أزمة تركيا الاقتصادية “تتعملق”

أحمد الجمال

خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني السيادي لتركيا إلى درجة عالية المخاطر قائلة أن خطر أزمة في ميزان المدفوعات يواصل الارتفاع ومعه مخاطر لعجز الحكومة عن السداد.

وخفضت موديز التصنيف إلى “B1” من “Ba3” وأبقت على نظرة مستقبلية سلبية. وكانت موديز قد خفضت التصنيف الائتماني السيادي لتركيا إلى “Ba3” من “Ba2” في أغسطس/آب.

ويأتي تصنيف وكالة موديز ليؤكد الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها أنقرة بسبب السياسات الخارجية والداخلية للرئيس طيب رجب ادروغان.

وحمل مراقبون سياسات الرئيس اردوغان مسؤولية انهيار العملة التركية والتراجع الاقتصادي الحاد وذلك على خلفية التصريحات الحادة للمسؤولين الأتراك تجاه واشنطن بخصوص عدة ملفات أبرزها شراء منظومة صواريخ اس-400 الروسية او الرد على الانتقادات الدولية بخصوص الانقلاب على نتائج الانتخابات البلدية في اسطنبول.او فيما يتعلق بالأزمة السورية.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن أنقرة “سترد بالمثل” إذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها بسبب شراء أنظمة الدفاع الصاروخي إس-400 الروسية في تصعيد جديد لا يراعي الانعكاسات السلبية المحتملة على الاقتصاد التركي وعلى قيمة الليرة.

وكانت العملة التركية شهدت تراجعا كبيرا بعد تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في يناير/كانون الثاني بتدمير الاقتصاد التركي ردا على تحذيرات أطلقها نظيره اردوغان بمهاجمة المناطق الكردية في سوريا.

وتسببت مخاوف بشأن استقلال البنك المركزي التركي وعلاقات تركيا المتوترة مع واشنطن أزمة عملة العام الماضي هبطت خلالها الليرة نحو 30 في المئة.

من الطفرة إلى الانهيار

في السنوات الأولى لحكم العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ حقق الاقتصاد التركي طفرة نمو غير مسبوق، إلا أن محللين أكدوا أن النمو السريع الذي تحقق ينهار اليوم بوتيرة أسرع.

وردا على تصنيف وكالة موديز قالت وزارة المالية التركية إن خفض وكالة موديز التصنيف الائتماني السيادي لتركيا لا يتطابق مع المؤشرات الاقتصادية للبلاد. وقالت الوزارة “القرار لا يتوافق مع المؤشرات الأساسية للاقتصاد التركي وبالتالي فإنه يثير علامات استفهام حول موضوعية وحيادية تحليلات تلك المؤسسة”.

ويأتي رد الوزارة المفرط في الإنكار ليؤكد إمعان تركيا في التعمية على مأزقها الاقتصادي من خلال انتهاج سياسة الهروب الى الأمام وعدم الاعتراف بتبعات السياسات التركية خاصة الخارجية في الإضرار بالاقتصاد.

وتزامنا مع حالة الإنكار التركي تقوم الأجهزة الأمنية بتتبع عدد من الصحفيين الذين فضحوا التراجع الاقتصادي في السنوات الأخيرة. ووافقت محكمة تركية على لائحة اتهام تطلب الحكم بسجن صحفيين اثنين في بلومبرغ و36 شخصا آخر بعد شكوى قدمتها وكالة التنظيم والرقابة المصرفية التركية ضد الصحفيين.

وترتبط لائحة الاتهام بتقرير لبلومبرغ نُشر في أغسطس/آب. وكان هذا التقرير يتعلق بآثار الهبوط الحاد لليرة التركية وكيفية استجابة السلطات والبنوك لذلك.

وقالت لائحة الاتهام إن المتهمين الستة والثلاثين الآخرين يواجهون اتهامات لها صلة بتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن هذا التقرير أو تعليقات اعتبرت انتقادا للاقتصاد التركي.

ويواجه الصحفيان كريم كاراكايا وفرجان يالينكليتش اتهامات بمحاولة تقويض استقرار الاقتصاد التركي والتي تصل عقوبتها إلى السجن من عامين إلى خمسة أعوام. ومن المقرر أن تبدأ محاكمة الصحافيين في 20 أيلول/سبتمبر، بحسب بلومبرغ.

الأزمة الاقتصادية وحقول الغاز

وأكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستواصل التنقيب عن النفط قبالة سواحل قبرص بعد أن دعت دول جنوب أوروبا تركيا إلى وقف أعمالها “غير الشرعية” في المنطقة، قائلا في خطاب متلفز في اسطنبول “نواصل وسنواصل البحث في هذه المناطق التي هي لنا”.

وكانت دول جنوب أوروبا السبع دعت خلال قمة في مالطا تركيا إلى “وقف أعمالها غير الشرعية”، في إشارة إلى عزم أنقرة التنقيب عن النفط في مياه المنطقة الاقتصادية القبرصية الخالصة.

وقالت الدول السبع المنضوية في مجموعة ‘ميد7’ في البيان الختامي للقمة “نأسف بشدة لعدم استجابة تركيا للدعوات المتكررة التي وجّهها الاتحاد الأوروبي والتي دان فيها الأعمال غير الشرعية التي تقوم بها تركيا” في تلك المنطقة.

إلا أن الخارجية التركية وصفت البيان بأنه “منحاز” ومخالف للقانون الدولي، متهمة الاتحاد الأوروبي بالوقوف في صف قبرص واليونان العضوين في الاتحاد.

وأشعل العثور على احتياطات ضخمة للغاز في أعماق البحر المتوسط السباق للوصول للموارد الهائلة تحت قاع البحر.

ولا تسيطر الحكومة القبرصية المعترف بها دوليا سوى على القسم الجنوبي من الجزيرة ومساحته ثلثي مساحة البلاد، في حين أن الشطر الشمالي يخضع لاحتلال تركي منذ العام 1974 عندما تدخلت أنقرة عسكريا ردّا على محاولة انقلاب قام بها قبارصة يونانيون أرادوا ضم الجزيرة إلى اليونان. وتعتبر تركيا هذه المنطقة في المتوسط جزء من جرفها القاري وقد أعطت رخصا للتنقيب لشركات نفط تركية في عامي 2009 و2012.

وحضّت بروكسل وواشنطن في الشهر الماضي أنقرة على إعادة النظر في خططها للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص.

كما وجه الرئيس أردوغان انتقادات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدعمه قبرص والذي قال في أعقاب قمة دول جنوب أوروبا إنّ “الاتحاد الأوروبي لن يظهر أي تراخ ” في هذا الصدد.

وردّ أردوغان “ما الأعمال التي تمتلكها فرنسا هنا؟”، متسائلا “تركيا قوة ضامنة في قبرص. اليونان وبريطانيا قوتان ضامنتان أيضا. من أنتم؟”. وتابع “هل تقوم بهذه التصريحات لمصلحة شركة توتال. هل لديك وكالة للدفاع عنها؟ هل تركت الرئاسة وبدأت الآن العمل كمحام؟”.

وسبق أن وقّعت قبرص عقود تنقيب عن النفط والغاز مع شركات عالمية عملاقة مثل الايطالية ايني والفرنسية توتال والأميركية إكسون موبيل. لكنّ أنقرة تعارض أي تنقيب عن موارد طاقة تستبعد “جمهورية شمال قبرص التركية” المعلنة من طرف واحد والتي لا تعترف بها سوى تركيا.

.