الحفاظ على الكوكب .. حفاظا على الحضارة الإنسانية

الدليل ـ برلين

منذ حوالي ثلاث سنوات، اجتمع المجتمع الدولي في مدينة باريس من أجل بناء نهج جماعي مشترك لمكافحة تغير المناخ. وقد اتفقت حكومات العالم في هذه القمة على بذل الجهود للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى “أقل بكثير” من مستوى درجتين مئويتين، من الحد الذي كانت عليه في حقبة ما قبل الصناعة (أو، وإذا أمكن، تثبيتها على مستوى الـ 1.5 درجة مئوية أعلى من تلك الحقبة).

في تموز/يوليو من هذا العام، فاقت درجة الحرارة تلك المستويات  بـ 1.2 درجة مئوية – لتطابق أو حتى تفوق أعلى رقم وصلته أكثر الشهور حرارة منذ بدء تسجيل درجات الحرارة عالميا. وهذا النزوع في ارتفاع الحرارة ما زال ماضيا في التصاعد. وتشير الأحداث المناخية القاسية، التي نشهدها في مختلف أنحاء العالم، إلى أن الكوكب يمضي نحو قياسات حرارة تمثل “السنوات الخمس الأكثر حرارة على الإطلاق” وفقا للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش.

يقول السيد غوتيريش إننا الآن منخرطون في “سباق للحد من تغير المناخ”، فهل يحقق العالم نجاحا في اتجاه كسب السباق؟

تقارير مرعبة

الكتل الجليدية في القطبين المتجمدين هي رموز قويّة عن تفاقم السخونة في الكرة الأرضيّة، لكن تقريراً علمياً يقترح أيضاً أنها تفاقم تأثير التغيّر في المناخ على الكوكب بأسره.

وفيما تذوب القمم الثلجيّة في “غرينلاند” والقطب الجنوبي، يفكر العلماء في أنّ تدفق المياه سوف يفجر أحوالاً مناخيّة متطرفّة ويثير اضطراباً في التيارات المائية الكبرى في المحيطات.

تفيد الحكمة التقليدية بأنّ النتيجة الأكثر إثارة للقلق لذوبان القطبين ستكون في تأثير كميّات المياه المتأتية من تلك الخزّانات المائيّة الكبرى، على مستويات المياه في البحار.

في المقابل، تتحدّى دراستان جديدتان نُشِرَتا في مجلة “نايتشر” العلميّة، ذلك المفهوم التقليدي. إذ تظهرّان مرّة أخرى مدى تعقيد العوامل البيئيّة التي يتوجّب على العلماء أخذها في الحسبان في سياق توقّعاتهم في شأن التغيّر المناخي.

وحاضراً، تتّجه معدلات حرارة الكوكب عالميّاً، لتكون عند نهاية القرن الحالي أعلى أكثر بـ 3 درجات مما كانته قبل الثورة الصناعيّة.

ويتوقّع أن يعمل ذلك على تسريع ذوبان كتل الثلج وزيادة مستويات المياه في البحار، مع تهديد المجتمعات الساحليّة عالميّاً، وإدخال الجُزُر المنخفضة في حال تهديد وجودي.

لكن، من شأن تلقي المحيطات مزيداً من المياه الذائبة الدافئة، أن يولّد تأثيراً أكثر تعقيداً من مجرد التغيير في مستويات البحار. إذ يشمل ذلك أيضاً تخفيف قوّة التيارات المائيّة الكبرى في المحيطات مثل التغيّر في حرارة الهواء على طرفَي الأطلسي، والتبدّل في “تيار الخليج” الشهير، الذي يعبر المحيط الأطلسي مقبلاً من مناطق دافئة في أميركا، ويؤدي دوراً محوريّاً في أحوال الطقس في أوروبا صيفاً.

وسبق للعلماء أن حذّروا من تباطؤ “دورة التبادل البحري” في المحيط الأطلسي، وهي مجموعة من التيارات التي تنقل مياهاً دافئة من مناطق مداريّة في أميركا إلى القطب الشمالي، بواسطة “تيار الخليج”.

وفي تحليل جديد، توقّعت مجموعة بحث عالميّة حدوث “فوضى مناخيّة” مع تدفق كميات متزايدة من المياه الذائبة، في اتّجاه المحيطات ما سيولّد تأثيرات في أحوال الطقس خلال العقود القليلة المقبلة.

“ستُحدِث المياه المتأتية من ذوبان كتل الثلج في القطبين، اضطراباً واضحاً في المناخ العالمي، ما يجعل الحرارة في بعض المناطق تتقلّب بشدّة من سنة إلى أخرى… ذلك الحال من اللاتوقع في شأن المناخ سينجم عنه اضطراب شديد في حيواتنا جميعاً، ما يجعل التخطيط لملافاة التغيّر المناخي وتبني خطط إستراتيجية في شأنه، أموراً فائقة الصعوبة”، وفق كلمات البروفسور نيك كولدج من “جامعة فيكتوريا” في “ولنغتون” في نيوزيلندا.

في الجزء الثاني من تحليلهم، تفحص البحّاثة بيانات عن أحوال الارتفاع في مستويات مياه البحار في الماضي، كي يتمكنوا من الحسم في شأن مقولة إشكاليّة عن إمكان ارتفاع مستويات البحار بقرابة المتر مع حلول العام 2100، بسبب تهاوي القمم الجليديّة الكبرى.

ووجدوا أن الارتفاع في مستويات البحار ربما لن يصل إلى ذلك المستوى، لكن تأثيراته ستكون مدمرة.

“لا ترتفع مستويات المياه في البحار بمثل بساطة امتلاء حوض الحمام بالماء… بعض المناطق مثل الجُزُر التي يعيش على كل منها شعب بأكمله في المحيط الهادئ، ستعاني ارتفاعاً كبيراً في مستويات البحار، فيما تشهد الجزر القريبة من المسطحات الجليديّة الكبرى انخفاضاً في تلك المستويات”، وفق كلمات البروفسور نتاليا غوميز من جامعة “ماكغيل” الكندية.

وأورد العلماء أنّ السياسات الجارية المستندة إلى “اتفاق باريس للمناخ” لا تأخذ بالحسبان كل تأثيرات ذوبان الثلوج عند القطبين.

هل هي النهاية؟

وكشف باحثون أستراليون من المركز الوطني الأسترالي لإعادة هيكلة المناخ، عن دراسة حديثة أكدت أن انهيار الحضارة البشرية سيكون خلال السنوات المقبلة، وصمموا نموذجا لكارثة التغير المناخي، وحذروا من أن الكارثة تهدد بإبادة الحياة.

وحذر الباحثون من خطورة ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين، لتجنب كارثة كبرى في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن يرتفع منسوب مياه سطح البحر بمقدار 0.5 متر، ما يؤدي لحدوث ارتفاع منسوب المياه يصل إلى 25 مترا.

وأكد الباحثون أن حجم الدمار الذي سيحدث نتيجة للتغير المناخي ينهي الحضارة الإنسانية، وحدوث تدمير واسع النطاق في جميع أنحاء العالم، وحدوث تصحر حاد في  جنوب إفريقيا وجنوب البحر المتوسط، وغرب آسيا والشرق الأوسط وأستراليا الداخلية، بالإضافة لانهيار النظم الإيكولوجية مثل الشعاب المرجانية وانهيار القطب الشمالي.

ونصح الباحثون بضرورة بناء نظام صناعي خال من الانبعاثات في أسرع وقت للحفاظ على الحضارة الإنسانية.

.