.

كما عزف مستشاره ياسين أقطاي على نغمة أن “المصالح المصرية التركية مشتركة”، مؤكدًا أن “من يأتي إلينا خطوة نمشي إليه خطوتين”. أما متحدث الرئاسة التركية فبدا وكأنه يتوسل اتفاقية مع مصر بتصريحه إلى وكالة بلومبرج “يُمكن فتح صفحة جديدة مع مصر ودول الخليج للمساعدة في السلام والاستقرار الإقليميين”.

الرد المصري: نريد أفعالا لا أقوال

وأمام كل محاولات الاستجداء التركي، جاء الرد المصري رسميًا وبطريقة أكثر وتحفظًا. الأسبوع الماضي، قال سامح شكري وزير الخارجية، أمام البرلمان إن “الارتقاء بمستوى العلاقة بين البلدين يتطلب مراعاة الأطر القانونية والدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول على أساس احترام مبدأ السيادة ومقتضيات الأمن القومي العربي”.

وتابع: “مصر تتوقع من أي دولة تتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية معها الالتزام بقواعد القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار والكفّ عن محاولات التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة”.

ودعا تركيا إلى الامتناع عن التدخل في الشؤون مصر الداخلية، واحترام علاقات الجوار، وإلى خروج تركيا من ليبيا حيث يوجد الطرفان على طرفي نقيض، مع ضمان التمييز بين نظام إردوغان والشعب التركي.

لماذا تتوسل أنقرة الآن؟

وفيما تبدو أنقرة راكِعة على رُكبة واحدة وهي تتوسل للقاهرة، عزا الكاتب التركي إرغون باباهان التحول الإردوغاني المُثير للريبة تجاه مصر إلى محاولة تركيا الخروج من عزلتها التي تسببت فيها سياسات إردوغان.

وقال إن “تقليص إردوغان للسياسة الخارجية إلى المستوى العسكري، والسعي إلى نهج قائم على مطالبات القوة والحقوق بدلًا من الجلوس على طاولة المفاوضات”، دفع بجميع الدول والمؤسسات الدولية للوقوف في مواجهة أنقرة في خطوة تجاوزت دول المنطقة.

وأشار في تحليل بموقع “أحوال تركية” إلى أن إردوغان يسعى اليوم لاستعادة الورقة الرابحة التي خسرتها تركيا مع اليونان من خلال اللجوء إلى مصر وإسرائيل بعد إطلاق سلسلة من الإهانات للزعماء وقطع العلاقات الدبلوماسية مع البلدين، وبينهم الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي وقف في وجه تدخلات “العثماني المُتعجرف” إردوغان، على حد قوله.

وذكر باباهان بتصرفات إردوغان العدائية، مشيرا إلى رفضه حضور اجتماع مع الرئيس السيسي على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عام 2019. وتجنبه لقائه في تجمع العشاء، حيث كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حاضرا، فعندما رأى الرئيس السيسي على الطاولة، رحل تاركا المقعد المخصص له شاغرا، بحسب الكاتب التركي.

وقال: مع ذلك، يتصرف إردوغان الآن وكأن شيئا من هذا لم يكن، بل كما لو كان هناك خلاف صغير يمكن إصلاحه لتعود الأمور إلى طبيعتها لمجرد أنه يرغب في أن يكون الأمر كذلك.

وأضاف باباهان: “بالطبع، يمكن أن تجلس البلدان المتنازعة إلى طاولة المفاوضات وتجري محادثات وتتصالح. لكن، لكل حرب رابح وخاسر. وقد خسرت تركيا الصراع على السلطة الذي دخلته مع دول، تشمل مصر، في شرق البحر المتوسط، وتلوّح بعلم أبيض بتجاهل ما قيل ضد الرئيس السيسي”.

وفي المُحصلة لا تزال تركيا الى حد الآن غير قادرة على إقناع دول مثل مصر باعتماد نهج مختلف عن السابق وبالتالي فسيظل الموقف من السياسات التركية كما هو دون تغيير.

.