“صفقة القرن”

عادل فهمي

 

كشف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات عن تفاصيل الخطة الأميركية التي ينوي الرئيس الأميركي دونالد ترامب عرضها على الفلسطينيين والإسرائيليين، التي يطلق عليها اسم “صفقة القرن”.

ووردت هذه التفاصيل ضمن التقرير السياسي، الذي قدمه عريقات، لاجتماع المجلس المركزي الفلسطيني، في اجتماعه الأخير الذي عقد يومي 14 و15 يناير/كانون الثاني الجاري، بمقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله.

 

“الاعتراف بإسرائيل”

وتشمل خطة ترامب، ضمَّ الكتل الاستيطانية الكبرى بالضفة لإسرائيل، وإعلان قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وإبقاء السيطرة الأمنية لإسرائيل، إلى جانب الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، مع انسحابات تدريجية لإسرائيل من مناطق فلسطينية محتلة.

وأورد عريقات في تقريره 13 بنداً، تحمل الخطوط العريضة للخطة الأميركية، وأولها “الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها”.

ويعقب عريقات في تقريره بالقول: “وبالتالي تكون قد انتهت من مسألة القدس، فكيف يمكن لأي حكومة إسرائيلية أن تتفاوض حول القدس، بعد اعتراف الإدارة الأميركية بها كعاصمة لدولة إسرائيل (دولة للشعب اليهودي)”.

 

“اختراع عاصمة”

أما البند الثاني، فيتمثل في “اختراع إدارة الرئيس ترامب عاصمة لدولة فلسطين في ضواحي القدس (خارج إطار 6 كيلومترات) عن حدود عام 1967”.

وتحدّثت كثير من التقارير الصحفية عن أن المقصود هنا، هو اختيار بلدة أبو ديس، قرب القدس، عاصمة لدولة فلسطين.

وفي البند الثالث، يقول عريقات: “الإعلان خلال شهرين أو ثلاثة على أبعد حد، على موافقة إدارة الرئيس ترامب على ضمِّ الكتل الاستيطانية”. ويضيف: “(رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو يطرح ضم 15%، فيما يقترح ترامب 10%، وهذا ما قرّره حزب الليكود بالإجماع يوم 31 /12 /2017”.

أما البند الرابع، فنصَّ على أن تقوم إدارة الرئيس ترامب، بعد ذلك، بالإعلان عن “مفهوم أمني مُشترك لدولة إسرائيل ودولة فلسطين كشركاء في السلام”.

ويشمل هذا المفهوم، أربع نقاط، وهي أن دولة فلسطين “منزوعة السلاح مع قوة شُرطية قوية”، و”إيجاد تعاون أمني ثنائي وإقليمي ودولي، وبما يشمل مشاركة الأردن ومصر وواشنطن، والباب سيكون مفتوحاً أمام دول أخرى، و”وجود قوات إسرائيلية على طول نهر الأردن والجبال الوسطى، وذلك لحماية الدولتين”، وأخيراً “تُبقى إسرائيل على صلاحيات الأمن القصوى، (overriding security responsibility)، بيدها لحالات الطوارئ”.

 

إعادة تموضع

ويشير عريقات إلى أن البند الخامس في الخطة ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية، وإعادة تموضعها تدريجياً، خارج المناطق (أ + ب)، في الضفة الغربية، مع إضافة أراض جديدة من المنطقة (ج)، وذلك حسب الأداء الفلسطيني (دون تحديد جدول زمني)، وتعلن دولة فلسطين بهذه الحدود”.

وقسمت اتفاقية أوسلو للسلام، الضفة الغربية إلى 3 مناطق، هي “أ” و”ب” و”ج”، وتمثل المناطق “أ” نحو 18% من مساحة الضفة، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنياً وإدارياً، فيما تمثل المناطق “ب” 21%، وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية.

أما المناطق “ج”، التي تشكل 61% من مساحة الضفة، فتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، ما يستلزم موافقة سلطات الاحتلال على أي مشاريع أو إجراءات فلسطينية بها.

 

اعتراف عالمي بإسرائيل

وذكر عريقات أن البندين السادس والسابع ينصان على اعتراف دول العالم، بدولة إسرائيل “كوطن قومي للشعب اليهودي، وبدولة فلسطين كوطن قومي للشعب الفلسطيني”.

وتقوم إسرائيل، بضمان حرية العبادة في الأماكن المُقدسة للجميع، مع الإبقاء على الوضع القائم بها حالياً، بحسب البند الثامن.

في حين ينصّ البند التاسع في الخطة، أن “على إسرائيل تخصيص أجزاء من مينائي أسدود وحيفا، ومطار اللد للاستخدام الفلسطيني، على أن تكون الصلاحيات الأمنية بيد دولة إسرائيل”.

وتتضمن كذلك بحسب البند العاشر، إيجاد ممر آمن بين الضفة وقطاع غزة، تحت سيادة إسرائيل.

على أن تكون “المعابر الدولية بمشاركة فلسطينية فاعلة، وصلاحيات الأمن القصوى بيد إسرائيل”، بحسب البند الحادي عشر.

وينص البند الثاني عشر، على أن “المياه الإقليمية، والأجواء، والموجات الكهرومغناطيسية”، تكون تحت سيطرة إسرائيل، دون الإجحاف بحاجات دولة فلسطين”.

وأخيراً، تقول الخطة في بندها الثالث عشر، بإيجاد “حلٍّ عادل لقضية اللاجئين من خلال دولة فلسطين”.

 

رفض الخطة

ويعقب عريقات في التقرير على الخطة بقوله: “هذه هي معالم الصفقة التاريخية التي سوف تسعى إدارة الرئيس ترامب لفرضها على الجانب الفلسطيني، مع الإبقاء على عبارة الحدود النهائية وقضايا الوضع الدائم يتم الاتفاق عليها بين الجانبين، ضمن جدول زمني محدد ومتفق عليه”.

ويدعو عريقات في التقرير إلى رفض هذه الخطة بالكامل، حيث يقول إنها تؤسس لإقامة حكم ذاتي أبدي.

ويضيف: “هناك من قد يطرح: لماذا لا نعطي الرئيس ترامب فرصة، ونصبر عليه حتى يطرح معالم الصفقة التاريخية… لذلك كان علينا عدم انتظار قيام واشنطن بطرح معالم ومضمون هذه الصفقة التصفوية الإملائية، التي تُبقي الوضع القائم على ما هو عليه، والذي يعني دولة واحدة بنظامين، أي تشريع الأبرتهايد (نظام الفصل العنصري) والاستيطان، بمعايير أميركية، من خلال حكم ذاتي أبدي”.

كما دعا عريقات إلى التمسك بوقف كل الاتصالات مع إدارة الرئيس ترامب، حول عملية السلام، مع رفض اعتبارها وسيطاً أو راعياً لعملية السلام بأي شكل من الأشكال.

 

التمهيد لإقرار «صفقة القرن»

يبدو أن الولايات المتحدة متحمسة بشدة لإنجاز ما يعرف بـ”صفقة القرن” المشؤمة بأسرع ما يمكن، يدعمها ردود الفعل العربية المتخاذلة والضعيفة في مواجهة القرار الأمريكي بشأن القدس الذي اتخده الرئيس دونالد ترامب، في 6 ديسمبر الماضي، حيث يجري نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، جولة تسويقية للصفقة الصهيوأمريكية في الشرق الأوسط، محاولًا جذب المزيد من التأييدات لـ”صفعة القرن”، وسط ترحيب أردني مصري كبير.

القاهرة.. المحطة الأولى

وصل نائب الرئيس الأمريكي إلى القاهرة في زيارة افتتح بها جولة شرق أوسطية، زار خلالها مصر والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث حمل في جعبته العديد من الملفات، على رأسها ملف القدس والتسويق لـ”صفقة القرن”، إضافة إلى تطمينات أمريكية بشأن مستقبل المساعدات المالية، التي سبق وهدد مسؤولون أمريكيون بقطعها.

خلال زيارته إلى القاهرة، التقى بنس بالرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي وصف خلافه في الرأي مع الرئيس الأمريكي بشأن مصير القدس بـ”خلاف بين أصدقاء”، فيما أكد الأول أن الولايات المتحدة ستدعم حل الدولتين للإسرائيليين والفلسطينيين إذا وافق الطرفان، وأضاف أن الولايات المتحدة ملتزمة بقوة باستئناف عملية السلام في الشرق الأوسط، مؤكدا للسيسي أن واشنطن ملتزمة بالحفاظ على الوضع الراهن للأماكن المقدسة في القدس، وأنها لم تصل بعد إلى قرار نهائي إزاء الحدود بين الطرفين”، قائلًا: “تصوري أنه اطمأن لهذه الرسالة”، فيما أشار السيسي إلى أن تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي لن تتحقق إلا من خلال المفاوضات على أساس حل الدولتين، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، مضيفا أن مصر لن تدّخر جهدًا في دعم هذه التسوية.

في مقابل أجواء الترحيب والاستقبال الحافل بمبعوث الرئيس الأمريكي، انطلقت الدعوات الشعبية لمقاطعة الضيف الثقيل؛ حيث نددت العديد من المنظمات الحقوقية الداعمة لحقوق الفلسطينيين والنشطاء السياسيين في مصر، بزيارة المبعوث الأمريكي، فيما جاءت مواقف المؤسسات الدينية لتضفي المزيد من الإحراج على الإدارة الأمريكية وتعزز الموقف الشعبي، حيث أعلن الأزهر الشريف والكنيسة الأرثوذكسية رفضهما استقبال مايك بنس.

الأردن.. المحطة الثانية

انهى بنس محطته الأولى لينتقل سريعًا إلى الأردن، حيث وصل نائب الرئيس الأمريكي إلى العاصمة الأردنية عمان، ليجري مباحثات مع العاهل الأردني الملك، عبد الله الثاني، فيما يخص تعزيز العلاقات الثنائية بين الطرفين ومناقشة آخر مستجدات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما أكدت بعض التقارير أن بنس أكد للجانب الأردني أنه لا يوجد تغيير كبير سيطرأ على حجم المساعدات الأمريكية المقدمة للأردن، حيث تتلقى المملكة مساعدات أمريكية فى مجالات عديدة، أهمها الدعم العسكرى والدعم المباشر لخزينة الدولة، بلغت خلال عام 2017، مليار و300 مليون دولار، وقد لوحت واشنطن بوقفها قبل أسابيع.

بالتزامن مع الزيارة، ذكرت القناة العاشرة الإسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وملك الأردن، عبدالله الثاني، أجريا محادثات هاتفية حديثًا، دون أن توضح القناة فحوى المحادثات، لافتة إلى وجود نوايا للعمل من أجل ترتيب لقاء بين الطرفين قريبًا.

وفي المقابل، أعلن ناشطون أردنيون، على رأسهم “الائتلاف الشعبى من أجل القدس” رفضهم زيارة بنس إلى الأردن، ونظموا سلسلة بشرية أمام السفارة الأمريكية فى عمان رفضًا للزيارة، رافعين لافتات ترفض القرارات الأمريكيةَ المنحازة للاحتلال، ‏وزيارة نائب الرئيس الأمريكي إلى المنطقة.

 

الأراضي المحتلة.. المحطة الثالثة

وانتقل بنس، المعروف بميوله الداعمة لإسرائيل في شتى المجالات، وأحد المؤيدين بقوة لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس إلى تل أبيب، حيث يلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلى، بينامين نتياهو، والرئيس الإسرائيلى، رؤوفين ريفلين، وإلقاء خطاب في الكنيست، فيما أعلنت السلطة الفلسطينية في وقت سابق، أن نائب الرئيس الأمريكي “شخص غير مرحب به في فلسطين”، الأمر الذي دفعه إلى إلغاء زيارته للأراضي الفلسطينية.

 

الأهداف الحقيقية للجولة

بعيدًا عن الأحاديث والتصريحات المُعلنة، فإن الهدف الرئيسي لزيارة بنس المنطقة حشد التأييد لصفقة القرن، خاصة في ظل حماسة صهيونية لإنجاز الصفقة سريعًا لاستغلال حالة الخمول والخذلان العربية، حيث قالت القناة الثانية العبرية إن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، مُتحمس للخطة الأمريكية للتسوية، وأوضحت القناة أن نتنياهو يحاول تهيئة الأرضية لتطبيق الخطة التي تسعى لإعادة الفلسطينيين إلى الوراء حيث لا تشمل بندًا خاصًا بالعودة إلى حدود 67، وتسعى لتهيئة الأرضية إلى إمكانية تسليم مناطق بشرقي القدس وخارج الجدار للفلسطينيين ضمنها.

الوصول إلى هذا الهدف دفع أمريكا إلى مغازلة مصر والأردن كل على حدة، على اعتبار أن البلدين تربطهما اتفاقيات سلام وعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل، الأمر الذي يمكنهما من أن يكونا لاعبين أساسيين في إقناع القادة الفلسطينيين بخطة ترامب، أو على أسوأ الاحتمالات يمارسان ضغوطًا على السلطة الفلسطينية وحركة حماس التي تعكر المزاج الإسرائيلي بتحركاتها المقاومة، في حال فشل المفاوضين السياسيين في تطبيق الصفقة، الأمر الذي يجعل مصر والأردن قوة إقناع ومحور عربي لتدعيم قرارات الولايات المتحدة في المنطقة، خاصة بعدما تمكنت واشنطن من قطع شوط طويل في خطتها الخاصة بتطبيع العلاقات الخليجية الإسرائيلية، وأصبحت السعودية والإمارات أقرب الحلفاء العرب لإسرائيل.

على جانب آخر، لا يمكن إغفال الربط بين زيارة بنس إلى الأردن وتزامنها مع تدخل واشنطن لحل الأزمة التي كانت عالقة لمدة أشهر عدة بين الأردن وإسرائيل، على خلفية حادث السفارة الإسرائيلية في عمان، الذي قُتل فيه مواطنان أردنيان على يد حارس السفارة، فما لبث أن تدخلت واشنطن لتحل الخلاف بين عمان وتل أبيب، من خلال تقديم الأخيرة اعتذارًا رسميًا للمملكة ودفع تعويضات لعائلات الضحايا في مقابل إعادة فتح السفارة الإسرائيلية هناك، حتى جاءت زيارة بنس إلى عمان، مستغلة عودة العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلى سابق عهدها لتدعم عمان بدورها الصفقة الصهيوأمريكية.

 

هل تستيقظ الكرامة العربية؟

اللافت للانتباه والمثير للدهشة في الوقت نفسه، أن الدول العربية ترحب بزيارة نائب الرئيس الأمريكي إليها، رغم الإجراءات العدائية والتصريحات الاستفزازية التي خرجت عن الإدارة الأمريكية، على رأسها دونالد ترامب، خلال الفترة السابقة، وهنا يأتي السؤال، كيف تستطيع مصر والأردن أن يغفران للإدارة الأمريكية تهديداتها في 20 ديسمبر الماضي، بقطع المساعدات عن الدول التي صوتت لصالح القرار الذي يهدف إلى إبطال قرار ترمب اعتبار القدس عاصمة إسرائيل، والتي كان من بينهما مصر والأردن؟

أيضا، كيف لهما ان يتناسيان أن أمريكا استخدمت سلاح المساعدات المالية مرارًا لابتزازهما وإذلالهما وفرض إملاءاتها عليهم، وكيف لهما أن يغفلان قرار ترامب بشأن القدس الذي أثار مشاعر جميع الشعوب العربية الغاضبة والمتأججة من القرار، على رأسها الشعب الفلسطيني؟

وكيف لهما أن يعصبان أعينهما عن القرار الأمريكي القاضي بتجميد تمويلات بقيمة 65 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، الأمر الذي يعني تجويع آلاف الفلسطينيين؟

ولماذا لم تحاسب مصر الإدارة الأمريكية على نيتها توطين الفلسطينيين في سيناء؟

ولماذا لم يحافظ الرئيس السيسي والملك عبدالله على ما تبقى من الهيبة والكرامة العربية؟

والإجابة تتلخص في أن الإدارة الأمريكية تمكنت من ابتزاز الدول العربية كافة، على رأسها السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن، من خلال مختلف الملفات؛ فبعضها يتم ابتزازه بالمساعدات المالية والاقتصادية، وبعضها الآخر بالسكوت على جرائمه ودعمه للإرهاب، الأمر الذي جعل حكام هذه الدول دمية في يد واشنطن، يسهل تركيعها وإخضاعها للأوامر الصهيوأمريكية.

ورغم أن جميع المؤشرات ترمي إلى اقتراب بنس من إتمام صفقة بلاده مع الأردن ومصر مثلما أتمها مع السعودية والإمارات، إلا أنه لا تزال هناك بعض الآمال بأن يعود نائب الرئيس الأمريكي إلى واشنطن بخفي حنين، دون أن تأتي جولته بأي جدوى ولا تحقق أيًا من الأهداف الصهيوأمريكية، تكمن في ما تبقى من نخوة وكرامة عربية قد تثور لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

 

اترك تعليقاً