محاولات ميركل لمنع انهيار الاقتصاد

محمد عبد المنعم

هل يقع الاقتصاد العالمي في مرحلة جديدة من الركود؟

يُعرف الركود عموماً بأنه ربعان متعاقبان للنمو الاقتصادي السلبي، وعادة ما يتم قياسه من خلال الناتج المحلي الإجمالي، أي القيمة الإجمالية للسلع والخدمات النهائية المنتجة خلال فترة معينة (في هذه الحالة، عادةً ربع عام). وهنا تتزايد التوقعات بأن الناتج المحلي الإجمالي للصين ربما سيعاني بشكل سيئ جدًا في الربع الأول من العام الجاري، وبما أنه يشكل حوالي (17%) من الاقتصاد العالمي، فسيكون لذلك آثار متتالية على بقية العالم. وعلى سبيل المثال؛ تستعد دول منطقة اليورو للنمو السلبي خلال الربع الأول من العام الجاري، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة (0.1%) فقط في نهاية 2019، لذا فإن أي صدمة جديدة يمكن أن تدفعها نحو النمو السلبي.

ومن ثم إذا لم يتم احتواء الفيروس التاجي واستمر في الانتشار، فإن احتمال حدوث ركود عالمي يزداد. علماً أن الفيروس هو عامل واحد فقط من العوامل الضاغطة على نمو الاقتصاد العالمي، مما قد يؤدي إلى تفاقم الضغوط الأخرى على الاقتصاد العالمي، مثل الحروب التجارية، وانهيار أسعار النفط العالمية، وتباطؤ الطلب العالمي في كافة القطاعات.

لكن في حال استجابت الحكومات بشكل مناسب، وكان لديها القدرة على احتواء الانتشار، فمن المحتمل تجنب السيناريو الأسوأ. وهذا لا يعني أنه سيتم تجنبه بالتساوي في جميع أنحاء العالم، أو حتى في جميع الصناعات أو القوى العاملة. ولكن عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد العالمي، فستكون النتيجة النهائية تباطؤاً في النمو وليس حدوث ركود عالمي كما هو متوقع.

البداية من ألمانيا

في مارس الماضي وفي ذروة استشراء كوفيد-19 قامت ألمانيا بفرض ضوابط صارمة على حدودها البرية مع فرنسا والنمسا وسويسرا ولوكسمبورغ والدنمرك في محاولة للحد من انتشار وباء كوفيد-19 . أما داخليا فاعتمدت الحكومة فرض قيود أخرى تهدف في مجملها إلى وقف انتشار الوباء. الحكومة الألمانية اعتبرت حينها أن الحاجة ماسة إلى تنفيذ إجراءات استثنائية لدعم أكبر اقتصاد في أوروبا من خلال برنامج إنقاذ بقيمة 600 مليار يورو لمنع الانهيار.

في هذا الإطار دعا المسؤولون الألمان المواطنين للبقاء في منازلهم، فيما أعلنت الحكومة مجموعة إجراءات غير مسبوقة لتقييد الحياة العامة لإبطاء انتشار فيروس كورونا الجديد. وتعتزم برلين الآن الاقتراض إلى حدّ 156 مليار يورو.

وسيكون في مقدور الدولة الألمانية عمليا القيام بعمليات تأميم جزئي ومؤقت لبعض الشركات لمساعدتها في تخطي الأزمة. وهذا ما فعلته الدولة مع القطاع المصرفي خلال الأزمة المالية في 2008 و2009.

عمليا دعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الألمان إلى إلغاء الإجازات داخل البلاد وخارجها، كما حظرت الحكومة التجمعات في الكنائس والمساجد ودور العبادة، وأمرت بإغلاق المتاجر غير الضرورية إضافة إلى ملاعب الأطفال.

لكن ألمانيا لجأت في معركتها مع الوباء إلى اعتماد سياسة اليد الممدودة سواء تعلق الأمر بأوروبا أو بإفريقيا حيث قالت المستشارة إنه يجب مساعدة الدول الأشد فقرا على النجاة من جائحة فيروس كورونا .

أما حين يتعلق الأمر بالشركات فإن الحكومة الاتحادية أوضحت أن الاقتصاد سينكمش 9.3 بالمئة هذا العام وينمو 9.5 بالمئة في العام القادم مضيفة ان الوضع الطبيعي لن يعود إلا بعد مضي 16 شهرا.

خطة إنقاذ “لوفتهانزا”

بعض الشركات تتأهب لتعاف أطول ومن المتوقع أن تستغرق العودة للوضع الطبيعي في قطاع الطيران على وجه الخصوص عام ونصف. وخلال الأيام الماضية توصّلت “لوفتهانزا” إلى اتّفاق مع الحكومة الألمانية حول خطة إنقاذ تبلغ تسعة مليارات يورو ستصبح بموجبها الدولة أكبر مساهم في رأسمال المجموعة بحصة تبلغ 20 بالمئة وذلك لتجنب  إفلاس الشركة. وصادقت الحكومة التي تعود بموجب الاتفاق إلى قائمة مساهمي الشركة بعد نحو 20 عاماً، على الخطة من خلال صندوق الاستقرار الاقتصادي التابع للحكومة الاتحادية، الذي تم إنشاؤه لتخفيف تداعيات تفشي فيروس كورونا المستجد.

والآن أوروبا

خاضت أنغيلا ميركل مخاطرة سياسية كبيرة في بلدها من خلال قبولها فكرة الديون المتبادلة في أوروبا بعدما كانت تعد من المحظورات، وذلك من أجل إنعاش الاقتصاد في مواجهة جائحة كورونا.

وقد نجح اقتراح باريس وبرلين ـ في نهاية المطاف ـ  وهو الذي يهدف إلى تمكين الاتحاد الأوروبي من تحرير ديون بقيمة 750 مليار يورو تُسدد على شكل إعانات للدول الأكثر تضررا من تأثير الوباء مثل إيطاليا وإسبانيا على وجه الخصوص، دون أن تضطر الدولتان إلى سداد تلك الديون بشكل فردي.

هذه الآلية التي ترتكز على سندات “يوروبوندز” ليست ضمن آلية الديون المشتركة بين الدول الأوروبية التي طالبت بها إيطاليا خصوصاً لكن دول شمال أوروبا وبرلين رفضتها.

تسير أوروبا، التي صُدمت بجائحة كورونا وسجالات نقص الاستعداد في أنظمتها الصحية والاقتصادية، نحو تبنّي استراتيجية أكثر استقلالية وأقل اعتماداً على الخارج.

وترتبط الاستراتيجية الجديدة بمجمل الصناعات والبنى التحتية الهامة في القارة، وترتكز على مراجعة سياسة دعم الشركات المتعثرة، وتقييد بيع أو استثمار قوى خارجية في مؤسسات ذات أهمية لأوروبا، لمنع وقوعها في أيادٍ خارجية. وعلى الرغم من الدعم الذي تحظى به هذه الخطة من دول كبرى، تبرز مواقف معارضة لها، لا سيما من اليمين الشعبوي، إضافة إلى بروز مخاوف على التجارة الحرة وحرية التنافس.

ويُجمع مراقبون على أن دول الاتحاد غير قادرة على تخطِّي خلافاتها حول طريقة إطلاق عجلة الاقتصاد من جديد، فيما عادت إلى الواجهة الفروقات القديمة التي ظهرت أيضاً خلال أزمة عام 2009 المالية، عندما عجزت الدول الأعضاء عن سداد ديونها وتزايد الركود الاقتصادي وانهارت أهم البنوك وقتها، فهل ينتظر أوروبا مصير مشابه؟

.