أي مستقبل ينتظر السودان على وقع المعارك؟

أماني الطويل

شكل الصراع المسلح بين طرفي المكون العسكري في السودان تطوراً خطراً على المستويين الداخلي والخارجي، وهو متغير يعطي مؤشرات سالبة بشأن أمرين الأول إمكانية انزلاق البلاد إلى حرب أهلية مفتوحة، أما الثاني فمدى إمكانية استقرار هذه الدولة التي لا تملك نخبها السياسية والعسكرية أي خطوط حمراء بشأن المصالح الوطنية العليا للبلاد وهي المعطيات  المؤسسة لأية دولة للحفاظ على وجودها وأدوارها الوظيفية، أما ثالث أخطر المؤشرات فهو دخول السودان على خط التضاغط بين أطراف إقليمية عربية وغير عربية.

معطيات الصراع المتوافرة حتى الآن تشير إلى أن الجيش السوداني لم يستطع حسم الموقف عسكرياً مع قوات الدعم السريع، وأن الاشتباكات تحولت إلى حرب مدن مفتوحة، حيث تم الاشتباك العسكري في 10 مدن تقريباً، تحول بعض منها إلى حالة حرب الشوارع، كما لوحظ أن المواقع الاستراتيجية المتصارع عليها يتم تبادل السيطرة العسكرية عليها بين الطرفين من دون قدرة على حيازة مستمرة مثل مطار مروي وسلاح المهندسين، أو بعض لكل من الجيش السوداني أو قوات الدعم السريع.

 أما أخطر المؤشرات التي تمت ملاحظتها على وسائل التواصل الاجتماعي فهي ممارسة بعض الأطراف أنواعاً من الاشتباكات المحدودة في بعض الأحياء أو الاعتداء على مقار إقامة مع بعض الرموز السياسية مثل الاعتداء على منزله عضو المجلس السيادي والقيادي في القوات المسلحة السودانية شمس الدين الكباشي، وهو ما يفسر ربما الخطوة الاستباقية التي أعلنها تجمع المهنيين في اليوم الثاني من الاشتباكات من حيث دعوة لجان المقاومة الشبابية إلى تكوين لجان أمن مجتمعي في الأحياء بالعاصمة السودانية والمدن التي توجد فيها عناصرهم.

تحليل مضمون المفردات التي تم استخدامها من جانب الرجلين المتصارعين منذ اندلاع الاشتباكات يعطي مؤشراً كبيراً أن أياً من الرجلين لن يستجيب لأي نداء بشأن وقف إطلاق النار ولو موقتاً لتوفير ممرات آمنة للناس، ولو لفترة ساعات كما كشف عن ذلك رئيس البعثة الأممية فولكر بيرتس في خطابه أمام مجلس الأمن الدولي الذي انعقد لهذا الغرض.

في هذا السياق فإن هناك عدداً من السيناريوهات المتوقعة بشأن هذا الصراع على أكثر من مستوى، فعلى الصعيد الداخلي فإن سيناريو حسم الصراع لصالح أحد طرفي الصراع في غضون أسبوع على أقصى تقدير سيكون له انعكاسات على مباشرة على طبيعة المعادلات اللاحقة لعملية الحسم.

ويمكن القول إن حسم الصراع لصالح القوات المسلحة السودانية يعني أن يكون الاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر (تشرين الأول) بين الأطراف السياسية السودانية والمكون العسكري بشقيه في ذمة التاريخ نتيجة تغيير الأوزان السياسية والعسكرية المترتبة على محطة الصراع العسكري. من هنا سيشرع الفريق أول عبدالفتاح البرهان في الدعوة إلى حوار سياسي على أسس جديدة يكون فيه جميع الأطراف والقوى السياسية وأطراف اتفاق جوبا على الطاولة، وهو ما يعني ربما العودة لصيغة الشراكة بين المدنيين والعسكريين بأوزان يحددها الجيش وبفترة انتقالية قصيرة تقود إلى انتخابات مؤسسة لشرعية سياسية جديدة تحجز فيها القوات المسلحة أيضاً مركزاً في صناعة القرار السياسي.

وقد تكون معطيات حسم القوات المسلحة للموقف مرتبطة بعدد من العوامل، الأول قرارات قائد القوات المسلحة بالعفو عن العناصر التي تسلم سلاحها من قوات الدعم السريع، وهو ما توجه قرار آخر بإعلان قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو متمرداً، وبطبيعة الحال فإن تداعيات هذا القرار على الأرض تعني اتجاه عدد ليس بالقليل من هذه القوات للاستسلام، وتسليم أسلحتها وذلك تأسيساً على أمرين، الأول أن الأدوار الإقليمية لقوات الدعم السريع في طور النهاية، وذلك مع الاتجاهات الراهنة لتسوية سياسية في اليمن من ناحية، وسحب العمق القبلي لحميدتي دعمه له، حيث أعلن موسى هلال عم حميدتي والمنقلب عليه الأخير أن قبيلة الرزيقات لم تعد معه.

أما العامل الثاني الذي يدعم موقف القوات المسلحة فهو طبيعة الأداء السياسي للفريق البرهان في مقابل أخطاء سياسية فادحة يمارسها حميدتي، ففي الوقت الذي يعلن فيه البرهان استعداده للحوار السياسي والتفاوض مع الدعم السريع في مراحل لاحقة وحتمية استكمال العملية السياسية، والتزامه بقواعد الاشتباك التي يحددها القانون الدولي وطبيعة التعامل مع المدنيين في زمن الحرب، فإن حميدتي في المقابل يمارس خطاباً شعبوياً ضد قائد الجيش البرهان بوصفه بالإجرام أو الإقدام على تسليمه للجنائية الدولية، في وقت يمكن إدانة الرجلين معاً بممارسة انتهاكات سواء في الصراع بدارفور على زمن عمر البشير أو في مواجهة الثورة السودانية أو في التحالف في الانقلاب على رئيس الوزراء المدني في أكتوبر (تشرين الأول) 2021.

وبطبيعة الحال يجد هذا الأداء استياء لدى قطاعات من السودانيين على اعتبار القوات المسلحة السودانية قيمة رمزية ووزن معنوي، وذلك على رغم تصنيفها من جانب بعض الأطراف السياسية والقوى الشبابية كداعم للنظام القديم وأذرعه من الإسلامويين.

 ويقوم حميدتي أيضاً باستعداء كل من المحيطين الإقليمي والدولي من دون أدلة موثقة بالقول إن طيراناً حربياً يدعم الجيش بطلعات جوية، أو الاعتداء المباشر مع قوافل دبلوماسية متحركة من سيارات السفارة الأميركية بالخرطوم، وكذلك الاعتداء على سفير الاتحاد الأوروبي في دارفور حيث تدعم هذه الممارسات صورة سلبية عن حميدتي ولا تقدمه في الأخير كرجل دولة أو وجه مقبول في النطاق الغربي على رغم دعمه للاتفاق الإطاري وما يقول به من التزام بالتحول الديمقراطي في السودان.

ويمكن القول إن حسم المعركة في الخرطوم لصالح البرهان لا يعني بالضرورة التخلص من قوات الدعم السريع نهائياً، وذلك في ضوء أن هذه القوات لديها نقاط ارتكاز في دارفور على الأقل، واستولت على مطارات الولايات الثلاث فعلياً خلال الاشتباكات الحالية، كما أن خطوط دعمها والإمداد لها في ضوء قدراتها الاقتصادية يمكن توافرها من نطاقات متاخمة للسودان تعاني سيولة سياسية وأمنية وذلك في كل من ليبيا وتشاد، بما يعني في الأخير تحول الدعم السريع إلى حركة تمرد على المركز السياسي لدولة السودان بما يشكله ذلك من ضغوط عسكرية واقتصادية.

سيناريو حسم الصراع العسكري في الخرطوم لصالح قوات الدعم السريع على رغم ضعفه سيكون مؤسساً على أمرين، الأول حصول هذه القوات على دعم خارجي من أطراف إقليمية أو دولية يهمها استمرار الصراع في السودان والحصول على نفوذ مستقبلي فيها، وقد يكون هذا الدعم ممثلاً في الحصول على طائرات مسيرة تدعم الوزن العسكري لقوات الدعم السريع على النمط الذي جرى في كل من معركتي تيغراي في إثيوبيا وطرابلس في ليبيا ضد حفتر.

هذا السيناريو يعني الانزلاق في السودان لحرب أهلية مفتوحة لفترة زمنية غير قصيرة حيث ستتحرك الفصائل المسلحة شركاء اتفاق جوبا لدعم القوات المسلحة، وكذلك ستكون كتائب الظل وميليشيات الجبهة القومية الإسلامية وعناصر حزب المؤتمر الوطني المنحل تحت إمرة القوات المسلحة السودانية.

وعلى رغم قصر فترة الاشتباكات المسلحة بين الأطراف السودانية فإن الأطراف الإقليمية تحركت حيث أعلنت القاهرة عدم التدخل العسكري في الشأن الداخلي السوداني، وذلك في اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، وأكدت أن القوات المصرية الموجودة في السودان هي قوات للتدريب فقط لا غير، وربما جاء الموقف المصري في محاولة لتحجيم الحشد والتحريض ضد مصر الذي تمارسه قوات الدعم السريع أولاً بزحفها على قاعدة مروي الجوية عشية الأحداث بافتراض أن القوات الجوية المصرية الموجودة ستنحاز للقوات المسلحة السودانية في حال حدوث اشتباك عسكري يبدو أنه كان حاضراً في ذهنية قائد قوات الدعم السريع حميدتي، خصوصاً أنه استدعى على مدى الشهرين الماضيين قوات تابعة له لدخول الخرطوم أسهمت في ارتفاع مستويات التوتر السياسي والعسكري، وربما تكون أسهمت في إطلاق الرصاصة الأولى في هذه الاشتباكات التي لا نعرف على وجه الدقة من المسؤول عنها.

عدم التدخل العسكري المصري في السودان لا يعني للقاهرة عدم مد يد العون للسودان على المستوى السياسي، حيث عرضت مصر وساطة بين الطرفين المتصارعين للتهدئة ووقف إطلاق النار تأسيساً ربما على اتصالات بين الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس عبدالفتاح السيسي. في هذا الإطار قامت القاهرة بخطوتين الأولى إعلان مبادرة مصرية جنوب سودانية مشتركة، على اعتبار أن كل من القاهرة وجوبا يملكان علاقات قوية ومؤثرة مع الجنرالين السودانيين، حيث يصنف البرهان كطرف يملك خطوط تواصل وتفاهم مع القاهرة، بينما يملك غريمه علاقات مميزة مع الرئيس الجنوب السوداني، ولكن منظمة إيغاد دخلت بسرعة على خط الأزمة السودانية كرد فعل على مبادرة القاهرة بإيعاز ربما من أديس أبابا التي تقاوم دائماً أي دور مصري في كل من شرق أفريقيا والسودان.

في هذا السياق فإن التدخل الذي مارسته منظمة إيغاد دفع القاهرة لتغيير دفتها للتعاون مع شريك آخر هو الإمارات، وذلك بعد أن حيدت إيغاد الرئيس سلفا كير، من حيث وجوده في الوفد الرئاسي الأفريقي بعد إعلان شراكته للقاهرة والمتضمن أيضاً كلاً من رئيسي كينيا وجيبوتي. أما الاعتبار الثاني للشراكة المصرية مع الإمارات في محاولة التهدئة والوساطة فتتعلق بأن عبدلله حمدوك رئيس الوزراء المدني الذي تمت إطاحته في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 يقيم على أراضيها وطرح نفسه كوسيط داخلي يستطيع الحركة والتأثير بحكم خبرته على طرفي الصراع وكذلك قدراته على التواصل مع القوى السياسية السودانية كافة من موقع يتيح له أن يكون على مسافة واحدة بين كل الأطراف.

إجمالاً يواجه السودان والإقليم حالياً لحظة قاسية ومفتوحة على تطورات حرجة، حيث يحبس الجميع في داخل السودان وخارجه أنفاسهم ويسعون جميعهم إلى إنهاء هذا الصراع المسلح.

اندبندنت

.

.