الولايات المتحدة أكثر انقساما من ذي قبل

أحمد الجمال /

خلُص جون جير، أستاذ العلوم السياسية وماري كاثرين سوليفان في تحليلهما المنشور في صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، إلى أن الولايات المتحدة أصبحت حاليًا أكثر انقسامًا مما كانت عليه قبل 40 عامًا، وهو نمط يثير القلق على مستقبل البلاد، وذلك في إطار تقييمهما للوحدة الأمريكية على مدار أكثر من أربعة عقود سابقة.

في مستهل تحليلهما، استشهد الكاتبان بالسردية الوطنية السائدة، التي تفيد بأن الوحدة الأمريكية وصلت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق أو باتت قريبة من تلك النقطة. ومن المؤكد أن هناك سببًا للاعتقاد بذلك. ويمكنك ببساطة أن ترى شواهد متواترة، عن طريق فتح صفحتك الخاصة على منصة «تويتر» للتواصل الاجتماعي، تدل على وجود استقطاب حاد، وأغلب الظن أنه آخذ في الازدياد كل يوم.

ومع ذلك، ليس لدينا دليل قوي ومنهجي على الوحدة الوطنية، أو الأهم من ذلك، على كيفية تآكلها مع مرور الزمن. ونظرًا إلى أن خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي تنزع إلى الخداع والتضليل، أصبح الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي لتكوين رأي أمرًا غير صائب، إذ تتغذى وسائل التواصل الاجتماعي على نفسها وغالبًا ما تجعل المستخدمين أكثر غضبًا وإحباطًا.

مؤشر فاندربيلت للوحدة

يُنوِّه الكاتبان إلى أن مؤشر فاندربيلت للوحدة يقتفي أثر التحولات الربع سنوية في الوحدة الوطنية منذ عام 1981 من خلال تجميع البيانات المتاحة للجمهور عبر خمس شرائح: رفض الأداء الرئاسي، والتطرف الأيديولوجي، والثقة الاجتماعية، وحالة الاستقطاب في الكونجرس، بالإضافة إلى الاضطرابات المدنية. ويهدف العمل من خلال هذا المؤشر إلى تسجيل الحدود القصوى. على سبيل المثال، يُسجِّل المؤشر النسبة المئوية للأمريكيين الذين يعارضون رئيس الولايات المتحدة بشدة، كما جمعها استطلاع مؤسسة «جالوب»، بدلًا من رصد الاستهجان العام للرئيس.

وفي نهاية المطاف، يقف الباحثان على مدى الاضطرابات السياسية البارزة ونطاقها من خلال تسجيل عدد الأسئلة التي تطرحها مؤسسات استطلاعات الرأي الكبيرة، مثل «جالوب» و«بيو» و«إن بي سي»، بشأن الاحتجاجات السياسية أو الاضطرابات. ومن ثم، تتيح هذه التركيبة إمكانية تقييم وحدة الولايات المتحدة من خلال البحث عن الأنماط والاتجاهات على مدار الأربعين عامًا الماضية، دون الاعتماد على مبالغة المنتقدين وقلقِهم المفرط.

وبعد التحليل والإعداد يمكن استنتاج أن البلاد، حتى بعد الهجمات في 11 سبتمبر (أيلول)، لم تكن قريبة من «حالة الوحدة» في النهاية، إذا عرَّفنا الوحدة على أنها إجماع. ومن الناحية النظرية، قد تكون الدرجة 100 دليلًا على وجود وحدة مثالية، بينما قد تشير الدرجة صفر إلى انقسامٍ حاد. لكن من الأفضل فهم الدرجات على أنها تكشف عن وجود تحوُّلات واتجاهات عامة وليست مقاييس مطلقة للوحدة الوطنية في مرحلة بعينها.

ويلفت الكاتبان إلى أنه خلال الحقبة الزمنية التي أُجرِيت عليها الدراسة، وجدا أن أعلى درجة حققتها الوحدة هي 71.3، وكان ذلك خلال الربع الثاني من عام 1991، إذ كان الأمريكيون يحتشدون خلف الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج بوش (الأب)، في أعقاب حرب الخليج. واكتشفا أيضًا أن الولايات المتحدة الحديثة لم تشهد سوى لحظاتٍ نادرة من الوحدة السياسية. وبالمثل، لم تكن الأوقات الأكثر انقسامًا قاتمة كما قد توحي الحكمة السياسية السائدة: وقد انخفض معدل الوحدة إلى أقل من درجة 50 في ثلاثة أرباع سنوية فحسب.

الوحدة السياسية في عهد إدارة ترامب في أدنى مستوياتها

يستدرك الكاتبان قائلَيْن: ومع ذلك، من الواضح أن مؤشر فاندربيلت للوحدة وجد أن الوحدة آخذة في التناقص على مدى العقود الثلاثة الماضية. وكما نرى في الشكل المبين آنفًا، بدأ مؤشر فاندربيلت للوحدة في الهبوط نحو الأسفل في عام 1995، وبلغ متوسط المؤشر، في الفترة من عام 1995 حتى عام 2022، نحو 59 درجة، أي أقل من متوسط مؤشر فاندربيلت للوحدة البالغ 68 درجة في الفترة من عام 1981 حتى عام 1994.

ويؤكد الكاتبان أن هذه التحولات تتوافق مع السردية السائدة. وأسفر «العقد مع أمريكا» (وثيقة وقَّعها أعضاء الأقلية الجمهورية في 27 سبتمبر 1994 قبل سيطرة الحزب الجمهوري على الكونجرس في عام 1994. وحدد هذا العقد التشريع الذي سَيسِنَّه مجلس النواب خلال أول 100 يوم من المؤتمر 104 (1995-1996)) الذي شكَّل ملامحه نيوت جينجريتش، رئيس مجلس النواب الأمريكي في الفترة من عام 1995 حتى عام 1999، والذي أُطلِق خلال الحملة الانتخابية قبل انتخابات التجديد النصفي لعام 1994، عن حقبة قامت فيها الأحزاب بـ«تأميم» سباقات انتخابات الكونجرس، وهو مصطلح يستخدمه علماء السياسة للإشارة إلى مركزية السياسات الوطنية والرئاسية في تشكيل نتائج انتخابات الكونجرس.

وفي الوقت نفسه، اشتعلت الحروب الثقافية، وزادها اشتعالًا وتأجيجًا في عام 1996 الإعلان عن انطلاق وسائل إعلام حزبية، مثل «فوكس نيوز» و«إم إس إن بي سي». وبعد مرور عقد من ذلك الوقت، ترشَّحت سارة بالين لمنصب نائب الرئيس، وشهدنا الانتخابات الرئاسية لباراك أوباما وصعود حزب الشاي.

وفي نهاية المطاف، ظهرت شخصياتٍ شعبوية، مثل بيرني ساندرز، ممثِّلًا لليسار الأمريكي، ودونالد ترامب ممثِّلًا لليمين، ومع تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، رصد الباحثان تسعة من أقل عشر مستويات في مؤشر فاندربيلت للوحدة التي أخضعاها للقياس خلال هذه الفترة، مسجِّلةً انخفاضًا قياسيًّا قدره 35 درجة في عام 2017. وكان المستوى العاشر هو الذي رصداه في الربع السنوي السابق لانتخاب ترامب في عام 2016. ومما سبق، نستنتج أن الجهود المبذولة لتقويض المؤسسات الديمقراطية من خلال الخطابات الكاذبة والمضلِّلة، التي تردد كثيرًا، تُشكِّل خطرًا على فكرة «واحد من الكثرة» والتي يقصد بها (أنه من رَحِم ولاياتٍ عديدة خرجت دولة واحدة، وأنه من بين عديد من الناس والأعراق والأديان والأصول تشكَّل شعب واحد وتكوَّنت أمة واحدة).

الوحدة ليست إجماعًا

وبصفة عامة، يُؤكد مقياس مؤشر فاندربيلت للوحدة فرضية جون ميتشام، الكاتب والمؤرخ والرئيس المشارك في مشروع الوحدة والديمقراطية الأمريكية، في كتابه «روح أمريكا» المنشور في عام 2019، أن: «الخلاف والنقاش، بما في ذلك الخلاف الشرس والنقاش المُنهِك، من السمات المميزة للسياسة الأمريكية… يكمن فن السياسة في تشكيل توافق آراء عملي لفترة زمنية معينة، وليس الوصول إلى الإجماع». وبعبارة أخرى، تتعلق الديمقراطية الأمريكية بكيفية إدارة الخلاف. ولم تشهد الولايات المتحدة مطلقًا فترة زمنية معينة كان فيها الشعب الأمريكي موحَّدًا تمامًا. وقد صاغ الآباء المؤسسون الدستور الأمريكي وهم على دراية بأن المواطنين سيظلون مختلفين بطبيعة الحال.

ويختم الكاتبان مقالهما بالقول: من خلال تعريض السنوات الأخيرة للتحليل الإحصائي، يشير مؤشر فاندربيلت للوحدة إلى أن الولايات المتحدة نادرًا ما كانت موحَّدة كما يحلو للمواطنين أن يتصوروها. ويؤكد مؤشر فاندربيلت للوحدة أن الأمريكيين أقل وحدة حاليًا مما كانوا عليه قبل 40 عامًا، وهو نمط يبعث على القلق.

الحرب الأهلية

وحذرت وسائل الإعلام اليمينية من احتمالية نشوب حرب أهلية في الولايات المتحدة الأمريكية، ودأبت على دعوة الإنجيليين إلى تخزين الأسلحة.

.