سقط جدار .. فشيدت بعده العشرات

عند سقوط جدار برلين 1989، كان هناك  16 جدارا فقط يدافع عن الحدود بين الدول، أما اليوم فعددها ثمانية وستون، انجز بناؤها او قيد الإنجاز.

الدليل برلين

أدت العولمة الى الغاء الكثير من الحدود أمام البضائع لكن الهواجس الامنية والرغبة في التصدي للهجرة غير الشرعية، حملت على تشييد جدران في جميع انحاء العالم، وان كان الخبراء يشككون في فاعليتها على المدى البعيد.

فلدى سقوط جدار برلين قبل ربع قرن، كان 16 جدارا تدافع عن حدود في العالم. اما اليوم فعددها ثمانية وستون انجز بناؤها أو قيد الإنجاز، كما تقول الباحثة اليزابيث فاليه من جامعة كيبيك.

ويزيد رجال السياسة الراغبون في ان يبدوا متشددين حيال مسائل الهجرة والامن، من الاستعانة بالجدران والحواجز، كجدار الفصل الاسرائيلي (“جدار العزل” في نظر الفلسطينيين)، وحاجز الاربعة آلاف كلم المزود بأسلاك شائكة الذي اقامته الهند على حدودها مع بنغلاديش، او الحاجز الرملي العملاق الفاصل بين المغرب والمناطق الواقعة تحت سيطرة حركة البوليساريو في الصحراء المغربية.

وفي شهر يوليو، بدأت الحكومة المجرية المحافظة ببناء حاجز يبلغ ارتفاعه اربعة امتار على طول الحدود صربيا، لعرقلة تدفق اللاجئين الفارين من سوريا والعراق وأفغانستان.

وقال متحدث باسم الاتحاد الاوروبي آنذاك “هدمنا الجدران في اوروبا أخيرا، ويجب ألا نبني جدرانا جديدة”.

وتعزز ثلاثة بلدان اخرى هي كينيا والسعودية وتركيا حدودها لمنع تسلل الجهاديين الآتين من البلدان المجاورة، كالصومال والعراق وسوريا. وعلى رغم انها تشكل رموزا عدوانية، تبقى فعاليتها نسبية، كما يقول متخصصون.

الأمن الوهمي والأمان الفعلي

واكد “دي سينتيو” مؤلف كتاب “جدران، رحلة على امتداد السواتر”، ان “الشيء الوحيد المشترك بين كل هذه الجدران هو انها تشكل ديكورا لمسرح”. واضاف ان هذه الجدران “تؤمن شعورا وهميا بالأمن وليس شعورا فعليا بالأمان”.

وعلى رغم هذه العقبات، يتمكن المهاجرون في الواقع من المرور. ولم يتضاءل الكوكايين على طاولات المقاه ولا السجائر المهربة في حول العالم. وعلى رغم وجود الحراس الذين يطلقون النار على كل ما يرونه، تمكن البعض من التسلل حتى من جدار برلين.

ويعتبر انصار الجدران ان تسرب المياه افضل من الفيضان، لكن مارسيلو دي سينتيو يقول ان من الصعوبة بمكان تجاهل العواقب النفسية لبناء تلك الحواجز والجدران.

ولا تغير الجدران في الواقع شيئا من الاسباب العميقة لانعدام الأمن أو الهجرة. فتشييد كل هذه السواتر لم يحد من ارتفاع عدد طلبات اللجوء او الهجمات الارهابية. بل حملت المجموعات على التأقلم فقط.

يقول ريس جونز الاستاذ في جامعة هاواي ومؤلف كتاب “جدران حدود: امن وحرب على الارهاب في الولايات المتحدة والهند واسرائيل”، انها ليست فعالة إلا ضد المعوزين واليائسين. وأضاف “تتوفر لكارتيلات المخدرات والمجموعات الارهابية الوسائل للالتفاف عليها، وفي معظم الاوقات بفضل وثائق مزورة”.

وقال ان “اغلاق الحدود لا يؤدي إلا الى نقل المشكلة، فيحمل المهاجرين على عبور صحاري رهيبة او ركوب سفن متهالكة في البحر المتوسط. وهذا لا يؤدي إلا إلى زيادة عدد الضحايا”.

ولقي أكثر من 40 الف شخص مصرعهم منذ العام 2000 لدى محاولتهم الهجرة، كما ذكرت العام 2014 المنظمة الدولية للهجرة.

وقال بروفيسور من جامعة فيكتوريا الكندية، إن “موجات المهاجرين في الوقت الراهن تجعل من الجدران بالتأكيد ضرورة  لرجال السياسة .. فهي تعيد الى الاذهان الاساطير القديمة عن الحدود والخط المرسوم على الرمل .. ومن الصعب على الرأي العام القبول أن التعاون الدبلوماسي وتقاسم المعلومات هما اشد فعالية على المدى البعيد “.

جدار هذا الشهر

وشيّدت اليونان سياجاً بطول 40 كيلومتراً مع أنظمة للمراقبة على حدودها مع تركيا وسط مخاوف من زيادة أعداد المهاجرين القادمين من أفغانستان.

وقال ميكاليس كريسوتشويديس، وزير حماية المواطنين اليوناني، في زيارة له إلى منطقة “إيفروس”: “لا يمكننا انتظار التأثير المحتمل دون فعل أي شيء”. وأضاف قائلاً: “ستبقى حدودنا مصونة”.

جاءت تعليقاته هذه في الوقت الذي دعت فيه تركيا الدول الأوروبية إلى تحمل مسؤوليتها تجاه المهاجرين الأفغان.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس متسوتاكيس إن الزيادة الحادة في عدد الأشخاص الذين يغادرون أفغانستان قد تشكل تحدياً خطيراً بالنسبة للجميع”.

وقال أردوغان: “لا مفر من حدوث موجة جديدة من الهجرة إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات الضرورية في أفغانستان وفي إيران”.

وقال متسوتاكيس “لقد زاد مستوى الردع على حدودنا إلى الحد الأقصى”، مع نشر عناصر أمن على معبر إيفروس البري.

.