اللاجئون واليمين المتطرف يضعون السياسة الألمانية على المحك

.

عادل فهمي

كانت صدمة بكل المقاييس للحكومة الألمانية أن يخرج الآلاف من مختلف المدن مطالبين بطرد اللاجئين ومحاربة «أسلمه الغرب».

هذه الأعداد الغفيرة التى استجابت لدعوة الأحزاب اليمينية المتطرفة عكست بشكل واضح مشاعر الرفض المتنامى لدى بعض الألمان تجاه وجود اللاجئين على أراضيهم، وأن أغصان الزيتون والورد التى استقبلوهم بها منذ أربع سنوات ذبلت وتساقطت أوراقها ولم يتبق منها غير الشوك.

مشاعر الغضب المكبوتة لدى بعض الألمان استغلتها بعض القوى السياسية الرافضة لسياسة «الباب المفتوح» التى اعتمدتها المستشارة أنجيلا ميركل تجاه اللاجئين والتى فتحت بمقتضاها حدود دولتها لاستقبال الهاربين من جحيم الحروب وقدمت لهم الرعاية والأمن والحماية من التشرد والموت على أرض مجهولة.

فماذا حدث بعد مرور هذه السنوات؟

ولماذا أصبح قطاع عريض من الشعب الألمانى رافضا لوجود هؤلاء اللاجئين؟

هذه الأسئلة وغيرها تفجرت عقب أحداث ولاية «كيمنتس» الأخيرة حيث خرج الآلاف مطالبين الحكومة بطرد الأجانب رافعين شعارات النازية رافضين أسلمة دولتهم.

وأيا كانت الأسباب، فقد عكست هذه المظاهرات تحول مشاعر الألمان تجاه اللاجئين، بل إنها سلطت الضوء على تنامى قوة الأحزاب اليمينية المتطرفة وخاصة حزب البديل من أجل ألمانيا.

وجاءت آخر استطلاعات للرأى لتكشف أن هذا الحزب قد يحل فى المرتبة الثانية بعد الاتحاد المسيحي، كما أشارت النتائج أيضا إلى فقدان أحزاب الائتلاف الحاكم للأغلبية وحصولها على 45% فقط من الأصوات.

الغريب هنا أن اليمين المتطرف لم يستطع تحقيق هذه النتيجة أو الدخول إلى البرلمان إلا بعد قدوم اللاجئين.

واقع الحال يؤكد أن تراجع التأييد للائتلاف الحاكم لم يصب فقط فى مصلحة حزب البديل الشعبوي، بل إن هناك قوى أكثر تطرفا بدأت تظهر على الساحة بقوة مثل حركة «بيجيدا» (وطنيون أوروبيون ضد أسلمه الغرب) والنازيون الجدد والتى يتضح من اسمها أهدافها ونهجها الرافض لكل ما هو أجنبي.

كل هذه القوى التى وصفها المراقبون بأنها الوجه الأخر للمتطرفين الإسلاميين استغلت بعض الحوادث الفردية كتلك التى حدثت فى «كيمنتس» أو فى مدينة «كوتن» التى لقى فيها شاب مصرعه بالسكتة القلبية إثر شجار مع أفغان لتأجيج مشاعر الغضب ضد المستشارة ميركل وائتلافها الحاكم، ولاقت دعواتها للتظاهر ضد اللاجئين صدى واسعا أحدث حالة من الارتباك فى صفوف الحكومة المشكلة من الأحزاب الرئيسية.

ورغم رفض ميركل القاطع والحاد لنهج حزب البديل وكذلك شركاؤها فى الحكم لهذه المظاهرات ودعوتهم للترحيب بالآخر وعدم إثارة الذعر بين اللاجئين الذين أصبحوا مهددين خاصة فى الولايات الواقعة بشرق ألمانيا، فإن هذا لم يمنع تنامى نفوذ القوى المتطرفة، الأمر الذى جعل السياسيين والمراقبين يخضعون ظاهرة تبدل مشاعر الألمان وصعود الأحزاب المتطرفة إلى التحليل.

فنجد أن بعض الخبراء يؤكدون أن الغالبية العظمى من الشعب يرحبون باللاجئين ويتعاملون معهم بمودة، بالإضافة إلى احتياج سوق العمل لهؤلاء اللاجئين لسد النقص فى الأيدى العاملة.

شرق وغرب

ويرجع بعض المحللين  تصاعد تيار اليمين الشعبوى إلى استمرار وجود فجوة اقتصادية بين شرق ألمانيا وغربها، إلا أن بعض علماء الاجتماع أشاروا إلى أنّ سبب سخط بعض المواطنين الألمان على سياسة اللجوء لا يقتصر على الأوضاع الاقتصادية، بل إن هناك أسبابا أخري، خاصة أن الهوة فى الوضع الاقتصادى بين شرق ألمانيا وغربها يعود إلى عشرات السنين، وقبل توافد اللاجئين.

هذه التحليلات وغيرها جاءت غير واقعية على الإطلاق فى نظر بعض الخبراء الذين استندوا إلى أن الخريطة الأوروبية السياسية وليست ألمانيا وحدها شهدت صعودا غير مسبوق للأحزاب الراديكالية أو المتطرفة، وأن هناك شبه اتفاق حول الخصائص والسمات المشتركة لهذه الظاهرة، إذ يشكل العداء للأجانب، ورفض الأقليات وفكرة التعددية الثقافية، والدفاع عن الهوية الوطنية وعن التقاليد القومية التاريخية، القاعدة المشتركة للأحزاب اليمينية الأوروبية، كما تشترك أيضا فى موقف موحد تجاه الحد من الهجرة، بحيث تلقى اللوم على المهاجرين فى تهديد للهوية والتسبب فى ارتفاع معدلات البطالة ومعدلات الجريمة، وغيرها من مظاهر غياب الأمن الاجتماعى واستغلال ما توفره دولة من رفاهة للمواطنين.

والواقع هنا كما يؤكد بعض المراقبين أن هذه الأحزاب فى الوقت الحاضر لم تعد ظاهرة هامشية فى المشهد السياسى الأوروبي، بل إنها أصبحت ذات ثقل شعبي، وطرفا ثابتا فى المعادلات الانتخابية، وفاعلا سياسيا يتزايد تأثيره فى صياغة الرأى العام الأوروبي، خاصة بعد تفشى ظاهرة الهجرة غير الشرعية وموجات الإرهاب التى تضرب المدن الأوروبية.

ويشير المراقبون إلى أن اليمين المتطرف فى ألمانيا استطاع تحريض قطاعات واسعة من الجمهور ضد المهاجرين، والشيء نفسه ينطبق على الدول الأوروبية الأخرى التى استقبلت أعداداً كبيرة منهم، وتزامن ذلك مع الحملات التى قام بها اليمين المتطرف العنصرى وخطاب الكراهية وجرائم العنف.

غير أن المخاطر التى يمثلها صعود اليمين المتطرف فى ألمانيا لا تثير قلق المهاجرين واللاجئين فقط، فشبح القوى اليمينية المتطرفة بات يهدد النظم الديمقراطية فى أوروبا الغربية كلها،   

ونظراً للدور القيادى الذى تلعبه ألمانيا فى الفضاء الأوروبي، فإن صعود اليمين المتطرف بها سيلقى بظلاله على كل القارة الأوروبية، كما أن المشكلة فى برلين ليست فى تنامى قوة هذه الأحزاب، بل فى جرائم العنف ذات الدوافع اليمينية المتطرفة وعمليات القتل ومطاردة اللاجئين.

وعلى الأرجح، ستضع هذه الأحداث مصداقية الليبرالية الأوروبية على المحك، وستظهر لنا طرق معالجتها ما إذا كان هناك ردة وإفلاس ليبرالي، أم إذا كانت مجرد ظاهرة مؤقتة ستذهب إلى أدراج النسيان.