طفلي الأول موهوب .. والثاني لا

قد يشعر الأهل بالإحراج أحياناً عندما يلاحظون أن أحد أطفالهم موهوب جداً، فيما أخوه أو أخته مقصّر في واجباته المدرسية أو نشاطاته الرياضية… ما العمل في حالة كهذه؟

طفل متفوق في صفه، ويعزف على البيانو بشكل مذهل ومبدع، وحصد عدداً كبيراً من الميداليات نتيجة فوزه في المباريات الرياضية. لكن أخاه مقصّر في واجباته المدرسية، ولا يبرع في أي من النشاطات الترفيهية التي تقام خارج الدوام المدرسي.

قد يصعب على الأهل أحياناً تقبل مثل هذا الاختلاف بين أولادهم، بذريعة أن أولادهم جميعاً يتلقون التربية نفسها والحنان نفسه والاهتمام نفسه. لكن لا بد من الإشارة إلى أن أصابع اليد لا تشبه بعضها البعض، ولا بد من بعض الاختلاف ضمن أولاد العائلة الواحدة.

لا للمقارنة

يعمد الكثير من الأهل إلى مقارنة أداء أولادهم بطريقة لا إرادية، خصوصاً إذا كان أداء الأولاد متناقضاً بشكل لافت بحيث أن الأول يبرع في شتى المجالات فيما الآخر مقصّر في كل شيء.

هكذا، يصبح الطفل الموهوب نموذجاً مثالياً يجدر بالآخرين أن يحذوا حذوه، أو يتم التقليل من أهمية مواهب ذلك الطفل بهدف تضييق الفجوة الموجودة بينه وبين إخوته.

والهدف من هذه المقارنات اللإرادية تمويه التباينات بين الإخوة وتوليد إحساس التجانس العائلي. وفي هذه الحالة، يشعر الطفل الموهوب بالقهر لأنه تم إنكار تميزه.

حبذا لو يمتنع الأهل عن إجراء المقارنات بين أولادهم، أو يحاولون على الأقل ألا تفضي تلك المقارنات إلى تحديد مراتب لكل طفل، وإنما تترافق المقارنات دوماً مع كلمات تشجيع وتقدير لكل طفل على حدة.

ولا بد من الإشارة إلى أن المقارنة الدائمة بين الإخوة تولّد نوعاً من الاتكالية بينهم، بحيث يعجز الأول عن إثبات نفسه إلا في عيون الآخرين. وهذا الاحتباس العاطفي يجعل الطفل حتماً عدائياً.

لكل طفل احتياجاته

في حال وجود ولدين لا يملكان الاهتمامات نفسها أو المواهب نفسها، قد يحاول الأهل عدم التمييز بين الاحتياجات المختلفة لكل طفل. فليس من السهل دوماً التكيف باستمرار مع المتطلبات الفردية لكل طفل.

وفي اللاوعي، يخاف الأهل من الاختلافات. فهم برأيهم يحبون أطفالهم بالدرجة نفسها والطريقة نفسها، ولا بد بالتالي من منحهم الأشياء نفسها.

إلا أن فرض أمور معينة على طفل لا تعني له تلك الأمور أي شيء على الإطلاق سيدفع حتماً ذلك الطفل إلى الرفض والعدائية.

حبذا لو يحاول الأهل تخصيص برنامج منفصل لكل طفل على حدة، وتخصيص وقت محدد له دون سواه، ومشاركته في نشاطاته التي يحبها حتى لو كان إخوته رافضين لما يقوم به ذلك الطفل تحديداً.

ولا حاجة أبداً لتكريس مزيد من الوقت للطفل الموهوب، وتشجيعه دون سواه على ممارسة الهوايات والنشاطات غير المدرسية.

يشدد علماء النفس على ضرورة تلبية احتياجات كل طفل على حدة، وإنما بطريقة لا تهدد الانسجام العائلي. فهذا الاحترام للاختلاف وتشجيع كل طفل على حدة سيجعلان حتماً الطفل أكثر استقلالية بالنسبة إلى أهله.

بالفعل، لا يكون الطفل واقعاً في شرك الاعتماد الكلي على عائلته، ولا أسير الرفض الفظ والقاهر، ويسود الانسجام والتكافؤ في العلاقات العائلية.

أبعد من الأداء

يعمد الأهل أحياناً إلى «لصق» صفة محددة بكل واحد من أطفالهم. هذا هو الطفل الموهوب وذاك هو الطفل غير الموهوب. والواقع أن هذه الصفات ترتكز في الأغلب على مزايا معينة، مثل الأداء المدرسي أو الرياضي أو الموسيقي، لأن مثل هذا الأداء محط تقدير اجتماعي ويتطابق مع الصورة التي يرسمها العديد من الأهل للطفل الناجح واللامع.

إلا أنه قد يتم إهمال مزايا أخرى مثل الحنان، والقدرة على التخيل أو الابتكار، وحسن التكيف الاجتماعي لأن هذه المزايا ليست محط أهمية مثل عوامل النجاح.

يجدر بالأهل أن ينظروا إلى أطفالهم من دون أي انحياز أو توقعات معينة أو أولويات محددة للتمكن من اكتشاف مواهب موجودة حتماً وإنما لا تزال مخبأة ربما. ولا بد حتماً من تفادي إحساس الطفل غير الموهوب بعقدة النقص تفادياً لوقوعه في شرك الاكتئاب.

لذا، يجدر بالأهل تشجيع كل واحد من أطفالهم بطريقة مختلفة وتفادي جعل الموهوب أو المتفوق صاحب سلطة مميزة أو متفوقة على إخوته.

.