“النفاق الكبير”

حول ثقافة النفاق السياسي للغرب

د. نزار محمود / المعهد الثقافي العربي في برلين

صدر قبل أسابيع قليلة في ألمانيا كتاب: النفاق الكبير، باللغة الألمانية للصحفي الألماني “يورغن تودينهوفر” المعروف بكتاباته المنتقدة لمواقف الغرب تجاه الإسلام وسياسات الحروب الاستعمارية والنظرة المتعالية للرجل الأبيض.

وجاء في تعريف دار النشر بأن الكتاب الواقع في ما يزيد عن 320 صفحة من الحجم المتوسط يتناول اشكالية ثقافة النفاق التي تنتهجها القوى الكبرى وفي مقدمتها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في تبرير سيطرتها وهيمنتها، لا بل وحروبها ضد كثير من الشعوب والأمم وما أرتكبته من مجازر دموية بشعة بدعاوى الدفاع عن حقوق الإنسان والحرية ونشر الديمقراطية دون الاعتراف بدوافعها الحقيقية في سعيها لتحقيق أهدافها الاستراتيجية ومصالحها الاقتصادية، وبإداعاتها لاحقاً بأنها تدافع عن قيمها وثقافتها وما ينظوي تحتها من دين وعرقية ونظرة متعالية.

وفي معرض قراءته للكتاب في برلين أوضح “تودينهوفر” أن كتابه لا يتضمن إدعاءات حول النفاقية في ثقافة السياسة الغربية، وإنما إثباتات واقعية وتاريخية من خلال دراساته ومتابعاته وتغطياته الشخصية لأحداث عالمية كثيرة خلال الأربعين عاماً التي عاشها سياسياً وصحفياً، وهو يكشف الوجه الحقيقي للحضارة الغربية وزيف وتشويه قيم وسلوكيات وثقافات الآخرين كما جاء على لسانه، مختصراً رسالة الكتاب بقوله: إنها نداء كبير من أجل الإنسانية.

يتناول كتاب “النفاق الكبير” الذي يقع في واحد وعشرين فصلاً تقارير عديدة من مواقع الحروب والأزمات التي عاشها شخصياً شاهداً ومتابعاً وكاتباً ومحللاً صحفياً وإعلامياً وسياسياً ومفكراً، وقبل هذا وذاك، إنساناً يعيش مآسي تلك الاحداث والحروب وما تخلفه من دمار وقتل وتشريد في وحشيتها وقسوتها، كان آخرها ما حدث في الموصل، والتي كان قد غامر بحياته وحياة فريق عمله ومنهم ولده “فريدريك” عندما زارها أبان سيطرة الدولة الإسلامية عليها عام 2014 وأصدر كتاباً حول إنطباعاته عنها متضمناً رسالة قيمة في أفكارها إلى خليفتها أبي بكر البغدادي.

ولم تكن “غزة” وما تعيشه من أحداث الحصار والعدوان والدمار المستمرة وما تسببت وتتسبب به من مجازر وقتل وسجن وإبادة إنسانية إلا لتحتل فصلاً بارزاً في الكتاب مشيراً إلى مواقف الدول الغربية وسياساتها السلبية ونفاقها تجاه ما يحصل من جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان تجاهها.

وهكذا حال ما جاء في الكتاب حول ما كان قد حصل في أمريكا الهنود الحمر وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وغيرها من مناطق العالم التي سحقتها جيوش الغرب وحضارته اللانسانية وإداعآتها المخفية نواياها ودوافعها الاقتصادية والعسكرية والجيوستراتيجية والمغلفة بنفاق سياساتها وأحاديثها المعسولة والمهددة بعصاها الغليظة.

إن كتاب “النفاق الكبير” هو ليس تقريراً صحفياً سطحياً أو تقليدياً، إنه رؤية فكرية إنسانية لإستعلاء شعوب ودول على أخرى مستغلة تفوقها العسكري والتقني ومهوسة بثقافتها ومرتكبة بحق تلك الشعوب أبشع الجرائم خلف ستار من النفاق الكبير التي تنتهجه في سياساتها الخارجية وتحالفاتها، مشيطنة الآخرين في دياناتهم وثقافاتهم من أجل الإستحواذ على مقدراتهم ونهب ثرواتهم.

وفي هذا السياق يكرر مؤلف الكتاب “تودينهوفر” كلمات: (السطوة، الأسواق، المال) مذكراً وموضحاً الدوافع الحقيقية للغرب في تعامله مع الشعوب الإخرى، وليس ما يدعيه من حرية وحقوق إنسان وديمقراطية.

إن ما جاء في الكتاب من أفكار وآراء ومواقف للكاتب وكثير من الفلاسفة ورجال سياسة واجتماع حول النفاق الذي يغلف كثيراً من مواقف السياسة الغربية وتشويههم لصورة الآخرين وتزويرهم للتاريخ، وبالدرجة الأولى منهم المسلمين في دينهم وسلوكهم، جدير بالقراءة والمتابعة والدعم، متمنياً أن تتولى جهة ما أمر التكليف بترجمته إلى اللغة العربية.

.