خلافات بين شولتس ووزيرة الخارجية تشوّش على الدبلوماسية الألمانية

سامي عيد /

يبدو أن عقدة “المرأة الحديدية” لا تفارق هذه الأيام وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك. فمنذ أن أُسند إليها منصب رئيسة الدبلوماسية لبلادها، لا تترك مناسبة إلّا وتستغلها، من أجل الحصول على هذا اللقب، الذي كانت استحقته عن جدارة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، بعد قيادتها ألمانيا، وحتى أوروبا، طوال 16 عاماً.

لكن الأهم أن طموح بربوك لا يقف عند هذا الحدّ. فوزيرة الخارجية تتطلع أيضاً إلى الجمع بين هذا اللقب، أعلاه، ومنصب “المستشارة المقبلة” لألمانيا، والذي تعمل على تحقيقه، ليل نهار. وهذه الرغبة تبدو واضحة وجلية تماماً، من خلال السيرة والسلوك السياسيَّين لبربوك وحركتها ونظرتها إلى دور برلين المستقبلي، على المستويين الأوروبي والعالمي، وعلاقاتها الدولية، وأسفارها المتكررة، ومواقفها النارية (المتطرفة مقارنة بأسلافها السابقين) بشأن عدد من القضايا والأزمات، وخصوصاً الأوكرانية.

ليس من قبيل المبالغة القول إنه أصبح واضحاً للعيان أن الحرب في أوكرانيا هي أيضاً معركة بربوك، التي تَعُدّها حصان طروادة للجلوس على كرسي المستشار، بسبب تعاطف الشعب الألماني مع نظيره الأوكراني.

وتتصاعد الخلافات بين المستشار الألماني، أولاف شولتس، ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، مما قد يؤدي إلى تشويش رسائل برلين على الساحة الدولية.

ويشكل مؤتمر ميونيخ للأمن التجمع السنوي الكبير بمشاركة قادة سياسيين وخبراء، المثال الأحدث على ذلك، فقد كان من المقرر أن تقدم الحكومة الألمانية قبيل هذا الاجتماع بموجب اتفاق الائتلاف الحكومي الموقع في نهاية 2021، “استراتيجية الدفاع الوطني”.

ولكن نزاعا على النفوذ بين المستشار الألماني والوزيرة، المدافعة عن البيئة اللذين يتنافسان للهيمنة على هذا المشروع، أدى إلى تأجيله إلى أجل غير مسمى.

شرخ في العلاقة

واستفاضت وسائل الإعلام في تناول الموضوع من بينها صحيفة “دي تسايت” الأسبوعية المؤثرة، والتي تحدثت في عنوانها الرئيسي عن “الشرخ” بين شولتس ووزيرة الخارجية التي كانت تطمح إلى شغل منصب المستشارية خلفاً لأنغيلا ميركل خلال انتخابات 2021. وأشارت متحدثة باسم الحكومة عن العلاقة بينهما. وقالت “هل نتحدث عن حب هنا؟ لا”.

ويبدو أن المستشار الاشتراكي الديمقراطي، الذي يبلغ من العمر 64 عاماً ، لا يكترث كثيراً للتواصل ويفضل القرارات المدروسة بعناية خلف الأبواب المغلقة للمستشارية، و أنالينا بيربوك التي تبلغ من العمر 42 عاماً، والتي تعتني بصورتها ولا تتردد في قراراتها، على طرفي نقيض.

وقال الخبير السياسي غيرو نيوغيباور لوكالة فرانس برس إن أنالينا بيربوك، وهي أول سيدة تشغل منصب وزير الخارجية الألمانية “تحترم السيطرة التقليدية للمستشارية من دون التخلي عن أفكارها”. وأضاف أن شولتس لا ينوي “السماح بأن تُملى عليه المبادئ الأساسية للدبلوماسية الألمانية”. ورأى أنه لهذا السبب “تتسم العلاقة بتوجه كامن نحو الخلاف”، ومن بين نقاط الخلاف “المساعدة العسكرية” لأوكرانيا.

فبيربوك تقوم بحملة من أجل تسريع زيادة دعم برلين بينما يوحي شولتس في بعض الأحيان بأنه يماطل.

ضغوط ومزايدات

ولم يرق للمستشار كثيراً تشويش بيربوك على مجلس الوزراء الفرنسي الألماني في 22 كانون الثاني/يناير بإعلانها في الليلة نفسها على قناة فرنسية أن ألمانيا ستقبل إذا طلبت بولندا موافقتها على تسليم كييف دبابات ليوبارد 2.

في نهاية المطاف، وافق شولتس على ذلك لكن تبين أن وزيرة الخارجية أجبرته إلى حد ما على لذلك. وذكرت صحيفة “دي تسايت” أن بيربوك أسرت لمحادثيها الأمريكيين بأن ألمانيا ستوافق في نهاية المطاف على تسليم الدبابات مما دفع واشنطن إلى تعزيز ضغوطها على برلين. رداً على ذلك لم يبلغ شولتس مباشرة وزيرة الخارجية بقراره إرسال دبابات.

وأنهت وزيرة الخارجية هذا الفصل على هامش كرنفال آخن بقولها للجمهور أنها كانت تريد التنكر بهيئة نمر لكنها “خشيت ألا تمنحها المستشارية إذناً بالسفر لأسابيع”، في تلميح واضح إلى الخلاف بشأن الدبابات.

إحراج

ولا يفوت أولاف شولتس أياً من تصريحات وزيرة الخارجية.

وقال مصدر قريب من المستشار لصحيفة بيلد “في المستشارية يتم تسجيل أخطاء بيربوك بعناية”.

وقد أزعجه تصريح لبيربوك نهاية كانون الثاني/يناير أمام مجلس أوروبا. وقالت وزيرة الخارجية أثناء مداخلة بالإنجليزية سببت إحراجاً حتى في صفوف الوفد المرافق لها “نحن نقاتل في حرب ضد روسيا وليس بيننا”.

وهذا ما أفرح موسكو التي رأت فيه دليلاً على أن الغربيين على خلاف فعلاً، فيما اعتبرت المعارضة الألمانية أن الوزيرة غير مسؤولة. واضطر شولتس الذي يريد بأي ثمن تجنب أي تصعيد منذ الغزو الروسي، للإدلاء بتصريحات مناقضة لها خلال رحلة إلى أمريكا اللاتينية.

وتشكل العلاقة مع بكين محور خلاف آخر. وبيربوك من أنصار اعتماد سياسة متشددة حيال بكين وانتقدت زيارة شولتس للرئيس جين بينغ في الخريف الماضي. وقد عبر مكتبها عن عدم موافقته على مشروع بيع بكين محطات في ميناء هامبورغ، وهو ما يؤيده شولتس.

وأوضحت مجلة “دير شبيغل” مطلع الشهر الحالي أن العلاقة الصعبة بين المسؤولين “تشل التحالف والسياسة الخارجية الألمانية”. وكان المرشحان لمنصب المستشارية في آخر انتخابات تشريعية، تواجها على مقعد نيابي في منطقة بوتسدام.

وقد يتنافسان مجدداً في 2025 بينما تظهر استطلاعات الرأي أن بيربوك تتقدم بانتظام على شولتس.

.