أحاديث ما قبل الانتخابات البرلمانية

نتابع في عدد مجلة الدليل هذا موضوع اللاجئين الذي أصبحت الشغل الشاغل للأحزاب والرابطة الأوروبية. كانت وقد صرحت “تريزا ماي” رئيسة وزراء انجلترا بأن أزمة اللاجئين الراهنة قد رسمت خارطة أوروبا من جديد، إذ خرجت انجلترا خيفة تدفق الأجانب إليها وشنت مرشحة الرئاسة الفرنسية اليمينية المتطرفة حملة على الإسلام والأجانب واللاجئين إذ وصفتهم كالطفيليات وحظر أوربان رئيس المجر دخولهم، فلنواصل عرض مسيرة هؤلاء المستضعفين والمستهدفين من قبل الأحزاب التشهيرية والنازية. ولنتساءل قبل كل شيء أين موقف ودفاع دول الشرق عنهم ؟

فلنبدأ بحزب وزير الخارجية الأشهر جنشر الذي اندثر وعاد من جديد. عاد حزب FDP الليبرالي من جديد اثر أن فقد مقاعده في البرلمان ليعد برنامجه للانتخابات البرلمانية القادمة في سبتمبر هذا العام. وضع هذا الحزب برامجه وفقا للمنافسة الحادة بين الأحزاب التقليدية وأحزاب المعارضة واليمين المتطرف كحزب AFD ، يقول “لندر” رئيسه بأن محور برامج الحزب تكمن في تطوير التعليم ونظام الواقع الرقمي Digtalisierung أما سياسة الأجانب واللاجئين فرسمها هذا الحزب في محورين ـ منح اللاجئين حق اللجوء الإنساني وقبول طلبات اللجوء وفقا للمؤهلات والدورات التعليمية لخدمة ألمانيا أولا قبل دعمهم وتغيير أوضاعهم المالية والاجتماعية.

أما المحور الثاني فيخاطب سياسة )ميركل ـ تركيا / أردوغان) الموقع مع الرابطة اتفاقية اللاجئين المعروفة ـ إعادة اللاجئين إلى تركيا. يقول لندر بأن حزبه يرى ضرورة قطع العلاقة مع اردوغان لتغيير نظامه الديمقراطي إلى نظام عسكري ديكتاتوري هذا إلى جانب اعتقاله لأكثر من 120 صحفي وسجنه لآلاف المعارضين لحكمه، كما أن تركيا كدولة شرقية مسلمة متمسكة بتقاليدها الشرقية التي لا تنسجم مع المنظومة الأوروبية الغربية، أي لا جدوى من محادثات إدراج تركيا في الرابطة الأوروبية. من المعروف بأن عدد من أعضاء هذا الحزب الليبرالي تحولوا للانضمام الى حزب AFD المتطرف الداعي إلى الليبرالية الجديدة الخطيرة المنعطف وإخراج اللاجئين من ألمانيا وضبط النظام الألماني وفقا للوائح المتشددة تجاه الأجانب وإتباع سياسة ونهج الثقافة الألمانية الرائدة. يقول باحث سياسي ألماني بأن الحزب الليبرالي هذا سيعيد مقاعده في البرلمان ولكن بنسبة قليلة لأن برنامجه الانتخابي السابق تقاسمته الأحزاب الأخرى بدربة وساروا في مشواره بخطى واثقة كدعم التعليم والبحوث وفتح باب الهجرة والترحيب بالكوادر المؤهلة ومن جانب أخر محاربة الإرهاب وإرجاع اللاجئين والتدقيق في طلبات لجوئهم ودعم دولهم لإنشاء برامج استقطاب لهم.

 

كان وقد ناقش الإعلام الأمريكي هجوم ترامب لسياسة ميركل الخاصة باللاجئين واعتبروه هجوما سطحيا في كثير من النواحي لاسيما الجانب الإنساني، هذا إلى جانب عدم معرفته  بتفاصيل مسيرة ميركل السياسية الطويلة، 12 عاما مستشارة لألمانيا، لها دربة وخبرة في سياسة الاندماج وعقد الاتفاقيات مع دول اللاجئين لإبقائهم في مواطنهم الأم. نعم فشل ترامب في كل مشاريعه التي وعد بها قبل انتخابه بدءا بصعوبة تشييد جدار فاصل بين المكسيك وأمريكا لإيقاف الهجرة السرية هذا إلى جانب تقليصه لميزانية التعليم والثقافة لصالح رفع ميزانية الدفاع الأمريكي.

يقول ترامب بأنه كان معجبا جدا بميركل إلا انه تخلى عن إعجابه بها اثر أن شجعت فتح حدود أوروبا للاجئين. أن ترامب مزاجي جدا سرعان ما يغير رأيه ـ ربما لعدم دربته السياسية ولشعوره بأن أمريكا خدمت ودافعت عن الدول الأوروبية بلا مقابل الأمر الذي جره لرفع ميزانية دفاع دول الرابطة الأوروبية. يقول غابريل/ الحزب الاشتراكي SPD  وزير خارجية ألمانيا بأن ترامب لا يدرك شيئا عن السياسة الألمانية، فألمانيا لا تدعو إلى التسلح ولا تشن هجوما كما فعلت أمريكا في العراق بل تدعم دول العالم المتضررة والفقيرة ببرامج تعليمية وتدريبية وتشيد ما هدم من المنشآت والجسور والطرقات والمستشفيات وتحفر الآبار الجوفية وتشيد شبكات الكهرباء وفوق كل شيء تقاوم الأمية والفقر.

كان وقد صرح ترامب كمعظم قادة الأحزاب التشهيرية المتطرفة بأن ميركل تستغل وتستخدم الرابطة الأوروبية كحاشية لها ، الأمر الذي حرك انجلترا للخروج منها لتمارس سياستها من داخل برلمانها في “وست منستر” ، أما فتح باب الهجرة للاجئين فتم باقتراح ميركل لتستفيد ألمانيا منهم كأيدي عاملة رخيصة ولسد التحول الديموجرافي.

آراء وآراء .. غير أن ميركل في الواقع تستجب لفتح باب الهجرة لهذه الأغراض السابقة فمعظم اللاجئين غير مؤهلين بل ومنهم أميين كما أنها صرحت من قبل قائلة بأن اللاجئين سيأتون وان شيدت الجدر والأسلاك الشائكة، هذا ما يحدث حتى الآن فكم من قوارب بمئات اللاجئين غرقت في عرض البحر. هنا نتذكر ما قاله أردوغان بأنه لن يترك اللاجئين يغامرون بحياتهم في قلب البحر وبينهم أطفال ونساء وعجزة.

أين ترامب من كل هذه التفاصيل؟ .. ثم أن أمريكا بعيدة جغرافيا عن دول اللاجئين كما أنها رفضت استقطابهم، يقول ترامب دول الشرق المجاورة أولى بهم وليست أمريكا.

 

لاجئون مستضعفون ومستهدفون

ما أن كشفت أوراق ومخطط الضابط الألماني النازي الذي انسل بين اللاجئين بهوية سورية مزيفة، إلا وطالبت المعارضة الألمانية بالتحري التام عن هذه الفوضى والفضيحة التي ألمت بالجيش الألماني، ألغت “فون ديرلاين” وزيرة الدفاع رحلاتها الخارجية للتقصي عن معسكر هذا الضابط وكتيبته، اثر أن كشف عن حوزته لأسلحة مهربة من الجيش واحتمال تفجيره وقتله للاجئين، ليشار إلى ألمانيا بإصبع الاتهام.

ها هي ألمانيا تكتشف سلاحا جديدا ضد اللاجئين المستضعفين إذ تستهدفهم وتحاول القتل والإساءة إلى هويتهم لتتسع الهوة بينهم والألمان. سراعا ما صرح دي ميزير وزير الداخلية بالتقصي عن 2000 طالب لجوء قدموا هذا العام والتحري عن المترجمين المسؤولين للتأكد من تفاصيل هذا المخطط الإرهابي ومحاسبة المشاركين، وكما شن دي ميزير هجوما ونقدا حادا للأحزاب المتطرفة والنازية وحذر من استغلال الهوية وتخويف الألمان من الأجانب، وقع هو في هذه النكبة إذ جاء في ورقته 10 نقاط بأن ألمانيا ليست وطن المسلمين إذ يصافح فيها المرء ولا تحتجب المرأة وراء النقاب ولا تصافح الرجال وأن ألمانيا دولة حوار وديمقراطية وليست دولة دينية ، فيها الحوار والنقد وحرية الصحافة وليس كما هو الحال في عديد من الدول المسلمة، وعليه فقد انُتقد دي ميزير نفسه ووصف بالوزير المتعالي وصاحب الآراء المتهافتة وبلا جدوى. جاء هذا النقد من قبل أحزاب المعارضة وكذلك الحزب الاشتراكي SPD الحليف في الحكم. يقول متحدث هذا الحزب بأن دي ميزير يحاول كسب أصوات منتخبي حزب AFD البديل الكاره للأجانب وهذا خروج على مبدأ وبرنامج حزبه CDU الحاكم الداعي أصلا إلى التسامح واحترام الأجانب والأقليات، هذا من ناحية ومن ناحية فقد مهدت مثل هذه الآراء لكسب أصوات المواطنين مع العلم بأن نسب نجاح حزب CDU ـ حزب ميركل ـ كبيرة وليست بحوجة الى كسب أصوات من اليمين المتطرف والإساءة إلى مبادئ الحزب كما فعل دي ميزير بآرائه الساذجة هذه.

في حديث لأحد الصحفيين في إذاعة انفو في يوم الصحافة العالمي أعرب الصحفي عن نجاح برنامج ألمانيا السياسي لاستقطاب اللاجئين رغم أخطاء استيعابهم دون تحري دقيق عام 2015 واعتبر اتفاقية تركيا والرابطة متميزة لولا  غلو اردوغان والصدفة التي بدأت مع محاولة الانقلاب الأخير عليه وسجنه لأكثر من 120 صحفي من بينهم صحفي في صحيفة “دي فيلت” الألمانية.

نعود ونذكر بأن دي ميزير يزداد يوما بعد يوم صرامة ضد هجرة اللاجئين ويصمم على إرجاعهم من البحر ويشدد في الوقت عينه على تسريع إجراءات ترحيل اللاجئين المرفوضين. أما الهجوم الذي يحدث ضدهم كمحاولة الضابط الألماني المذكور هنا ، فلا يجد لديه سوى اهتمامه سطحيا وتهميشا وتصغير.

يقول دي ميزير بأن مثل هذه الحوادث ضد اللاجئين من قبل النازية حوادث لا يمكن ضبطها ولا تقلق أمن ألمانيا. الأهم أن يتم دمج اللاجئين وفقا للثقافة الألمانية الرائدة. ليس بالغريب أن يناقش علماء الاجتماع وباحثي دراسات الاستعمار الذهنية الألمانية من منظور حداثوي، لاسيما اثر صعود التيار النازي الكاره للأجانب والثقافات الشرقية. ذكر في برنامج مهم في إذاعة فونك الألمانية بأن الذهنية الألمانية تقوم على حب السيادة والضبط والخشونة. استشهد على هذا النمط والمنهج الحياتي باستعمار الألمان لدولة نامبيا وقتلهم كل يوم ما لا يقل عن 20 مواطن من قبيلة الهيدور وبلغت بهم القسوة أن يلزموا الهدور بحرق من قتلوه وتجميع الهياكل والجماجم لترحل إلى ألمانيا ليستفاد منها في تحليل هيئة عظام الأفارقة طمعا في التعرف على كيفية تفكيرهم وحبهم للرقص والغناء. يقول مواطن ناميبي عاش في ألمانيا بأن الألمان لم يعوضوا بعد أحفاد المستعمرين وكل ما فعلوه لا يختلف عن الالتزامات السطحية المماثلة لاتفاقيات اللاجئين الراهنة التي لا يستفيد منها سوى الحكام والحاشية الفاسدة حولهم. نقول هذا ونتذكر أوباما الرئيس الأمريكي السابق الكيني الأصل الذي عانى من الاعتراف به كرئيس للشك في عدم مسيحيته وأمريكيته والضغوط التي جابهته من قبل الجمهوريين والأمريكان لتقريب الهوة بين الأجانب والمواطنين الأمريكان وتحقيق مبدأ المساواة ولو نسبيا. نعم أن أوباما رحل أكثر من 20 ألف مواطن من جنوب أمريكا بإقامات غير شرعية إلا أنه ظل رمزا لكفاح الديمقراطية الأمريكية.

ما يهمنا هنا هو أن أمريكا لا تختلف عن ذهنية الرجل الأوروبي الأبيض في تعاملها مع الآخر المختلف وإقصائه لاسيما إن كان لاجئا.

 

الجيش الألماني تحت المجهر

اثر ان كشف مخطط وهوية الضابط الألماني النازي المنسل بين اللاجئين بهوية سورية أعربت “فون دير لاين” وزيرة الدفاع عن احتدام الفوضى وسط القيادات العسكرية العليا، وعليه اعتذرت عن اتهامها بتفشي الفوضى بين الجنود. من المعلوم بأنه تم فصل مترجمين من وظائفهم كما تم تقديم الضابط الألماني المتهم غلى المحكمة بتهمة تزويره لهوية وتحقيقه لانجاز اغتيالات سياسية تسيء الى سمعة ووجود اللاجئين بألمانيا، هذا كما تم الشروع في مراجعة طلبات اللاجئين المقدمة في هذا العام ـ أكثر من 2000 طلب ـ وكما يتوقع طرد عدد من الجنود من الخدمة.

حدث هذا وألمانيا تستعد لانتخابات سبتمبر البرلمانية مما جعل الحزبين الحاكمين CDU و CSU حليفان يؤكدان صرامتهما ضد الفوضى النازية والفساد في الجيش الألماني هذا إلى جانب التشديد والمراقبة الدقيقة لطلبات اللجوء والتأكد من هوية اللاجئين. هذا كما وضحت صورة التنافس الحاد بين حزب CDU الحاكم و SPD  وتقارب نتائجهما الانتخابية في الولايات. يقول باحث سياسي بأن احتمال فوز حزب CDU برئاسة ميركل كبير جدا وسيكون الحزب الاشتراكي SPD  حليف له كما في هذه الدورة، فالأحزاب الأخرى أحزاب صغيرة رغم تعالي نسبة حزب البديل AFD الكاره للأجانب وربما يتشكل تحالف ثلاثي بين حزب ميركل مع الخضر و FDP الحزب الليبرالي المؤيد لإيقاف هجرة اللاجئين والسماح للأجانب المؤهلين بدخول ألمانيا والعمل فيها.

ما يهنا هنا هو موقف هذه الأحزاب  من سياسة اللاجئين إذ نجد أن مجموعها يتفق على إيقاف أو تقليص هجرة اللاجئين ودمج الموجودين منهم  في المنظومة الاجتماعية والثقافية الألمانية وتأمين حدود ألمانيا من الهجرات السرية ، لاسيما بعد حادثة عمري في برلين وتفشي الخلايا الإرهابية السرية في الولايات الألمانية.

 

خاتمة:

نذكر بأن مجلة الدليل قد تناولت من قبل “دراسة للعرب في برلين” بتوصية من “بربرا يون” مسؤولة الأجانب السابقة جاء فيها تاريخ العرب التجاري مع ألمانيا منذ عام 1000 ميلادية ومن ثم دور الرحالة العرب ومشاركة العرب في الحرب العالمية الأولى، لاسيما عرب شمال افريقيا ومن ثم الثانية وتواصل وجودهم من ثم كطلبة وناشطين سياسيين واجتماعيين ومثقفين واختلاطهم وتزوجهم بالألمان. لم يعرف العرب مثلا هجرة اللجوء إلى ألمانيا في القدم كما هو الحال الآن لظروف الحروب والمطالبة بالتغير الديمقراطي وإنقاذ المواطن.

بهذا المعني تحدث الرئيس الالماني السابق المهتم بدعم الأعمال الطوعية لاسيما في مجال اللجوء… مضى مؤكدا على أن المسلمين والعرب ليسوا بحوجة لحثهم على العمل الطوعي لأن تاريخهم ودينهم علمهم مساعدة المستضعفين وكفل اليتيم واللاجئين.

اترك تعليقاً