تباطؤ النمو الاقتصادي

أظهر نمو الاقتصاد الألماني، في الآونة الأخيرة، إشارات تباطؤ تدعو للقلق. وحتى داخل منطقة اليورو، حيث لا تتمتع معظم دولها بنمو اقتصادي مميز قوي، لاحظ خبراء المال في برلين أن الناتج القومي الألماني هوى في عامي 2018 و2019 إلى المراتب الأوروبية الأخيرة.

واللافت أن النمو الاقتصادي المُسجّل في كل من فرنسا وبريطانيا، رغم احتجاجات السترات الصفر في فرنسا، وتخبّط بريطانيا بمستقبل مجهول فور خروجها الطوعي من دول الاتحاد الأوروبي، أفضل من نمو نظيره الألماني، ولو بقليل.

وللآن، لم يتحوّل ضعف النمو الاقتصادي الألماني إلى أولوية مُلحّة بالنسبة لحكومة برلين، بسبب معدل البطالة المتدني من جهة، وموجات التوظيف في المدن الألمانية كافة التي لم تخسر قواها بعد من جهة ثانية، علماً بأن قطاع الخدمات يجذب إليه عدداً كبيراً من الوظائف الشاغرة، نظراً لتوسّعه بفضل زيادة الحركة الاستهلاكية الداخلية.

لكن حركة الإنتاج الصناعي، التي بدأت تضعف منذ عام 2018، ستترك مفعولها السلبي على قطاعات أخرى في فترة زمنية قريبة، قد لا تتجاوز نهاية عام 2019.

يقول الخبير الاقتصادي في مدينة هامبورغ، جوزيف بورش، إن المنتجين الألمان لم يصطدموا بتباطؤ الاقتصاد المحلي فحسب، إنما أيضاً بانكماش التجارة العالمية. ولن تتمكّن ألمانيا وحدها من إنعاش محرك التجارة الدولية الغارق في بحر النزاعات الجمركية بين الدول. لكن لجوء حكومة برلين إلى المبادرات الإبداعية، وإعادة إحياء الاستثمارات الداخلية، سيكون بمثابة خطوة أمامية مهمة. فمعظم الاستثمارات الألمانية يتم ضخها في الخارج، مما جعل ألمانيا، في الأعوام الأخيرة، تخسر بريقها كموقع دولي حاضن للاستثمارات.

ويضيف أن وتيرة الإنتاج الصناعي الألماني لم تُسجّل أي نمو لها جدير بالذكر منذ عام 2017، في حين زادت تكاليف اليد العاملة والضمان الاجتماعي، لتتخطى في أعوام قليلة فقط تلك المُسجّلة في دول أوروبية أخرى. أما مستوى الدخل الشهري في قطاع الإنتاج، فيبقى أعلى مقارنة بمعايير الدخل الدولية. وفي موازاة ذلك، قفزت الأعباء الضريبية.

 ومقارنة بباقي الدول الأوروبية، تتمتّع ألمانيا بأعلى مستوى من الضرائب المفروضة على الشركات، مما يؤثر مباشرة على ذوي الدخل المتوسط والمتدني. وعلاوة على ذلك، يُعدّ مُعدّل تكلفة الطاقة الألمانية الأعلى أوروبياً، مما يُعرقل توسّع الصناعات الألمانية.

ويختم بالقول: “إن الدخل المرتفع، سوية مع الضرائب الثقيلة وتكلفة الطاقة الباهظة، جميعها عوامل لم تكن تُشكل ثقلاً قاتلاً لو استطاعت الشركات العاملة في ألمانيا الاعتماد على بنى تحتية ممتازة، وقوى عُمّالية من ذوي الكفاءات العالية، كي تنجح في استيعاب الضرائب والتكاليف المفروضة عليها”.

وفي سياق متصل، تقول الخبيرة الألمانية أولغا ماير، التي كانت تعمل سابقاً في المفوضية الأوروبية في بروكسل بصفة مستشارة للشؤون الاقتصادية الأوروبية، إن حكومة برلين تستعد لمواجهة تباطؤ النمو الاقتصادي، بدءاً بالإقرار بسلّة من الخطط السياسية المصيرية في تقرير وضع القطاع الصناعي المستقبلي. فالمشكلات تتراكم، لاسيما في قطاعي التجارة والاستثمارات منذ زمن بعيد.

.