قاموس المصطلحات القانونية

ألماني ـ عربي ـ كردي

.

موسى الزعيم

عن دارِ الدليلِ للطباعةِ والنّشر في برلين، صدرَ قاموسُ المصطلحاتِ القانونيّة “ثلاثيّ اللّغاتِ” ألماني عربي كردي ” للمُحامي السّوري جلال أمين.
القاموس يحمل اسم DAD والتي تعني باللغة الكردية العدل، يقع القاموس في 335 صفحة من الحجم المتوسّط بمقدمةٍ للسيدة لارا عسّاف باللغتين العربية والألمانية، ويحتوي على 2700 مصطلحاً تمّ ترتيبها على ثلاثةِ أقسام من اليمين إلى اليسار(عربي كردي ألماني- عربي ألماني كردي ألماني كردي عربي).
والقاموس متخصصّ في المصطلحاتِ القانونيّة الاجتماعيّة، والتي لها صِلةٌ مباشرةٌ بالقضايا القانونيّة، أو كلّ ما يتّصل بشكلٍ مباشرٍ بحالةِ اللجوءِ، أو ما يتعلّق بالوضع الاجتماعي والقانوني والإنساني للاجئ الجديد في ألمانيا.


استغرقَ العملُ في القاموس مدّة أربعِ سنواتٍ، خلالها جمعَ المُحامي جلال أمين أهمّ المُصطلحاتِ التي كانَ على تماسٍ مباشرٍ ويوميّ معها، وذلك من خلالِ عملهِ مترجماً في الدّوائر الحكوميّة الخاصّة باللاجئين، مستنداً إلى خِبرتهِ في المجالِ القانونيّ، وعملهِ في المُحاماة، مدّة خمسةَ عشرَ عاماً في سوريا.
يأتي القاموسُ لسدّ فراغٍ في السّاحة المعرفيّة، بعد أن لاحظَ المؤلّف- حسبَ قولهِ- فجوةً أو نقصاً في فهمِ بعضِ المُصطلحات القانونيّة التي تُبنى عليها إقامة اللاجئ أحياناً في ألمانيا، علماً أنّ فترةَ اللجوءِ- وخاصةً الفترة الأولى- من حياة الوافدين الجُدد إلى ألمانيا، ترتبط بشكلٍ مباشرٍ بالحالةِ القانونيّة و الإنسانيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة لهم.
إذ كان هناكَ بعضُ الخَلطِ في فَهمِ بعض هذه المُصطلحاتِ لدى المُترجمين في الدوائرِ الحكوميّة عرباً كانوا أم ألمانَ على حدّ سواء، ونتيجةَ اختلافِ النّظامِ القانونيّ والقضائي و الإداري بين البلدانِ العربيّة، البلدان التي وفدَ منها العددُ الأكبرُ من اللاجئين في السنوات الأخيرة، وخاصّةً سورية، والنظام الفيدرالي الألماني.
ففي كثيرٍ من الأحيان تكونُ المُسمّيات متشابهة، إلاّ أنّ التوصيف الوظيفيّ يختلفُ بين اللغة العربيّة و الألمانيّة .

واضعُ القاموس جلال أمين درسَ الحقوقَ في سوريا، ثمّ عملَ في سلكِ المُحاماة قبل وصوله إلى ألمانيا يقول: لديّ اهتمام بالأدب، فقد كتبتُ الشّعرَ باللغة العربيّة والكرديّة، ولديّ أعمال شعريّة منها ما هو مطبوع، ومنها ما أجّلتُ طباعته، لكنني مُنذُ صِغري أحببت اللّغات فكنتُ أتقنُ أربعَ لغاتٍ، وعندما جئت إلى ألمانيا بحثتُ عمّا هو جديدٌ ومعاصرٌ، ما هوَ أكثر فائدةً للقادمين الجُدد، في البداية عملتُ مترجماً في عددٍ من الدوائرِ الحكوميّة، ولاحظتُ مدى الحاجةِ إلى قاموس متخصصٍّ لتوضيحِ اللّبس الذي يحدثُ أثناء ترجمةِ بعضِ الرسائلِ المُتعلّقة بالقضايا القانونيّة، أو الإنسانيّة أو الاقتصاديّة وغيرها التي تخص الوافدين الجُدد، من هنا اختلفتْ أسبابُ تأليفِ القاموسِ عمّا كانت عليه في سوريا، وبدتِ الحاجةُ مُغايرةً لِما كانت عليه، حيثُ كانت فكرة القاموس تقوم على الّلغة العربيّة و الكردية فقط، أي ثنائي اللغة عربي كردي ـ كردي عربي”.
كنت في عام 1993 قد بدأت العمل على القواميس القانونية باللغتين العربية والكردية لكن الطبعة الأساسية والأكبر كانت عام 2012 حيثُ صدرتِ الطبعة الثّانية من القاموس “عربي كوردي”.
ومن المعروف أنّ اللّغةَ الكردية في سوريا كانتْ ممنوعة من التداول، على الصعيدِ الرسميّ والثقافيّ فكانَ لزاماً علينا كأكاديميين الحِفاظ على هذهِ اللغة، وكانت القواميسُ والمعاجمُ إحدى الطرق والوسائل للمحافظة عليها، لكنّ الأمرَ كانَ بالغَ الخطورة والحذر.


أمّا عن ظروف تأليف القاموس والصعوبات التي واجهته يتحدّث الحقوقي جلال أمين قائلاً:
في مجتمعاتنا العربيّة والكردية هناك بُعدٌ عن اللغة الألمانيّة، مُقارنةً بغيرها “الانكليزيّة أوالفرنسيّة” ومن جهة أُخرى؛ الألمانيّة من اللغات الصعبة تعليمياً.
في البداية التحقتُ بـ “Weiterbildung” لتعليم اللغة الألمانية، في المجالِ القانونيّ والطبّي وعلم الاجتماع، ثمّ عملتُ مترجماً متخصصّاً في هذا المجالِ وخاصّة مع اللاجئين.
أثناءَ عملي في دائرة ” BAMF” اكتشفتُ أنّ هناك الكثير منَ المترجمين العرب أو الألمان منهم عرب ولدوا هنا، ولغتهم أفضل من لغتي، كانت لديهم مُشكلة في فَهم المُصطلح القانونيّ أحياناً، أو أنّ بعض التّرجمات كانت تبدو ركيكةً أحياناً، ولا تحققُ المعنى المَطلوب منها، وخاصّة لمن لغتهم الألمانية أفضل من اللغة العربية، من مثل مصطلح ” الإراءة أو Umgangsrecht” أو التفريق من حيثُ المعنى بين “الدعوة” بالتاء المربوطة و”الدعوى” بالألف الليّنة “
بعد ذلكَ وأثناءَ عملي في “Beratung” مع الوافدينَ الجُدد، وجدتُ أيضاً الكثير من الأخطاء أو الخلط في فهمِ بعضِ الرّسائلِ القادمةِ من دوائرِ الدّولةِ وخاصّة Jobsenter وغيره من المؤسسات الحكوميّة التي هي دائماً على تواصلٍ مباشرٍ مع اللاجئين، فقد كان هناك صعوبة حتّى على الألمان في فهمِ بعضِ المُصطلحاتِ الاختصاصيّة التي ترد في الرسائل عادةً.
بدأتِ الفكرة ترى النور بعملٍ جماعيّ، قمنا أنا والمُحامي الألماني “شتيفان كولنير” بالعمل على قاموس سداسيّ اللغة كفكرةٍ أولى ( ألماني،عربي، كردي، تركي، انكليزي، فارسي) في البداية كان لدينا تصوّر أولي بإنشاءِ قاموسٍ اختصاصيّ، حسبَ تسلسل اختصاص ونوع المَحكمة، على سبيل المثال محكمة شرعيّة.. محكمة البداية.. أو حسب الترتيب المعروف لدى الدوائر القضائية، لكننا وجدنا ذلك صعباً.


لكنّ العملَ بهذه الطريقة على ما يبدو، بدا أنّه يحتاج إلى وقتٍ وبحثٍ طويلٍ، بينما بدأت الحاجة الآنيّة تتزايدُ لمثل هذا القاموس مع زيادة الوافدين إلى ألمانيا، وتشعّب القضايا القانونيّة المتعلّقة بوضعهم وتطورها.
بعدها تمّ تقسيم القاموس إلى ثلاثةٍ أقسام بثلاث لغات “عربيّ ألمانيّ كرديّ” بحيثُ يجدُ القارئ أو المتخصصّ اهتمامهُ في القسم الذي يريد، أو حسبَ اللّغة الأفضل التّي يتقنها أو لغتهِ الأم.
تمّ العمل على القاموس ضمن الترتيب «الألفبائي» للكلمات، ومن المعروف أن العمل في المعاجم يتطلّب التّصنيف والترتيب على أساسِ جذر الفعل، وهذا ما حدث.
أمّا بالنسبة للألفاظ المُكررة، تمّ ذكرها في أكثر من مكان وأكثر من موضع في القاموس، وذلك حسب وظائفها، ومعانيها الجَديدة في كلّ موقع، أو حسبَ السيّاق النّصي الذي تردُ فيه، فيؤدي المُصطلح وظيفة لغويّة مختلفةً عن سابقتها.


أحياناً كنّا نعتمد الترجمة المقاربة بين الألفاظ، ونأخذ المعنى التوفيقي لها ونأخذ الشكل الأبسط والأقرب إلى الاستخدام اليومي.
من المشكلات التي كانت قائمة أيضاً، أنّ هناك الكثير من المصطلحات التي كانت متداولة في ألمانيا لكنها ماتت أو ألغيت و خرجت من دائرة الاستخدام القانوني، لأنّها تمثل مرحلةً ترتبط بنظام سياسي بائد ألغي بالكامل، وما كان مرتبطاً به من قوانين ومصطلحات خاصة بالجرائم السياسية، أصبحت من الماضي، وبالمقابل ظهرت مصطلحات جديدة على الساحة العربية مُتداولة بشكل يوميّ مثل مصطلح الشبيحة أو الاختفاء القسريّ وغيرها، تبعاً لنظام الحُكم القائم في تلكَ البِلاد، وذلك بسبب حالة الحريّة التي يتمتعُ بها المجتمع الألمانيّ.
من جهةٍ أخرى أيضاً وجود اختلاف النظام القضائي، فوجود محاكم في سوريا وغيرها من بلدان الوطن العربي غير موجودة في ألمانيا، طبقاً للنّظام الألمانيّ الفيدرالي.
فمثلاً لدينا محكمة شرعية محكمة صلح وبداية و.. بينما هم لديهم محكمة القرية تسمّى محكمة البداية مثلاً…وغيره الكثير من الاختلاف في التسلسل الهرمي للمحاكم.
هناك صعوبات أيضاً تمثلت على المستوى الكردي العربي والعربي الألماني فمثلاً، هناك مُشكلة في المصطلح الكردي، فالكردية كانت محظورة في سوريا، لذلك اعتمدنا على تجربة إقليم كردستان في العراق، حيثُ أنّ لديهم محاكم كرديّة ناضجة، لكن ظهرت لنا مشكلة جديدة وهي اختلاف اللهجة الصورانية المستخدمة هناك عن اللهجة السائدة في سوريا.
في الطبعة الأولى والثانية حاولنا حلّ المشكلة وذلك خلال تواصلي وبجهدٍ شخصيّ مع الريف الكردي وسؤال كبار السنّ هناك عن الألفاظ المُستخدمــــة في حلّ الخلافات والخصومــات و المشاكــــل بين الأفراد والقبائل، مثل الديّة والصُلح والاتّفاق وغيرها من القضايا الاجتماعيّة.


أحياناً كانت المُشكلة في اللغة الألمانية بين المصدر والفعل، والحكم هو فعل، هناك قرارات تصدر عن محاكم محددة في قضايا مُحددة أيضاً.
كما أنّ هناك عددٌ من القرارات في المحكمة الألمانية يجبُ تفصيلها وشرحها، غير موجودة في عالمنا العربيّ منها ما يتعلّق بالجرائمِ الإلكترونية خاصة.
الجهات المُستفيدة من القاموس
عن الجهاتُ المستفيدة من هذا القاموس يقول أمين: يمكن للحقوقيين والعاملين في المحاكم الألمانيّة أو العاملين في دوائر الدّولة المُتعلقة باللاجئين الاستفادةُ من هذا القاموس.. وبالفعل كان الطلب على النسخ كبيراً حتّى عند الألمان، حتى أنّه طُلب منّي كتابة الحروف العربية باللغة اللاتينيّة لتسهيل القراءة لغير الناطقين بالعربية.
كذلك كان هناك طلب على القاموس بشكل عامٍ، وذلك لأنّ هناك تواصلُ يوميّ بين المواطن والدوائر الحكوميّة الاجتماعيّة والقانونيّة على عكسِ الحال في البلاد التي قدم منها اللاجئون، فالتواصل مقطوعٌ بين الدولة والمواطن، لذلك كلّ فردٍ في ألمانيا تصلُ إليهِ رسائلَ يجبُ عليه معرفةُ مضمونها والرّد عليها.


لا ننسى أنّ قسماً كبيراً من الوافدين إلى ألمانيا من الأكراد أيضاً، وهم يشكّلون عدداً لابأس به من بين الوافدين الجُدد ومنهم من لا يتقن العربية بشكلٍ جيد.
أمّا عن مشروعه الجديد يقول المحامي جلال أمين بأنّه يعمل الآن على كتاب “دليل المقيم في ألمانيا” وهو كتاب يضم مجموعة من المقالات القانونية التي تتعلق بالإرشادات القانونية المتعلقة بأسئلة اللاجئين الجدد حول وضعهم القانوني والاجتماعي، بالإضافة إلى ترجمة وشرح سبعين رسالةً ووثيقة متداولة بين الدوائر الحكومية والأفراد، هذه الرسائل تصل بشكل مستمر و دوري للمقيم في ألمانيا، ويجد البعض صعوبةً في الرّد عليها، ممن لغتهم الألمانية مازالت ضعيفة، هذا الدليل سوف يسهّل الكثير عليهم ويزيل الغموض واللبس عن بعض القضايا المتعلقة باللاجئين مباشرة ومن المتوقع أن يرى هذا الدليل النور في الأيام القليلة القادمة.


بقي القول: أنّه من المتعارف عليه أنّ القواميس والمعاجم تحوي عادة ثَبْتاً أو دليلاً في الصفحات الأولى أو الأخيرة، توضّح الرموزَ التي يحيل إليها الشارح ” من مثل هذه الرموز إحالات المفرد والجمع والكلمة المركبة وغيرها..” هذه الرموز بالفعل موجودة في متن القاموس مقابل المصطلح، لكنّها تحتاج إلى دليل يفسّرها ” بالإضافة إلى الفهرس، وأحسب أنّ ذلك سقطَ سهواً.

في المحصلة: القاموس جهدُ مميزٌ ومثمرٌ، يخدم شريحة لابأس بها من الناس، ويأتي ضمن الوسائل الكثيرة التي سعى اللاجئون العرب “الجدد” لابتكارها في زمنٍ قياسيّ، تساعدهم في سرعة التأقلم والاندماج وفهم حركية وآلية تفكير المجتمع الألماني ؟
ويغدو الأمر محل تقدير أكبر إذا عرفنا أن ّواضع القاموس لم يمضِ على وصوله إلى ألمانيا أكثر من خمس سنواتٍ.

.

.