أيّامُ الأدبِ العربيّ الألمانيّ في برلين

no images were found

 

  

 

 

موسى الزعيم

 

في المكتبةِ المركزيّة وسطَ العاصمةِ الألمانيةِ برلين، بدأتْ فعّاليات أيّام الأدب العربيّ الألمانيّ في 10ـ11/2/2018  وسطَ حُضورٍ لافتٍ للمهتمين بالأدبِ والشّعر من العرب والألمان.

انطلقتْ أيامُ الأدب، بالتزامنِ مع نقلِ المكتبةِ العربية “بيناتنا” إلى المكتبة المركزيّة الألمانية لتكونَ جزءاً منها، وبجناحٍ خاصّ بها، مُخصّصٍ للكتبِ والأنشطة الأدبيّة العربيّة.

في حفل افتتاح المكتبة، أكّد الّسيد مدير مكتبة برلين العامة على أهمّية افتتاح المكتبة العربية وأضاف، إنّ برلين ليستْ مدينة قديمةً بقدرما هي فكرةٌ مُعاصرةٌ، تستوعبُ كافّة الأطياف و المكوّنات الثقافيّة والاجتماعية، فالقادمون إليها يضيفون كلّ يومٍ مفردةً جديدةً إلى قاموسها اللّغويّ، وطبخةً جديدةً إلى مَطبخِها، وحالةً ثقافيّةً وفنيّةً إلى مكونها الحضاريّ المعاصر .

كما أكّد على الدّعم المادّي والمعنويّ الذي قدّمه عُمدة برلين مشكوراً، لإنشاء المكتبة العربية .

ومع انطلاقة أيام الأدب، شكر الشّاعر والصحفيّ رامي العاشق كلّ الداعمين للمشروع والمشاركين فيه، كما أعلن عن انطلاقة مجلّة ” فن ” التّي ستصدرُ باللغتين العربيّة والألمانية، والتي سترصدُ المشهدَ الثقافيّ العربيّ والألماني، ثمّ أهدى العاشقُ فعّاليات أيام الأدب، للأدباءِ والكتابِ العرب الذين يقبعون في السجّون السياسيّة العربيّة .

ثم انطلقت الفعالية بمقطوعاتٍ موسيقيّةٍ شرقيّةٍ، عزفَ فيها على العود الفنّان وسيم المقداد من سوريا، وعلى الناي فالنتينا بيلانوفا من ايطاليا ، وشينغو ماسودا على القانون من اليابان.

انتقلَ الحضورُ بعدها إلى القاعةِ المركزيّة في المكتبةِ، حيث سُمّيَ الدكتورعادل قره شولي رئيساً فخريّاً لفعالياتِ أيامِ الأدب العربيّ الألمانيّ .

عادل قره شولي الشّاعر السوري المقيم في ليبزغ منذ خمسينَ عاماً، من مواليد دمشق عام 1936 حاصلٌ على الدكتوراه في تاريخِ الأدبِ الألمانيّ والعلومِ المسرحيّة من جامعة ليبزيغ 1970 عملَ استاذاً جامعياً في جامعتها، ولهُ عددٌ من الدّراساتِ النّقديّة والتّرجماتِ  في مسرحِ الكاتب الألمانيّ  “بريخت” وعددٌ من الدواوين الشّعريّة، منها موّال في الغُربة، و الخروجُ من الذّاتِ الأحاديّةِ.

 ألقى قره شولي  قصيدتين شعريّتين باللغتين العربيّة والألمانيّة، الأولى بعنوان “إنّها القصيدة” والثانية  “حوار مع الموت في الثمانين” لاقتْ قصائدهُ استحسانَ الحضور، لما تمزجهُ بين الفلسفةِ والوجدانِ الصّافي .

بعدها احتفى الحضور في النّدوة الأولى بالشّاعر السّوري فرج بيرقدار القادم من السويد والشاعرة الألمانية مونيكا رينك .

فرج بيرقدار الذي تُرجمتْ أعماله إلى عددٍ من الّلغات، والذي قضى أربعةَ عشرَعاماً في السجون السياسيّة، قرأ عدداً من قصائدهِ من ديوان “مرايا الغِياب” الذي تُرجم أيضاً إلى اللغة الألمانية، تناولَ مع الشاعرة الألمانية موضوعَ الغيابِ من وجهتي نظرٍمختلفة في الأدبين، بين التغييب السياسيّ والتغييبِ الإنساني، تبادل الشاعران قراءة النصوص باللغتين وأدارَ الحوارَ الشّاعرُ رامي العاشق، الذي أفسحَ المجالَ لتساؤلات الحضور.

بعدَ استراحةِ طعام شرقيّ بدأتْ الجلسة الثانية.

مع الشّاعرة الفلسطينيّة القادمةِ من حيفا أسماء عزايزة والشّاعرة الألمانية نورا بوسونغ .

أسماء عزايزة الشّاعرة والإعلاميّة التي صدر لها عددٌ من الدواوين الشّعريّة وحصلت على جائزة الكاتب الشّاب عن ديوانها  الأوّل “ليوا” في  الشعر .

ألقت الشّاعرةُ عدداً من القصائدَ، تناولتْ فيها الهمّ العربيّ والإنسانيّ والقضيّة الفلسطينيّة،  كما تبادلتْ قراءة النّصوص مع الشاعرة مونيكا، ثم تناقش الحضور في موضوعاتِ الشّعر المشتركة في الأدبين العربي والألماني، أدارتْ الحوار الدكتورة الألمانية اينيس .

الشاعرة نورا بوسونغ من مواليد بريمن عام 1982 درست الفلسفة والأدب المقارن أصدرت عدداً من الدّواوين الشّعريّة منها “الصّيف أمامَ الجّدران ”  ورواية “مجتمع ذو مسؤوليّة ” وحصلتْ على عددٍ من الجوائز الأدبيّة، منها جائزة برلين للفنون، وجائزة بيتر هوشيل .

خُتم اليومُ الأوّل، بحفلةٍ موسيقيةٍ شرقيّةٍ ، في صالة المكتبة لفرقة مطرالفنيّة.

في اليوم الثاني بدأتْ الفعاليات في السّاعة الثّانية، حيثُ كان الحضورُعلى موعدٍ مع الفّنان اللبنانيّ مازن كرباج، والفنّانة الألمانيّة باولا بولينغ في صالون الكوميك، أدارتْ الجلسة الصحفيّة والشّاعرة الألمانيّة ليليان بيتان.

وفنُّ الكوميك يقوم على رسم أحداث قصّة قصيرة، أو مشاهدَ من الحياة اليوميّة بطريقةٍ فنيّةٍ إبداعيّة جديدةٍ، تُرفَقُ بحواراتِ الشخصيّاتِ، مكتوبةً أعلى اللّوحةِ، بعدها قرأ الفنانان نصوصاً قصصيّةً مرسومةً، تفاعل الحضور مع النص القصصيّ واللّوحة المعروضة على الشاشة .

مازن كرباج  فنّانٌ لبناني يَشتغل على فنّ الكوميك ويمزجهُ بنصوص ٍ قصصّيةٍ وحواراتٍ  تحملُ روحَ السُّخريةِ حينا ً والألم حيناً آخر، يَستقي موضوعاتهِ من بيروت المدينة والأحداث التّي مرّتْ بها .

أمّا الفنانة باولا فلها تجربةٌ خاصّة مع هذا الفنّ في الجزائر، حيث قرأتْ قصصاً مرسومةً من ذاكرة المكان في رحلتها إلى هناك، و التّى جعلتها على شكل  ” كتاب رسائل ” موجهة لأصدقاءَ عرفتهم خلالَ رحلتها، رسمتْ لهم  أحداثَ تلك الأيام من حياتها في الجزائر  .

 بعد ذلك عزفَ الفّنان مازن كرباج مقطوعاتٍ موسيقيةٍ على آله الترومبيت، شاركته باولا في رسمِ ايحاءاتِ الموسيقا بشكلٍ مباشرٍ، بثلاثِ لوحاتٍ تفاعليّة أمام الجمهور.

الجَلسة الثانية كانت مُخصّصة للرّواية مع الروائي السّوداني المُقيم في النمسا عبد العزيز بركة ساكن، والمترجم الألماني غونتر أورت الذي ترجمَ رواية بركة “مسيحُ دارفور”.

الرّوائي السّوداني المعروف، الحاصل على عدد من الجوائز العربية منها جائزة الطّيب صالح للإبداع الكتابي هو من أصحاب الكتابات الواقعية وقليلاً مايلجأ إلى الفنتازيا، ويستخدم العامية السّودانية في كتاباتهِ بكثرةٍ، خاصّةً في حواراتِ أبطاله، وقد عدّ النقاد ذلك من عوائقِ انتشارِ كتاباتهِ عربياً وخارجَ السّودان ، صدرَ له عددٌ من الرّوايات منها ثلاثية البلاد الكبيرة، والجنقو مسامير الأرض، موسيقا العِظام، ومخلية الخندريس والرّجل الخراب، وعدد من المجموعاتِ القصصيّة .

قرأ الروائيّ مقاطع من روايته مسيح دارفور بالعربية، ثم  قرأها بالألمانيّة غونتر أورت، بعدها تحدّث الروائيّ والمُترجم عن أحداثِ الرّواية، وعن سفر المُترجم إلى السّودان، حيث تدور الأحداث هناك ، واطّلع على المُصطلحات الجديدةِ وتفاصيل البيئةِ التي شكّلت الفضاءَ الروائيّ في مسيح دارفور، ثم تحدّث عن عوائق نشر الرّواية  بالألمانيّة، لما يحملهُ العنوان من إشكالية، مع العلم  أنّ الرّواية مُنعتْ من النشرأيضاً في السودان .

يُذكر أنّ الدكتور غونتر أورت حاصلٌ على درجة الدكتوراه في الأدابِ الاسلاميّة واللّغة العربية موضوعُ القّصة القَصيرة، فقد درس في سوريا واليمن ومصر، و ترجمَ لعددٍ من الكتّاب العرب إلى اللغة الألمانية .

في اللقاءِ المسائيّ أيضاً كانَ للرّواية نصيبٌ مع الروائية الفلسطينية نعمة خالد والروائيّة الألمانية سفينيا لايبر.

الأديبة نعمة خالد من مواليد دمشق عام 1957 درستْ الحقوق في جامعة دمشق وعملت صحفيّة وناقدة في عدّة صُحفٍ، أصدرت مجموعتها القصصية الأولى “وحشة الجَسد “عام 1996 ثم أصدرتْ رواية ” البَدد” ورواية ” ليلة الحنّة” التي تُرجمت إلى الّلغة الألمانية، حيث قرأت الروائية مقطعاً منها ، تدور أحداث الرواية  في أحدِ مخيّمات اللّجوء الفلسطينيّ، المقطع مُشبعٌ بالتراث الفلسطينيّ أغاني وأهاريجَ العُرس الفلسطينيّ كانت حاضرة وبدتْ ذاتَ نكهةٍ خاصةٍ حين قرأتها الأديبة بصوت شجيّ معّبر.

أمّا الكاتبة الألمانية سفينيا، فقد نشأت في هامبورغ، درستْ الأدب وتاريخ الفنّ،عاشتْ فترةً من حياتها في المملكةِ العربيّة السعوديّة، أصدرت عدّة روايات، منها رواية “غبار” التي تدورُ أحداثها بين السعوديّة وألمانيا والأردن، قرأتْ الكاتبة  مقطعاً من “غُبار”  ثم تبادلتْ الأديبتان قراءةَ النصوصِ المُترجمةِ لكليهما .

دار بعدها حوارٌ حولَ المشتركِ بين الفضاءِ الروائيّ العربيّ والألمانيّ.

يُذكر أنّ أيام الأدب رافقتها صالةٌ لعرضِ وبيعِ الكتبِ العربيّة وتوقيعِ الكتّاب المشاركين عليها .

وفي حديثٍ خاصّ لمجلّة الدّليل مع الشّاعر رامي العاشق مديُر أيامِ الأدب، أكّد على سَعي  الفريق المُنظّم أن تكونَ الفعاليّة دوريّة سنويّة، وأن تكونَ جزءاً أصيلاً من المشهد الثقافيّ الألمانيّ، وليسَ وافداً عليهِ أو حالةً عابرةً، ويأملُ في السنواتِ القادمةِ أن تتسعَ دائرة المشاركاتِ الأدبيّة، لتشملَ فنوناً إبداعيّة أخرى، كالقّصة القصيرةِ والمسرح والنّقد الأدبي .