في الذكرى الـ 13 لرحيل ياسر عرفات.. اغتياله ما زال لغزاً بحاجة للحل

سامر حسان

 

شكلّ اغتياله لغزًا أضيف إلى القضية الفلسطينية التي ارتبط اسمه بها منذ منتصف القرن الماضي، وبات الكشف عن “القتلة” مطلبًا وطنيًا لا يخص حركة “فتح” التي ترأس أول خلية عسكرية لها عام 1958.

الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (1929- 2004)؛ محمد عبد الرحمن عبد الرؤوف القدوة الحسيني، قاد العمل العسكري لحركة فتح ونفذ رفقة خليل الوزير “أبو جهاد”، وصلاح خلف “أبو إياد” وغيرهم أول عملية فدائية مساء 31 كانون أول من عام 1964، عبر محاولة نسف محطة مائية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ ما عرف باسم عملية “عيلبون” والتي تبنّاها عرفات في اليوم التالي الأول من كانون ثاني من عام 1965، وهو اليوم الذي اعتمده لانطلاقة حركة “فتح”.

وترأس عرفات خلال أربعة عقود من عمله السياسي حركة فتح، وكان له الأثر الكبير على مسار القضية الفلسطينية. وأصبح في عام 1969 الرئيس المنتخب لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي تحوّلت إلى إطار لفصائل المقاومة الفلسطينية، بعد أن كانت مجرد إطار رسمي للشؤون الفلسطينية ملحق بجامعة الدول العربية.

اعتلى منصة الخطابة بالجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974، وطرح خيار الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وليعرب عن رغبته في السلام في عبارته الشهيرة “لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.

رأى عرفات في الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987- 1994) فرصة لتحريك عملية التسوية السياسية، عبر مؤتمر دولي تشارك فيه منظمة التحرير، وفق مبدأ “الأرض مقابل السلام”، كما تم خلال الانتفاضة الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية، وهو الإعلان الذي صدر في عام 1988.

وفي خريف 1991، أي في أعقاب حرب الخليج؛ شارك ممثلون فلسطينيون بمباركة من عرفات، ضمن وفد أردني – فلسطيني مشترك، في مؤتمر مدريد، الذي أطلق “عملية سلام الشرق الأوسط” برعاية أمريكية.

وبعد إدارة مفاوضات سرية بين قيادة المنظمة والحكومة الإسرائيلية في العاصمة النرويجية أوسلو؛ وقّع عرفات في 1993 اتفاقية “إعلان المبادئ” مع الدولة العبرية، الذي يقضي بقيام الحكم الذاتي الفلسطيني في غزة وأريحا، مع اعتراف متبادل بين منظمة التحرير وإسرائيل، وقد أدى ذلك لانقسام حاد في الشارع الفلسطيني.

وفي 1994، أُبرم اتفاق الحكم الانتقالي، بينما حصل عرفات على جائزة “نوبل” للسلام سويّة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين ووزير خارجيته شمعون بيريز.

ودخل عرفات إلى الأراضي الفلسطينية بموجب “اتفاق أوسلو” في عام 1994، وفي مطلع العام 1996 انتخب رئيسًا للسلطة الفلسطينية، بأغلبية كبيرة.

وبعد فشل مفاوضات “كامب ديفيد” والتأجيل المتكرّر لإعلان الدولة الفلسطينية، وتراكم الاحتقان الشعبي الفلسطيني من استمرار الاحتلال؛ اندلعت انتفاضة الأقصى في نهاية أيلول 2000، مع الزيارة الاستفزازية لأرئيل شارون إلى المسجد الأقصى، حيث أراد الرئيس عرفات قلب الطاولة في وجه الأمريكان ومن تحالف معهم.

وكانت “انتفاضة الأقصى” قد شهدت حملات حربية غير مسبوقة شنتها قوات الاحتلال على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، كما تضمنت تقويضًا تدريجيًا للمعالم الأولية لدولة فلسطينية مفترضة، بما فيها مقار عرفات في غزة ورام الله، التي تم استهدافها بالتدمير والحصار.

وقد قضى عرفات سنواته الثلاث الأخيرة في عزلة داخل مقر “المقاطعة” في رام الله، وسط تهديدات إسرائيلية متواصلة له بالقتل أو النفي، إلى أن تدهورت حالته الصحية بشكل سريع في نهاية تشرين أول 2004، وسط ملابسات غامضة.

وعلى إثر ذلك؛ تم نقله إلى باريس، حيث توفي فيها بعد نحو ثلاث أسابيع، وأُعلن عن الوفاة في مشفى بيرسي العسكري الفرنسي فجر الحادي عشر من تشرين ثاني 2004.

ومع تشييع عرفات في القاهرة، ودفنه في رام الله؛ أُسدل الستار على 75 عامًا عاش فيها ياسر عرفات، وشهدت مسيرة سياسية حافلة بالكثير من المنعطفات والمخاضات العسيرة.

واليوم وبعد 13 عامًا على وفاة عرفات لا يزال لغز وفاته لم يكشف عنه على الرغم من إعلان السلطة أنها توصلت إلى الشخص الذي وضع السم له، على الرغم من أن أصابع الاتهام تشير إلى الاحتلال؛ ولكن المقصود هو أدوات الاحتلال.

واستبعد ناصر القدوة؛ عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” ورئيس مؤسسة ياسر عرفات، أن يكون هناك عملاء قد ساعدوا الاحتلال في دس السم للرئيس الراحل.

وأكد القدوة في بيان له أنه “لا مجال للانتقاص من مسؤولية إسرائيل الكاملة؛ السياسية والجنائية، حول عملية اغتياله (عرفات)، خاصة في ظل التصريحات الإسرائيلية الواضحة والمتكررة، التي كانت تطالب بوضوح بإزاحته عن الساحة السياسية الفلسطينية”.

وقال: “إن أي شيء آخر يتعلق بعملية الاغتيال مثل التحقيق في أي اختراق أمني فلسطيني، أو مساعدة في عملية التنفيذ، يعد موضوعًا مهمًا، لكنه ليس بديلًا عن الموضوع الأول”.

وأوضح مسؤول ملف التحقيق في استشهاد ياسر عرفات، اللواء توفيق الطيراوي، أن اغتيال عرفات يتعلق بأمن دولة وبأهم القيادات الفلسطينية، وفي حال وجود متعاونين من الداخل مع الاحتلال، فمن المؤكد أنه كان في طريق التحضير للقيام بهذه العملية الأمنية وليس في التنفيذ نفسه”.

ورأى المحلل السياسي، إبراهيم أبراش، في مقال له، أن “هناك عدة أطراف؛ فلسطينية داخلية وعربية ودولية، تقاطعت مصالحها مع مصلحة إسرائيل عند نقطة التخلص من عرفات”.

وبيّن أبراش: “جرت تحقيقات متعددة الأطراف وتم تشكيل لجان متعددة بالإضافة إلى لجنة تحقيق فلسطينية، وحتى يومه لم تعلن هذه الأخيرة عن نتائج عملها ولم يتم توجيه الاتهامات لأحد بالرغم من أن اللجنة أعلنت قُبيل عقد المؤتمر السابع لحركة فتح أنها على وشك الانتهاء من عملها وستُعلن نتائج التحقيق”.

وتابع متسائلًا: “هل تمت صفقة بين الرئاسة الفلسطينية وجهات خارجية لعدم فتح ملف اغتيال أبو عمار؟”.

ونوه إلى أن “نعتقد أن “عدم إعلان النتائج لا يعود لعجز اللجنة عن معرفة مرتكب جريمة الاغتيال، الجهات العليا في: السلطة الفلسطينية، فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية، مصر، الأردن، وتونس، تعرف أن إسرائيل اغتالت أبو عمار بالبلوتونيوم المشع، ولكن هذه الأطراف تكتمت على الموضوع منذ البداية”.

اترك تعليقاً