حرب المياه تشتعل في أفريقيا

سامي عيد

تعتبر مصر تدفق النيل مسألة تتعلق بالأمن القومي على مر العقود الماضية، حيث دعا وزير دفاع سابق إلى التدخل العسكري في دول حوض النيل إذا تعرضت حصة مصر من النهر للخطر، لكن الرئيس السيسي استخدم مرارا لغة دبلوماسية بدلا من التهديد باستخدام القوة، فإعادة ترتيب العلاقات الإقليمية يمنح مصر حيزا أكبر لممارسة ضغط إضافي على إثيوبيا، هذا ما جاء في تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، وتحدث فيه عن دعم السيسي لاقتراح السودان بإجراء مفاوضات بوساطة دولية بشأن مشروع السد، لكنه قد يستخدم الحرب لتوحيد مصر حول هذا الموضوع.

ضرورة التوصل إلى اتفاق

أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر صحفي بالسودان مطلع شهر مارس 2021، عن رغبة البلدين في التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة الإثيوبي قبل موسم فيضان النيل المقبل.

وحذر السيسي إثيوبيا من محاولتها بسط سيطرتها على النيل، مشيرا إلى أن الدولة الواقعة في منطقة القرن الإفريقي أعلنت من جانب واحد عزمها بدء المرحلة الثانية من ملء حوض سد النهضة، الأمر الذي قد يلحق أضرار جسيمة بالمصالح المصرية والسودانية.

وخلال المؤتمر، أيد السيسي اقتراح السودان استئناف المفاوضات بوساطة اللجنة الرباعية المؤلفة من الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

وكان من المفترض أن تدفع أهمية موضوع سد النهضة بوسائل الإعلام إلى تسليط الضوء بشكل أكبر على هذا المؤتمر، وما جاء فيه من تفاصيل، وأن تكون تصريحات السيسي متصدرة عناوين الصحف الدولية، ولكن رسائل المؤتمر وجدت نفسها أمام آذان صماء.

نفاذ صبر

لطالما اعتبرت مصر تدفق مياه النيل مسألة تمس بالأمن القومي بشكل مباشر، إذ دعا وزير دفاع سابق إلى التدخل العسكري في دول حوض النيل في حال تعرضت حصة مصر من النهر إلى الخطر.

وعلى الرغم من استخدام السيسي لغة دبلوماسية في مرات عديدة بدلا من تبني نبرة التهديد باستخدام القوة، إلا أن صبر الشارع المصري قد نفذ بالفعل، فضلا عن العلاقات الإقليمية المتصدعة بين الدول، ومع إثيوبيا خصوصا.

فمن جهة، تعيش مصر في حالة تهدئة مع قطر بعد التقارب الأخير بين السعودية وقطر، تلاه لقاء وزيري خارجية البلدين على هامش همة عربية في شهر مارس 2021.

ومن جهة أخرى، ما تزال مصر غير قادرة على تجاهل مخاوفها الأمنية بسبب الوجود العسكري التركي في ليبيا. وهو ما أدى إلى تغيير ميزان القوى إلى حد كبير لصالح الأطراف التي أطاحت بنظام القذافي في عام 2011.

التعاون الثنائي

أشارت وسائل الإعلام المصرية إلى فوائد التقارب السياسي بين دول المنطقة بعد أن أعربت مصر عن رغبتها في التعاون مع تركيا، لأن من شأن تهدئة علاقاتها مع أنقرة أن يساعدها في التركيز أكثر على إثيوبيا.

علاوة على ذلك، ركزت مصر والسودان في الفترة الأخيرة على تعاونهما الثنائي في العديد من المجالات، مثل التجارة والزراعة والصحة والطاقة والتعدين والنقل.

وجدير بالذكر، أن الموقف الإثيوبي لا يتمتع بالقوة الكافية لمواجهة كل هذه التحالفات الإقليمية، فقد خلقت الحرب الأهلية المستمرة في منطقة تيغراي أزمة لاجئين يتحملها السودان في المقام الأول. مما جعل أثيوبيا تواجه عزلة دولية بسبب اتهامها بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الحرب، كان من مظاهر هذه العزلة تعليق الاتحاد الأوروبي مساعداته لإثيوبيا، وسحب الولايات المتحدة لمساعدتها بسبب نزاع سد النهضة في عام 2020.

النيل.. مسألة حياة أو موت

قد يقول قائل إن الوضع الاقتصادي في مصر لا يعطيها القوة الكافية لشن الهجوم، لكن هذا لا يعني أن مصر لن تستخدم “حربا محتملة” كأداة حشد وطني لتوحيد البلاد، وصرف الانتباه عن مشاكلها الداخلية والإعلان عن عودتها كمنافس قوي في منطقة الشرق الأوسط.

كما تظل فرضية وقوع حروب بين دول العالم بسبب المياه قائمة، إذ طرح علماء السياسة، في العديد من المناسبات، “فرضية حروب المياه” على طاولة البحث، وهي فرضية تقوم على أن الدول التي تتمتع بمخزونات مياه وفيرة قد تصبح أكثر عرضة للحرب في المستقبل.

كل هذه العناصر ومع الأخذ بعين الاعتبار ضعف إثيوبيا الحالي واستعداد مصر والسودان للتفاوض، لا تستبعد توصل أطراف الأزمة إلى تسوية سلمية بدلا من الدخول في مواجهة عسكرية كارثية.

.