أم المشاكل : البقاء للأصلح والترحيل هو الأفضل

 

د/ أمير حمد

لم تزل قضية اللاجئين هم ألمانيا الشاغل ومسرح أحداثها على صعيد الصحافة والإعلام، بل والشارع العام لاسيما في الشهر الماضي الذي قتل فيه سوري وعراقي شاب ألماني. هز هذا الحادث ألمانيا “الشرقية” وأجج الشعور القومي وتضامن الأحزاب الراديكالية والنازية مع بعضها البعض في وجه اللاجئين والأجانب عموما.

نقرأ في هذا المقال التطورات الخاصة بملف اللاجئين في ألمانيا والذي أصبح ملفا يهدد منصب المستشارة نفسها وتقييم صورة ألمانيا.

ليس غريبا أن بروز دور الكنائس، لاسيما الكاثوليكية منها في تقديم أعمال أكبر والوقوف إلى جانب الأجانب وتشجيع مناهضة العداء للسامية وكذلك تأمين اللجوء واللاجئين. حدث هذا الأخير باعتراض الكنائس على اتهام وزارة داخلية ألمانيا لها بخرقها للقانون لاحتواء الكنائس أكثر من 523 لاجئ لإعانتهم والسماح لهم  بحق اللجوء الكنسي.

كان وقد طلب دي ميزير وزير الداخلية السابق بإسقاط اللجوء الكنسي، بجر الكنيسة إلى حوار ديمقراطي لا يتنافى مع هوية ألمانيا المسيحية. أما زيهوفر وزير الداخلية الحالي فمشغول بحل أزمة اللاجئين من جذورها وبكل الطرق، لاسيما الراديكالية منها كما تتبع حكومة إيطاليا والمجر.

يقول زيهوفر بأن أكبر خطر مر على ألمانيا بعد الحرب الثانية هو فتح ميركل لحدود ألمانيا عام 2015، اذ تسرب بين اللاجئين المجرمين والإرهابيين وغير المؤهلين الكسالى الراغبين في الدعم الاجتماعي دون تقديم أدنى قسط من العمل أو اضافة انجاز يذكر إلى ألمانيا … إنها ” أم المشاكل”.

جدير بالذكر بأنه ببداية شهر سبتمبر خرجت مظاهرة مطالبة بترحيل اللاجئين، وأعلن المتظاهرين علنا تضامنهم مع الأحزاب الراديكالية وتفهمهم بل وولاء بعضهم للنازية. خرجت هذه المظاهرة الضخمة في مدينة كمنيتس “الشرقية” اثر مقتل شخص ألماني من أصل كوبي على يد سوري وعراقي ألمانيا طعنا بالسكين، خرجت هذه المظاهرة بعد أن تسربت مجريات محاكمة اللاجئين المذكورين في الانترنت والشبكة الاجتماعية مما هدد حياة الشهود والقاضية ومحامي الدفاع.

أما زيهوفر وزير الداخلية فلم ير ضرورة لتصعيد المشهد ـ ربما لانشغاله بانتخابات حزبه ـ  رفض زيهوفر مراقبة حزب البديل لميوله إلى النازية من قبل مكتب حماية الدستور، وذلك رغم مطالبة حزب اليسار والخضر وبعض برلمانيي حزب CDU الحاكم.

ما يهمنا هنا هو لفت النظر إلى قضية اللاجئين، قضية جنائية أتت في وقت وظرف حرج، مما مهد لزيادة الشعور القومي الالماني وصعود كراهة الأجانب إلى الذاكرة الألمانية، ونسيان هجرة ولجوء الألمان أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية.

يقول هايكو ماس وزير خارجية ألمانيا بأن بلاده تعاني من سوء سمعتها في الخارج بسبب هذا العداء للأجانب واللاجئين بعد أن شهد العالم تعاطفنا مع اللاجئين ومنحهم حق اللجوء ودمجهم في مجتمعنا.

وجدت هذه المظاهرة وحدها صدى واسعا في روسيا، اذ ذكرت اذاعة روسيا اليوم بأن ألمانيا أصبحت دولة مهددة بخطر الأجانب مما دعا كثير من الروس لمبارحتها، وتصدرت المجر وايطاليا تشويه صورة ألمانيا بانشغالها بحادث اللاجئين هذين واعتبرت نظامهما الراديكالي الحاسم ضد اللاجئين أفضل وأنجح رد على إيقاف وضبط هجرة اللاجئين. ننوه بأن أعضاء حزب البديل الشباب في ولاية بريمن و نيدرساكسن خضعوا لمراقبة مكتب حماية الدستور لاتهامهم بالتورط مع التيارات النازية.

تحركات مضادة

من جانب آخر تحركت السيدة “فاجن كنيشت” وزوجها “اوسكار لافوتين” السياسي اليساري المحنك ومؤسس حزب اليسار بتقديم خطة عمل لمشروع “انهض” المدافع عن الأجانب والاشتراكية والديمقراطية في ألمانيا. أما ميركل والرابطة الأوروبية فقد نهضا بدورهما من جديد لإيقاف وحد هجرة اللاجئين الافارقة اذ دفعت للنيجر وحدها 200 مليون يورو باعتبارها دولة الممر للأفارقة إلى ليبيا ولمكافحة الفقر وبطالة الشباب والجفاف ليظل مواطنوها في موطنهم ويغلق خط هجرة مواطنين غرب افريقيا عبر النيجر إلى ليبيا ومن ثم إلى جنوب أوروبا.

في هذا الصدد صرح رئيس وزراء حكومة ايطاليا اليميني الرافض للهجرة بأنه سيتبع نظام استراليا بإرجاع اللاجئين في البحر قبل الوصول إلى ساحل بلاده، يقول يجب ايقاف وباء اللاجئين من جذوره قبل أن يتفشى بدخولهم إلى ايطاليا. وذهب أكثر مثل أوربان رئيس وزراء المجر بنقد سياسة ميركل المتسامحة مع اللاجئين، اذ يرى بأن تسرب وباء اللاجئين في أوروبا بسبب سياستها واستشهد بالإرهاب الاسلاموي على يد اللاجئ الأفغاني في هولندا ( مؤامرة كاريكاتير رسم الرسول).

وردت ميركل على الاتهام الموجه لسياستها هذه بأنها تعلمت من أخطاء فتح حدود ألمانيا عام 2015، بل ومن التاريخ الألماني بدءً بأخطاء النازية وجرائمهم بل وقبلها في امبراطورية بسمارك.

ذكرت مواصلة بأن ألمانيا لم تختار اللاجئين اختيارا وإنما راعت في البدء ايوائهم وإخراجهم من مغبة الحرب إلا أن هذا الاعتبار جاء مصحوبا بتسلل الارهابيين والفوضويين وغير المرغوب فيهم.

ختاما نذكر بأن انفتاح ألمانيا والرابطة بل وانجلترا على افريقيا مؤخرا بدعم مالي وإقامة مشاريع الطاقة الشمسية كما فعلت ألمانيا لنهضة افريقيا وإبقاء شبابها بداخلها وكبح الهجرة السرية الخطيرة جاء مصحوبا بتحدي الصين التي دعت افريقيا بمبلغ 60 مليار يورو لتنمية وتمكين بنيتها التحتية. يقول رئيس وزراء الصين بأن بلاده ليست امبريالية جديدة كما يتهمها الغرب وإنما دولة بمشروع انساني لا تتدخل في سياسة أفريقيا أو تحاصرها اقتصاديا كما تعمل أمريكا والغرب بشكل غير مباشر.

محاور داخلية

انتقد معظم أعضاء حزب اليسار رئيسته السيدة فاجن كنيشت لمشروعها المقترح الموسوم باسم “انهض”، اذ اعتبروه دعوة لشق الصف السياسي. لم يكن غريبا ذلك وفاجن كنيشت انتُقدت من قبل بشدة لدعوتها بإغلاق حدود ألمانيا في وجه اللاجئين، اذ صرحت بأن ألمانيا لن تستطيع احتواء كل اللاجئين وعليه فإن من الأفضل دمج الموجودين منهم بداخلها وكبح الخلاف الشديد بين السياسة الألمانية والمواطنين الألمان الرافضين للاجئين خوفا من تقليص فرص عملهم وتسرب الارهابيين من بينهم بعد أن تبين وجود ارهابيين منسلين قتلوا وفجروا في ألمانيا وأوروبا.

يقول زيهوفر في هذا المقام بأن دمج اللاجئين لم يتم كما افترض له تحت شعار “الثقافة الألمانية الموجهة” وأن معظم اللاجئين غير راغبين في احترام القانون والإجراءات الألمانية، لاسيما الخاصة بأمنها والمدافعة عن عاداتها، هذا وذهب مؤكدا بفشل اندماجهم في ولاية “بادن فيرتمبرج” الثرية التي قلصت فرصة تدريبهم وتعليمهم وسارعت بتسفيرهم تماما كما فعلت النمسا التي آثرت تسفيرهم على تدريبهم لسد فراغ أكثر من 15000 خانة عمل شاغرة لاسيما في قطاع العناية بالعجزة.

بمثل هذا النقد اعترض كثير من برلمانيي الحزب الاشتراكي SPD  والمعارضة على رفع ميزانية الدفاع الألمانية في غضون الخمس سنوات القادمة إلى 1.5% أي إلى 6 مليار يورو. يقول متحدث حزب الخضر المعارض أن حكومة ميركل استجابت إلى نداء وضغط ترامب برفع ميزانية الدفاع وان تعذرت برفضها 2% المطلوبة كحد أدنى، ويقول مواصلا أن ألمانيا بارحت سياسة التسليح وهي في طريقها قدما إلى تنمية أفريقيا ودعم اللاجئين وليس الصراع على منصب التسليح العالمي كما تقول روسيا وأمريكا للهيمنة على العالم قسرا ومزج خارطته لصالحها.

استيلاء عدائي

كان وقد تطرقت مجلة الدليل لكتابي Thilo Sarrazin وكتاب Heinz Buschkowsky عمدة حي نويكلن الأسبق الرافضين للأجانب واللاجئين باعتبارهم شريحة غير منجزة وغير قادرة على الاندماج. يقول زاراتسين في كتابه الثاني الأخير بأن ألمانيا ستتحول إلى دولة مهجر يسودها الأجانب بثقافة شرقية وإسلام ارهابي فيما يتقلص الألمان وتموت ثقافتهم الغربية والمسيحية. هذا كما وجه نقد حاد قائم على استاتيكيا إلى حكومة ميركل بفتحها الحدود للاجئين، يقول أن شريحة الأجانب الموجودة في ألمانيا والشرائح الجيدة كذلك غير مؤهلة وغير قادرة على الحفاظ على هوية ألمانيا الثقافية ومكانتها الاقتصادية والآلية في العالم.

رفض كثير من البرلمانيين قراءة كتابه هذا بل وطالبوا مجددا بفصله من حزب SPD  الاشتراكي المساند للهجرة ودمج اللاجئين بل واعتبر معظم أعضاء حزب SPD زاراتسين اساءة إلى الحزب، أما هو فلا يرى سوى انه يقدم الحقائق ويبرر خوف الألمان من الاسلام والأجانب وقناعته التامة ورضاؤه بانتمائه إلى حزب SPD ورفضه بالتالي لفصله منه.

جاء في أكثر من تقرير صحفي بأن أكثر من نصف مليون لاجئ مرفوضة طلباتهم يعيشون في ألمانيا أكثر من ست سنوات معظمهم من تركيا والبقية من شرق أوروبا، هذا كما نص التقرير بأن معظم هؤلاء المرفوضين استطاعوا البقاء في ألمانيا والتمتع بإقامة محددة أو مفتوحة بسبب دخولهم سوق العمل ورعاية العجزة مثلا أو عدم استتاب أمن بلادهم وفوضى الاجراءات والموظفين في وزارات الداخلية .

جاء هذا التقرير ردا على اتهام حزب AFD لحكومة ميركل ببقاء اللاجئين المرفوضين في ألمانيا رغم توجب تسفيرهم كاللاجئين العراقيين والسوريين المتسببين في قتل ألماني بمدينة كمنتس الشرقية. يقول متحدث حزب CDU الحاكم بأن حزب AFD فشل سياسيا وأوضح تعامله مع النازيين كما جرى في مظاهرة كمنتس بمسيرته جنبا إلى جنب مع حركة بيغيدا وبرو كمنتس النازيتين.

لم يصمت ترامب الامريكي عن نقد سياسة ألمانيا الخاصة باللاجئين اذ أظهر حادثة كمنتس هذه كتأكيد على مصداقية ونجاح مشروعه الحاسم الرادع لإيقاف هجرة اللاجئين كما فعل مع النازحين من المكسيك. تقول صحيفة تايمز بأن ترامب مهددا بالفشل في انتخابات نوفمبر القادمة لذا يستغل الفرص لكسب ود مشجعيه وكسب أصوات جديدة. تقول الصحيفة مواصلة بأن ترامب أعلن عداءه لألمانيا بدليل حربه الاقتصادية على شركات سياراتها وشركات الأدوية والكيماويات بموافقته على فرض تعويضات للمصابين بالسرطان بسبب العقاقير المستخدمة من هذه الشركات. بل ويذهب الخبر بأن تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز كرد على الحصار الاقتصادي الأمريكي مدعاة لترامب لتأكيد قوة أمريكا العسكرية ومقدرتها على تدمير إيران كما دمرت العراق من قبل.

ما يهمنا هنا هو تقاطع السياسة الألمانية الخاصة باللاجئين مع العالم أسره لاسيما أمريكا التي تهدد مواطنيها كما فعلت روسيا  بتصدع امن البلاد ما أن مارست سياسة ميركل الداعية لكل من هب ودب من الأجانب!!!

بقاء أم عودة وترحيل

كان وقد أجريت استاتيكيا حول اللاجئين في ألمانيا فأدلى معظم الألمان بضرورة عودتهم إلى مواطنهم حفاظا على صورة ألمانيا من جانب واستفادة مواطن اللاجئين من عودة أبنائها شريطة أن تأمن حياتهم من ملاحقة حكوماتهم.

في هذا الصدد أبدت ألمانيا استعدادها مع تركيا وروسيا لتعمير سوريا اثر أن زار بوتين ألمانيا وذكر ضرورة تعمير سوريا بعد أن أسهمت قواته  في اخلائها من الارهابيين. جدير بالذكر بأن ميزانية تعمير سوريا لا تقل عن 200 مليار يورو كما أن حكومة ميركل منتقدة بشدة لمشاركتها في هذا المشروع الروسي لتزكية بوتين لنظام الأسد وتدميره لسوريا وقتل الآلاف من الأبرياء والمعارضين ليظل النظام هناك مسيطرا وحاكما.

وكما جدرت الاشارة فإن قضية اللاجئين قضية داخلية وخارجية في آن معا وضعت ألمانيا وأوروبا بل وأمريكا في تحدي لإيجاد حلول كما فعل مثلا رئيس فرنسا.

في استاتيكيا أخيرة مع الشعب الألماني حول مفهوم “الخوف” أكدت الغالبية العظمى تخوفهم من ترامب لتغييره لخارطة العالم وأمريكا بسوء سياسته المصدعة لعلاقة أوروبا بأمريكا. هذا الخوف رهب الألمان من خطورة اللاجئين والإرهاب وتردي وضعهم المالي لمنافسة الأجانب لهم وبالتالي تضييق فرص العمل والزج بهم في شريحة العاطلين.

وكما يبدو فإن شغل ألمانيا الشاغل متمثل في هذه الفترة في قضية اللاجئين وتقليص عددهم وتسفيرهم إلى بلادهم إن أمكن ذلك.

صرح “فايدل” رئيس وزراء ولاية نيدرساكسن بأن ولايته اعتبرت دول المغرب تونس المغرب والجزائر دول آمنة وعليه يمكن تسفير لاجئيها إليها، لهذا السبب زارت المستشارة الجزائر وتمكنت من اقناع الجزائر بعودة مواطنيها من ألمانيا في صفقة سياسية اقتصادية.

نختم هذا المقال لنذكر بأن لاجئي ألمانيا ليسوا سوى شريحة واحدة من شرائح لاجئين كثر في العالم، فلنتذكرهم أيضا.