تركيا وحمى الانتخابات الرئاسية

إبراهيم بدوي /

هاجم رئيس حزب المستقبل التركي، أحمد داود أوغلو، الرئيس رجب طيب أردوغان ورجاله، حيث كانوا يقفون صامتين ويضحكون، في حين أن طفلاً صغيراً يهين زعيم المعارضة، كمال كليتشدار أوغلو.

وقال داود أوغلو في تغريدة على «تويتر»: «ولد صغير يهين شخصًا في سن جده والكبار الذين يقفون بجانبه يشاهدون ذلك ويضحكون، هل هذه أخلاقنا؟ لا تستغل الأطفال في السياسة. لا تلوث قلبهم الطاهر والنقي».

وكان طفل قد صعد على منصة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد إلقاء كلمة له امس الاول في مدينة طرابزون، وصاح متهمًا رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو بالخيانة على مرأى من الجميع.

وقال الطفل، في الميكروفون الذي بيد أردوغان: «يا أصدقاء، إن السيد كمال الذي يقف ضد عمي رئيس الجمهورية، رجل خائن، خائن، وهذا الرجل الذي أمامكم هو الأفضل، امنحوا له أصواتكم».

جاء ذلك، بعدما اشتكى الطفل لأردوغان، اشتياقه لأبيه المحبوس منذ 10 سنوات في السجن، لكن تم التشويش على الصوت لدقائق، وبعد منحه لعبة، اتهم الطفل زعيم المعارضة بالخيانة.

هجوم منظم على اكرم اوغلو

وفي سياق الهجومات الاردوغانية المتواصلة على رموز المعارضة التركية، شنت معظم وسائل الإعلام الموالية للحزب الحاکم في تركيا هجومًا مكثفًا على رئيس بلدية اسطنبول، في خطوة منسقة وجماعية تؤشر على الايدي الخفية التى تحركها.

والهدف من هذا الهجوم الإعلامي الهائل هو تشويه سمعة أكرم إمام أوغلو، عمدة مدينة يبلغ عدد سكانها 14 مليون نسمة، والذي، وفقًا للمحللين السياسيين، لديه فرصة جيدة للفوز بالرئاسة.

ويعتقد المحللون الأتراك أن محاولة تشويه سمعة عمدة اسطنبول هي تكرار للسيناريو نفسه قبل 25 عامًا، والذي أرادت من خلاله المعارضة الإطاحة بأردوغان العمدة، خشية أن يصبح يومًا ما رئيسًا.

وعلى الرغم من أن إمام أوغلو نفسه يحظى بشعبية بين الناس، إلا أن من يصبح رئيس بلدية اسطنبول من المرجح جداً أن يصبح رئيسًا لتركيا فيما بعد.

وأوضح مثال على ذلك هو رجب طيب أردوغان الذي أطاح، إبان حكم رئيس الوزراء الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، بخصوم أقوياء للغاية من الساحة وأصبح عمدة إسطنبول، ومهَّد الطريق أمام المصداقية والشعبية السياسية له ولرفاقه.

ونتيجةً لذلك، يمكن القول بثقة إنه لو لم يقض أردوغان بضع سنوات من حياته كرئيس لبلدية اسطنبول، لما اكتسب الكثير من القوة والثقة والشعبية للانفصال عن سيده أربكان وتشكيل حزب جديد والاستيلاء على السلطة السياسية التركية.

ذكريات هزيمة ثقيلة في القلعة البيضاء

لا شك أن هزيمة فريق أردوغان في الانتخابات البلدية 2019 في تركيا بمنطقة إسطنبول كانت هزيمةً ثقيلةً للغاية وغير متوقعة، ولا تزال هذه الهزيمة تلقي بظلالها على الحزب الحاكم في تركيا.

أتى أردوغان إلى الساحة بأهم وأقوى شخصية تكنوقراطية لديه، أي بن علي يلدريم، ليعينه عمدةً لاسطنبول. لكن زعيم حزب الشعب الجمهوري المتمرس كمال كليتشدار أوغلو، بالإضافة إلى تشكيله تحالفًا مع زعيمة حزب “الخير” التركي المعارض ميرال أكشينار، اجتذب أصوات الأكراد المؤيدين لأوجلان إلى إمام أوغلو، وهزم يلدريم.

كانت هذه النتيجة مكلفةً للغاية بالنسبة لأردوغان لدرجة أنه، وسط دهشة الجميع، فرض ضغوطًا غير مسبوقة على المجلس الأعلى للانتخابات، فأعيدت الانتخابات في هذه المنطقة.

ومع ذلك، فاز إمام أوغلو مرةً أخرى بمزيد من الأصوات، ولم يترك مجالًا للشك في أن أردوغان قد فقد هذا المعقل. ولذلك، منذ اليوم الذي تولى فيه إمام أوغلو منصب رئاسة البلدية، بدأت الهجمات المنظمة ضده من قبل الحكومة والحزب الحاكم.

كلمة سر العملية: جاسوس تابع

لقد أهان الرئيس التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان، إمام أوغلو مرارًا وتكرارًا باستخدام كلمات غير لائقة عنه. لكن إمام أوغلو أظهر أنه سياسي هادئ ولا يمكن استفزازه بسهولة.

وعلى الرغم من أن إمام أوغلو نفسه لا يفعل الكثير، إلا أن مؤسسات الاستطلاع قامت بإجراءات ميدانية، مما أدى إلى ترهيب الحزب الحاكم في تركيا. لقد أجرت هذه المؤسسات أكثر من 10 مسوحات ميدانية خلال العام الماضي، وفي المتوسط، في جميع هذه الاستطلاعات، تقدم إمام أوغلو بنسبة 10 إلى 12 في المائة على أردوغان، وأصبح شخصيةً شعبيةً.

ونتيجةً لذلك، من الرئيس نفسه إلى وزير الداخلية، إلی الصحف ووكالات الأنباء وشبكات التلفزيون، وضعت على جدول أعمالها إضعاف إمام أوغلو. وفي الهجوم الإعلامي الأخير، أصبح تناول العشاء مع السفير البريطاني مشكلةً كبيرةً لرئيس بلدية اسطنبول.

القصة هي أن أكرم إمام أوغلو، إلى جانب عازف البيانو التركي المشهور عالميًا فاضل ساي، استضافا السفير البريطاني وزوجته في مطعم لتناول عشاء من المأكولات البحرية.

ولكن بعد أقل من ساعة على هذه الحفلة الصغيرة، تم نشر عشرات الصور في الفضاء الإلكتروني ووسائل الإعلام، وكتب الجميع: في اللحظة التي حوصر فيها أهل اسطنبول في الشوارع بسبب تساقط الثلوج بكثافة، كان رئيس بلدية اسطنبول يشوي السمك في مطعم بجوار جاسوس صليبي بدلاً من إزالة الثلوج!

وقد أظهر الانتشار الواسع للصور والأخبار المتعلقة بهذه القضية، أولاً، أن هذا الهجوم كان محسوبًا ومنظمًا جيدًا، وثانيًا، أظهر نشر صور فردية خارج المطعم وداخله أن العديد من الأشخاص كانوا يتابعون إمام أوغلو بانتظام، ويلتقطون صورًا ومقاطع فيديو لجميع تحركاته.

اسطنبول هي تركيا صغيرة

اسطنبول حصن مهم للغاية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية وشخص رجب طيب أردوغان، والتي لعبت دورًا مهمًا للغاية في انتصارات هذا الحزب الإسلامي في العقدين الماضيين.

ويعتقد العديد من المحللين وعلماء الاجتماع السياسي في اسطنبول، أن اسطنبول هي في الحقيقة تركيا صغيرة، وأن أي شخص يصل إلى السلطة في هذه المدينة يمكنه أن يحكم جميع أنحاء تركيا. وبسبب هذا المنطق السياسي والاجتماعي، يشعر أردوغان وفريقه بقلق بالغ من احتمال نجاح أكرم إمام أوغلو.

صرح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، وزعيمة حزب “الخير” التركي ميرال أكشينار، أن إمام ليس مرشحهم النهائي في الانتخابات الرئاسية لعام 2023.

کما أعلن زعيم حزب الشعب الجمهوري أن الأغلبية في مجلس مدينة اسطنبول مع حزب العدالة والتنمية، وإذا أصبح إمام أوغلو عمدةً، فإن منصب العمدة سيؤول إلى أحد أصدقاء أردوغان، وهذا ليس في مصلحة المعارضة. ومع ذلك، حتى هذا الخبر المهم لم يهدئ الحزب الحاكم، وتتواصل الجهود لعزل إمام أوغلو سياسيًا.

إن نظرةً عامةً على الصورة الحالية للتطورات السياسية التركية، تظهر أن الحزب الحاكم يستخدم كل الوسائل والإمکانات للحفاظ على بقائه في السلطة، وليس من المستبعد أن تشهد تركيا أجواءً سياسيةً مليئةً بالتوتر العام المقبل.

تحالف المعارضة

هذا وقد اجتمع قادة ستة أحزاب معارضة في تركيا لبحث توسع تحالف المعارضة، استجابة لدعوة من رئيس حزب “الشعب الجمهوري” كمال كيليتشدار أوغلو وفق ما أفادت صحيفة “زمان”.

وبحسب الصحيفة التركية، فإن “قادة الأحزاب الستة الذين اجتمعوا هم كيليتشدار أوغلو، ورئيسة حزب الخير، ميرال أكشنار، وزعيم حزب السعادة، تيميل كارامولا أوغلو، وزعيم حزب المستقبل أحمد داوود أوغلو، وزعيم حزب الديمقراطية والتقدم علي باباجان، وزعيم الحزب الديمقراطي جولتكين أويسال”.

وذكرت الصحيفة أن الاجتماع “استمر إلى ما يزيد عن 5 ساعات، وتم خلاله تقييم الدراسات حول تعزيز النظام البرلماني، وانتخابات عام 2023 وخارطة الطريق”. وناقش الاجتماع اقتراح أحمد داوود أوغلو، رئيس “حزب المستقبل”، بتغيير اسم تحالف الأمة الذي يضم في الوقت الحالي أحزاب “الشعب الجمهوري”، “الخير”، “السعادة””.

وفي وقت سابق قال زعيم “حزب المستقبل” الذي لم يكن قد تأسس حزبه أثناء تشكيل تحالف الأمة عام 2018: “مسؤولية تركيا تقع على عاتقنا جميعا، النظام الرئاسي أفسد طبيعة أشياء كثيرة نحن في عتبة حرجة للغاية، لا يمكن لأحد أن يضع المصالح الحزبية أو الشخصية أولا”.

وفقا لآخر استطلاعات الرأي، “ارتفعت نسب تأييد أحزاب المعارضة في تركيا، ويتبين أن الفجوة بين حزب “العدالة والتنمية” وحزب “الشعب الجمهوري” تقل، وأن نسب التصويت لحزب الخير آخذة في الارتفاع إلى حد ما، وحزب “الشعوب الديمقراطي” على وشك دخول البرلمان، وفق صحيفة “زمان”.

وبحسب المؤسسة كشفت النتائج أن “حزب “العدالة والتنمية” حصل على 32 في المئة، وحزب “الشعب الجمهوري” 25 في المئة، وحزب “الخير” على 15 في المئة، وحزب “الشعوب الديمقراطي” 9 في المئة، وحزب “الحركة القومية” على 8.5 في المئة”.

رحلة الإمارات

وانتقد زعيم “حزب الديمقراطية والتقدم” التركي علي باباجان تغير مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه الإمارات، التي يزورها حاليا.

وكان أردوغان قال قبل مغادرة تركيا إنه بدأت مرحلة جديدة في العلاقات مع الإمارات.

ووجه باباجان عبر “تويتر” انتقادات لأردوغان قائلا: “إن كانت الإمارات العقل المدبر لأكثر ليلة دموية في تاريخ تركيا الحديث “حسب اتهام الرئيس سابقا”، فكيف من السهل على أردوغان التقارب معها؟

هل سيعتذر من الشعب التركي إن كان قد ضلله بشأن تلك الليلة؟ وإن كانت المسألة تتعلق بالنقود فليعلن هذا”.

وأدرج باباجان جزء من كلمته التي ألقاها خلال مؤتمر الحزب ببلدة ينيجا بمدينة شانق قلعة في التاسع من ديسمبر الماضي تعليقا على زيارة ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تركيا.

وأفاد باباجان حينها في كلمة مطولة حملت انتقادات عنيفة لأردوغان، حيث قال “السلطات التركية تتهم هذه الدولة علانية بدعمها المحاولة الانقلابية الخائنة.. أليس هذا اتهاما خطير؟ من هي تلك الدولة التي يتهمونها؟ إنها الإمارات العربية المتحدة.. نحن نعلم جيدا العقوبات التي تم إصدارها بحق المشاركين في تلك المحاولة الانقلابية، فنحن نتحدث عن عقوبات بالسجن المشدد لخمسين ومئة مرة.. وما هو الاتهام الموجه إليها؟ يتهمونها بدعم الانقلابيين.. يواصلون اتهامها بهذا الشيء على مدار خمس سنوات”.

وتابع قائلا: “أي من تصريحات أردوغان بشأن الإمارات العربية المتحدة صائبة؟ إن كانت تلك الدولة هي المدبرة للمحاولة الانقلابية التي أسفرت عن استشهاد 251 تركي فبأي وجه حق تستقبلهم بمراسم رسمية؟”.

وصرح باباجان “إن لم تكن تلك الاتهامات صائبة فليعلن هذا.. فليقولها صراحة إننا كذبنا عليكم أو لم نخبركم بالحقيقة وإن تلك الدولة أي الإمارات العربية المتحدة لا علاقة لها بالمحاولة الانقلابية.. وإن كان هذا التقارب يتعلق بالمال فليعلن هذا.. فليقولها صراحة إن تركيا أصبحت دولة بحاجة إلى المال لدرجة جعلتها تتجاهل المحاولة الانقلابية وتمضي قدما في طريقها”.

.