حرب المياه .. تبدأ في أفريقيا

عادل فهمي

 

أجرت شبكة بي بي سي تحقيقا عما يجري حاليا بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن ما يعانيه نهر النيل، أطول أنهار العالم، من أمراض بيئية وأزمات سياسية قد تنتهي به للوقوع في قلب صراع مسلح.

وأضحى الحديث عن اندلاع نزاعات إقليمية عسكرية بين دول المنبع والمصب أمرا مطروحا بشكل أكبر بعد النتيجة السلبية التي خرجت بها المفاوضات الأخيرة التي عقدت في القاهرة بين مصر وإثيوبيا وفشل الدولتين في حل الأزمة بعد رفض أديس أبابا تحديد صيغة نهائية لملء المياه المخزنة خلف سد النهضة بما يضمن سلامة أمن مصر المائي ويجنب المنطقة أي تصعيد تكون نتيجته وخيمة.

 

هل ستحارب مصر؟

أكدت وزارة الري المصرية أن الخلافات مع أديس أبابا تتركز في كمية المياه المخزنة خلف السد الجديد وفترة ملء الخزان، لأن القاهرة تخشى من تأثيره على إمداداتها من المياه، الأمر الذي قد يؤدي إلى الإضرار بجزء من أراضيها الزراعية، مشددة على أهمية تخفيض السعة التخزينية للسد والمقدرة بـ74 مليار متر مكعب من المياه.

ويرى البعض من المراقبين أن الخيار الأمثل لحل الأزمة تأجيل إثيوبيا لعملية ملء خزان السد إلى العام القادم بعد الانتهاء من التوصل إلى آلية تنسيق مناسبة بين الجانبين، ما يجنب الجميع مشكلات حادة، لكن أديس أبابا ترفض هذا الاتجاه وتأمل أن تنتج كهرباء بحلول 2018.

وبالتالي، أصبحت خيارات مصر مفتوحة لمعالجة أزمة السد بعد مفاوضات استمرت نحو 6 سنوات ولم تنته إلى نتيجة مرضية. ووسط الغضب المصري المعلن، يتحدث كثيرون عن لجوء القاهرة إلى استخدام الخيار العسكري لوقف استكمال بناء سد النهضة.

يستند المتحدثون في هذا السياق إلى حصول مصر على معدات عسكرية متطورة، بحرية وجوية، من ذلك شراء سفينتين فرنسيتين حربيتين بعيدتي المدى من طراز ميسترال وامتلاك صواريخ بعيدة المدى، وهو ما يمثل فائضا كبيرا في القوة المصرية.

ويضيف مراقبون أن لدى مصر وجودا عسكريا بحريا عند مدخل البحر الأحمر وبعض الدول القريبة منه، يمكن أن تستخدمه عند اللزوم لإجهاض مشروع سد النهضة. ودار في شهر نيسان الماضي حديث عن بناء قاعدة مصرية في إريتريا الجارة الحدودية لإثيوبيا ونفت القاهرة هذه الأحاديث.

 

قواعد عسكرية مصرية

لكن، عاد الجدل مجددا على ضوء فشل المفاوضات حيث ذكرت سائل إعلام إثيوبية أن مصر تمتلك قاعدة عسكرية في إريتريا، وتعدها لعمل عسكري كبير ضد سد النهضة.

وقالت مصادر مصرية إن “من حق مصر امتلاك كل أنواع القوة للدفاع عن أمنها القومي وتشييد قواعد عسكرية في أي مكان متاح لها، كأداة ردع، وغير مستبعد استخدامها للهجوم في حال التأكد من وقوع أضرار فادحة، وهناك دول عربية وغير عربية تمتلك قواعد في القرن الأفريقي”.

ونقلت صحف إثيوبية وسودانية عن التنظيم الديمقراطي الإرتري المعارض أن “أسمرة أعطت مصر الضوء الأخضر لبناء قاعدة عسكرية في جزيرة نورة بأرخبيل دهلك الإريتري”. كما صرح بعض السياسيين الإثيوبيين بأن اهتمام مصر المتزايد بتأمين تواجد عسكري في منطقة القرن الأفريقي يهدف إلى احتواء مشروع سد النهضة الذي تخشى القاهرة من أنه سيؤثر تأثيرا مباشرا على حصتها من مياه النيل.

وإلى جانب التقارير التي تتحدث عن القاعدة المصرية في إريتريا، هناك أحاديث عن قواعد عسكرية أخرى تنشئها مصر في دول الطوق لإثيوبيا، من بينها الصومال، إذا كان من الوارد التفكير فيه من قبل القيادة المصرية، لن يتم دون وجود أسانيد قانونية تبرره، حتى لا تتعرض القاهرة لأزمة دولية تكبدها خسائر فادحة، ومن الممكن اللجوء إليه بصور غير مباشرة، خاصة أن لدى أديس أبابا أزمات عميقة مع بعض جيرانها، بالإضافة إلى أزماتها الداخلية بسبب السد.

وقال الخبير العسكري طلعت مسلم في تصريح صحفي: إن احتمال العمل العسكري غير مستبعد، لكن سيكون آخر الحلول عندما تغلق كل المنافذ، والوضع الحالي بالنسبة لأزمة سد النهضة ما زال يؤشر على وجود حلول أخرى غير الرد العسكري. وألمح إلى أن القانون الدولي يعطي للدول والأفراد الدفاع عن حقوقهم في الحياة، وفي حالة سد النهضة فإن مصر “تدافع عن بقائها لأن المياه هي حق أصيل لكل دولة وكل إنسان”.

في المقابل، يرى خبراء آخرون أن الحل العسكري يضعف موقف مصر، لأنه يثير سخط المنظمات الدولية ويشعل المنطقة بصراعات جديدة وبطبيعة الحال وباعتبار مصر دولة مصب للنهر فهي لها الموقف الأضعف من الناحية الجغرافية، وعليها الالتزام بالهدوء والمثابرة للوصول إلى حل سياسي أكثر جدوى.

 

تصعيد إثيوبي

تزامن فشل مفاوضات القاهرة مع زيارة قام بها رئيس وزراء إثيوبيا هايلي ماريام ديسالين لقطر لتعزيز علاقات التعاون الثنائي بين البلدين، جرى خلالها توقيع ثلاث اتفاقيات، بينها اتفاقية للتعاون الدفاعي المشترك.

وربطت مصادر مصرية التعنت الإثيوبي الذي ظهر في الجولة الأخيرة بميل أديس أبابا ناحية الدوحة في إطار تصعيد الأخيرة على خلفية مقاطعة القاهرة، إلى جانب الرياض وأبوظبي والمنامة، لها والموقف المصري من جماعة الإخوان المسلمين واتهام القاهرة لقطر بدعم وتمويل تنظيمات على قائمة الجماعات الإرهابية وسبق أن أدنيت في عمليات إرهابية استهدفت مصر.

وتوقع المراقبون أن تشهد الفترة المقبلة تصعيدا في العلاقات بين قطر وإثيوبيا التي تبحث عن ممولين جدد لسد النهضة بعد الضربة الموجعة التي تلقتها مؤخرا باعتقال أهم ممولي السد الملياردير السعودي محمد حسين العمودي ضمن التحقيق في عمليات فساد في المملكة.

كما انخفضت المساعدات الصينية المقدمة لإنشاء سد النهضة بعد أن قررت بكين تجنب التدخل في مشروع قد يشعل أزمة بين بلدين؛ ما يعني أن تجفيف منابع التمويل وتقليص مصادره يمكن أن يكونا من الحلول المؤثرة في تعطيل سد النهضة الذي اكتمل بناء أكثر من 60 بالمئة منه، لأن إثيوبيا لا تمتلك التمويل الكافي لاستكمال السد العملاق.

على مدار السنوات السابقة، سببت تصريحات وزراء المياه السودانيين خلافا مع مصر بعد أن أكدوا أن سد النهضة لا يؤثر على أمن السودان، ووصل التصعيد بين الجانبين حد التراشق العنيف وتقاطعه مع ملفات شائكة بين البلدين، مثل تفجير أزمة الخلاف حول مثلث حلايب وشلاتين الذي تسيطر عليه مصر حاليا.

اترك تعليقاً