بوتين وميركل: دبلوماسية الغاز

عادل فهمي

“الثنائي الغريب بوتين وميركل يجدان أسباباً للابتسام”، تحت هذا العنوان، نشرت النسخة الأوروبية من صحيفة “بوليتيكو” مقالاً للكاتب لجشوا بوسنير، تحدث فيه عن المباحثات التي أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في برلين.

وكان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قد وصل إلى برلين لترميم العلاقة الهشة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والتخفيف من حدة تداعيات إشكالية التوسع فى خط أنابيب غاز “نورد ستريم”.

وقد لا تكون مباحثات بوتين وميركل قد تناولت القمة الروسية-الأمريكية التي تمت في العاصمة الإيرلندية هلسنكي، ولكن ترامب كان حاضراً بقوة في محادثات السبب.

في المؤتمر الصحفي لبوتين وترامب في هلسنكي، قال الأخير لوسائل الإعلام “لست متأكدا بالضرورة إن كان توسيع خط أنابيب نورد ستريم هو في مصلحة ألمانيا أم لا، هو قرار اتخذوه، وسنناقش الأمر مع روسيا لتزويد الغاز”.

وقبل بضعة أيام، وفي قمة حلف الناتو ببروكسل، كان ترامب قد صرّح بأن ألمانيا “خاضعة بالكامل لروسيا”، وتلك فهمت دعوة للألمان “لشراء المزيد من الغاز الطبيعي من الولايات المتحدة”.

ولكن إذا كان ترامب يأمل في تعطيل مشروع “نورد ستريم 2 “، فإن بوتين وميركل حريصان على إظهار أن هذا المشروع يتكئ على أهمية كبيرة، وفي هذا السياق جاء كلام بوتين “إن ألمانيا هي أحد الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين لبلادنا”.

هذه الخلاصة جاءت مشفوعة بإحصائيات تهدف إلى إبراز حجم التجارة بين البلدين والعدد الكبير للشركات الألمانية العاملة في روسيا.

كيف يتفاهمان ؟

بوتين وميركل كل منهما يتحدث لغة الآخر، فالأول يتحدث اللغة الألمانية بطلاقة – هو الذي عمل كجاسوس لبلاده في ألمانيا الشرقية – في حين تعلمت ميركل اللغة الروسية في المدرسة، لكن هذه التبادلية اللغوية لم تجد لها مقاربة في الشؤون الدولية التي تباعدت فيها رؤيتا الطرفين.

الاختلاف في وجهات النظر بين بوتين وميركل، على صعيد الشؤون الدولية، تضّمن اتفاقاً على عدم إثارة هذا الاختلاف، أو إبرازه على أقل تقدير، لذا نجد أن ميركل قبيل القمة تحدثت عن القضايا الدولية في تعليقات مقتضبة وصلت لوسائل الإعلام من دون طرح أسئلة، في حين شدد بوتين على التعاون الاقتصادي خاصة فيما يتعلق بإمدادات الغاز.

القضايا الدولية التي تناولتها ميركل كان من بينها: أوكرانيا، والصراع في اليمن ودور إيران على الصعيد الدولي، لكن تلك القضايا تناولتها المستشارة باختصار شديد.

بوتين وميركل أجريا محادثات ثنائية في سوتشي في مايو/أيار، ولم يلتقيا في ألمانيا منذ أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014.

خط انابيب سياسي

كلمة السر في المحادثات التي استمرت حتى وقت متأخر في قلعة ميسبيرغ التي تعود إلى القرن الثامن عشر والتي تبعد حوالي 60 كيلومترًا شمال برلين، كانت تدعيم طاقة خط أنابيب نورد ستريم بخط ثالث ورابع في العام المقبل.

قالت ميركل “إذا جاء نورد ستريم 2 ، يجب أن تلعب أوكرانيا دوراً في نقل الغاز إلى أوروبا”.

والجدير بالذكر أن ألمانيا دعمت مشروع خط الأنابيب على الرغم من الانتقادات بأنها ستستخدم كرافعة لاستدراج تنازلات سياسية من دول تعتمد على الاستيراد.

إن ملايين الدولارات تخسرها أوكرانيا في رسوم نقل الغاز إذا لم يصار إلى تفعيل شبكة توزيع الغاز التي تعود إلى الحقبة السوفيتية واستخدامها في نقل احتياطي الغاز إلى المستهلكين في جميع أنحاء أوروبا الوسطى.

ولم يستبعد بوتين الاستمرار في شحن الغاز عبر أوكرانيا، لكنه قال إن خط أنابيب نورد ستريم “هو مشروع اقتصادي حصري” مصمم “لتقليل مخاطر العبور” بالنسبة لكميات متزايدة من الغاز المسلم إلى ألمانيا كل عام.

وقال: “أود أن أؤكد أن الشيء الرئيس هو أن العبور الأوكراني – وهو أمر تقليدي – يفي بالمطالب الاقتصادية”.

وأضاف بوتين في ميسبيرج أن شركة غازبروم الروسية سلمت 53 مليار متر مكعب من الغاز لألمانيا في عام 2017 بزيادة 13 بالمئة عن العام السابق. وسوف يرفع نورد ستريم 2 القدرة إلى 110 مليارات متر مكعب كل عام ، مما يسمح لروسيا بتحويل الشبكة الألمانية إلى مركز توزيع لأوروبا الوسطى.

سوريا على الطاولة

وصل بوتين إلى المحادثات مع ميركل متأخرا أكثر من 30 دقيقة، بعد ظهور مثير للجدل له في حفل زفاف وزيرة الخارجية النمساوية كارين كنيسل، حيث تم تصوير الزعيم الروسي وهو يرقص مع العروس في منطقة ستيريا بالنمسا.

وقد قللت المستشارة الألمانية من التوقعات الخاصة بالاجتماع، واصفة إياه بـ “اجتماع عمل” مع “عدم وجود نتائج محددة” متوقعة.

بالنسبة لسوريا ، اتفق الزعيمان على أن هناك حاجة إلى تدابير لدعم الاستجابة الإنسانية للصراع المستمر منذ سبع سنوات. وقالت ميركل: “يجب أن نتجنب كارثة إنسانية”، “لقد لاحظنا أن المقاتلين يتراجعون، ولكن بالطبع لم يتم تأسيس نظام سلمي”.

وقال بوتين “من المهم تعزيز المساعدات الإنسانية لسوريا”، “من المهم دعم تلك المناطق التي يمكن للاجئين العودة إليها من الخارج”.