الفاجعة السورية

 

د. نزار محمود


رسالة إلى كل القوى السورية المتحاربة

إنها واحدة من أولى مآسي القرن الحادي والعشرين الذي بدأ حالكاً على دول وشعوب الوطن العربي الذي لم يعد يحمل مقومات الوطن سوى في كراسات الجغرافيا العتيقة!
في العام ١٩٩٠ إنتهت الحرب الباردة وإنتهى معها توازن قوى عاشت أنظمة ودول في ظل حمايته، وإنتصر الغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ووضع في قفص المحاكمة والاتهام والحساب عدد من دول التحالف سابقاً مع منظومة الدول الاشتراكية وفي مقدمتها العراق الغني القوي وليبيا كنز الصحراء وسوريا قلب العروبة النابض، كما كان يحلو للبعض تسميتها. لقد أتى يوم الحساب وعليها دفع الثمن للذئاب المنتصرة.
ولم تكن الدول العربية غير محتاجة الى تغيير، ولم تكن أنظمتها بريئة من الظلم كبراءة الذئب من دم يوسف. لقد كان قد عفا عنها الزمن قدرة وعدالة وأمانة! وباتت ظالمة لأنفسها قبل شعوبها، مستحقة للتغيير الشامل.

أعود الى سوريا الشعب وما حل ويحل بها.
عندما يريد الآخرون تدمير بلد وشعب ما تراهم يروحوا يبحثوا عن ما يناسبهم ويناسبه من أدوات وطرق تدمير في ظل الظروف والامكانات المتاحة، سياسياً واقتصادياً واعلامياً وقانونياً، وللأسف آخر أخراها، إنسانياً!
وهكذا ‘ستغلوا ما أسموه بالربيع العربي مساهمين في إجهاض جنينه ووليده المنتظر والمؤمل!
لقد كانوا بالامس قد تعاملوا مع ذات الانظمة التي راحوا يشاركون اليوم في تدميرها ولكن بأساليب وطرق مختلفة، بالطبع، ولا غرابة في ذلك، إنها لعبة السياسة! إنهم يعرفون الشعب السوري في مكوناته وتاريخه وأديانه ومذاهبه وعرقياته وطوائفه وطبقاته الاجتماعية واقتصاده وآليات حياته اليومية وغيرها مما يمكن تسييرها من خلاله. انهم يعرفون محيط سوريا جيداً وما يبغونه ويتعاملون معه وفق ما يريدونه من سوريا ولها. فلتركيا وللبنان ولاسرائيل وللعراق وللاردن وما حولها وما بعدها رؤى ومصالح وطموحات في سوريا التي يريدون.  وهذه، كذلك، مسألة واقعية في الحياة الانسانية والعلاقات الدولية.
إن “الأقوياء” يرسموا الخرائط بما تشتهي أنفسهم ويحقق مصالحهم وأطماعهم سياسة واقتصاداً وهيمنة! ويعملوا ليل نهار على تحقيقها طالما كان لذلك سبيلاً…
تاجروا بالديمقراطية ضد الديكتاتورية وبالعدالة ضد الظلم وبالتقدم ضد التخلف وبحقوق الاقليات ضد الأكثرية وبالمسيحية ضد الاسلامية وبالكردية ضد العربية وبالسنية ضد العلوية وبالشعوبية ضد القومية وبالعلمانية ضد الدينية وباليسارية ضد اليمينية وبكل المتضادات ونجحوا في تدمير سوريا وشعبها قتلاً وتشريداً وتمزيقاً، حتى باتت خرائب وأنقاض ونفوس متنافرة…
لقد أدار الأشرار الحرب، ولا يزالوا، وأمعنوا في سحق سوريا التاريخ والحضارة والمقاومة، فلا الأسد مات أو تنحى، ولا الشعب رضى بالامر الواقع وخنع..  وما زال الدم ينزف وتتعالى صرخات الايتام والثكالى…
لقد رسموها سياسة تدمير ونهب وهيمنة وأنابوا عنهم دولاً إقليمية ليستمر لهيب الحرب والدمار…
متى يصحو وعينا ومتى يولد ضميرنا ومتى تنتشي فينا الكرامة وتسمو نفوسنا؟!

إنها الإرادة والأمل وبالله الاستعانة….