تركيا ـ أردوغان .. إلى أين ؟

إبراهيم بدوي

تعكس دبلوماسية تركيا إقليميا ودوليا وتحركاتها المثيرة للجدل خصوصا في منطقتي المتوسط والشرق الأوسط، مدى شراسة دولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتمسكة بانتهاج سلوك عدائي تجاه المجتمع الدولي، بالمضي قدما في تنفيذ انتهاكات صارخة للمواثيق والمعاهدات وإجراء تدخلات عسكرية واسعة النطاق، ما يرجح دخول أنقرة في عزلة محتملة ستسبب حتما أسوأ أزمة لبلد يعاني أصلا ركودا اقتصاديا آخذا في التفاقم.

ويرى محللون أن سياسة تركيا الخارجية ابتعدت تماما عن دبلوماسية “صفر مشاكل” التي كان أعلنها حزب العدالة والتنمية الحاكم قبل سنوات.

وفضلا عن عنجهية النظام التركي وتمسكه بتدخلاته العسكرية المدانة دوليا وانتهاكاته الصارخة في منطقة المتوسط ومساعيه لتوسيع نفوذه اللاقانوني في مناطق غنية بالمحروقات، قابل الردود الدولية والتحذيرات بتصريحات شرسة، مهاجما ما لا يقل عن 13 دولة وكيانين بطريقة سلبية في بيانات صحفية مباشرة.

وأشار موقع ‘أحوال تركية’ إنّه “ما لا يقل عن 13 من أصل 25 تصريحًا حديثًا للخارجية التركية كانت مجرد إدانات ورفض وتحذير لمن يتصرفون بتوجيه من مجموعات معينة” وفقاً لما جاء في تلك البيانات، والتي تصدّر معظمها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو.

من جانب آخر هاجمت أنقرة موسكو على خلفية إدانة الأخيرة لانتهاكات تركيا بحق أكراد سوريا، فضلا عن إدانتها المشاركين في القمة الأوروبية الأخيرة التي بحثت اتخاذ إجراءات لكبح الانتهاكات التركية في المتوسط.

وفي سياق الانتهاكات التركية بمياه شرق المتوسط واحتدام التوتر مع اثينا، انتقدت صحيفة دي فيلت الألمانية للاستفزازات التركية لليونان.

ولم تسلم جامعة الدول العربية التي أدانت التدخلات التركية في كل من سوريا والعراق ليبيا واليمن، من هجمات أنقرة على الرغم من أن الجامعة العربية طالبت بموجب القانون الدولي أن تتوقف تركيا عن تدخلها العسكري في المنطقة.

بدورها تلقت كوسوفو وصربيا “توبيخا” من تركيا بعد قرار فتح سفارات لها في القدس، فيما تضع أنقرة نفسها وصية على الأراضي الفلسطينية متناسية انتهاكاتها في كل من سوريا العراق وليبيا كذلك تعاونها العسكري والاقتصادي والفني مع إسرائيل.

وبينما أدانت تركيا مزاعم التجسس في النمسا في إطار تدخلاتها في سياسة بلدان أخرى ونددت بما اعتبرته التطرف العنصري في الدنمارك، هاجمت اتفاق السلام ا بين الإمارات وإسرائيل.

ويبدو أن الرئيس التركي ماض في إثارة حفيظة عشرات الدول من أوروبا إلى الخليج وصولا إلى أغلب الدول العربية، معززا احتمالية دخول بلاده في عزلة خانقة شبيهة بتلك التي تعيشها إيران حاليا، بعد تعنته في عداوة المعسكر الدول المناوئ للانتهاكات التركية في كل مكان.

فلم يترك أردوغان لتركيا دبلوماسية هادئة تكفل له مطالبه الهامة كحلم الانضمام للاتحاد الأوروبي الذي بات صعب المنال، بل أثار الفوضى في كل مكان واستجلب لبلاده عداءات مجانية أفقدته حلفاء تقليديين. وباتت تركيا اليوم مهددة بإقصائها من حلف الناتو وفرض عقوبات قاسية على اقتصاد الذي يعيش حالة من الركود المتعاظم.

ويبدو للكثيرين أنه صراع على الغاز في المتوسط بين تركيا من جهة، واليونان وقبرص وحلفاء آخرين لهما من جهة ثانية، لكن النزاع الظاهر يخفي وراءه أهدافا أخرى لأنقرة تظهر من خلال “فرد عضلاتها” عسكريا في مياه المتوسط على نحو غير مسبوق.

ويبدو “هدف الغاز” واضحا للجميع، أما ما يختفي خلفه فهو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يختبر حاليا قوة بلاده العسكرية البحرية في المتوسط، للتأكيد على قدرة أنقرة على حماية مصالحها، وأنها قوة إقليمية لا يمكن أن يستهان بها في مجال الدفاع البحري، وفق وكالة “بلومبيرغ”.

لكن تركيا، وهي تستعرض عضلاتها في عرض المتوسط، تصطدم مرة أخرى مع أعدائها التاريخيين في الغرب، الأمر الذي قد يجعل طموحها في بناء قوة عسكرية بحرية في المنطقة في عين العاصفة.

ويكشف نمو قدرات البحرية التركية في الآونة الأخيرة عن حجم الطموح التوسعي لدى أردوغان، الذي يسعى دوما للتأكيد على أن أنقرة بإمكانها مجابهة أوروبا وروسيا والولايات المتحدة، علما أن لديها قوات أو نفوذ عسكري في عدد كبير من بلاد المنطقة.

ويستند أردوغان في استعراض قوة تركيا البحرية في البحر المتوسط إلى عدد من السفن الحربية والغواصات والفرقاطات وحاملات الطائرات الخفيفة محلية الصنع.

وقد أدى نشر تركيا لبعض هذه القطع مؤخرا، إلى إثارة القلق لدى الدول الساحلية، الأمر الذي أشعل نذر مواجهة حقيقية في البحر المتوسط، في ظل وجود أكثر من قوة تتشارك الساحل نفسه.

وقال ريان جينجيراس الأستاذ في إدارة شؤون الأمن القومي البحري لـ”بلومبرغ”، إن “تركيا تريد أن تثبت أنها القوة الأكبر في شرق المتوسط، وإنه يجب التعامل معها على هذا النحو”. وأضاف: “إنها ترى نفسها محاطة بمنافسين وخصوم وستستخدم القوة لتأكيد نفسها، لأنها تستطيع ذلك”.

وتقول “بلومبيرغ” إن “الازدهار الذي تشهده أحواض بناء السفن الحربية التركية يعد جزءا من توسع أكبر في صناعة الأسلحة المحلية، ويشمل ذلك المروحيات الهجومية والطائرات بدون طيار”.

وتضيف الوكالة أن الهدف من ذلك هو “الحصول على ما يسميه المسؤولون الأتراك الاستقلال الاستراتيجي عن الغرب، الذي أصبحت تنظر إليه أنقرة على أنه منافس لا شريك، على الأقل في مجال استيراد الأسلحة”.

وحدد أردوغان هدفا بحلول عام 2023، الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية، لكي تتمكن تركيا من تصنيع جميع أسلحتها الخاصة بنفسها. لكن هناك شكوكا في تحقيق هذا الهدف في ظل الوضع الاقتصادي المضطرب للبلاد، الأمر الذي يشكل عائقا كبيرا في الحفاظ على طموحات الرئيس التركي بالظهور كقوة عظمى في المناخ الحالي.

.