موسكو تعلن الانتصار على الدولة الإسلامية بسوريا
عادل فهمي
يثير إعلان روسيا الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا غضب التحالف الدولي الذي يندد بما يسميه “تضليل الوقائع” محذرا من المبالغة في النصر.
وأعلن وزير الدفاع الروسي أن “مهمة الجيش الروسي أنجزت الأراضي السوري أصبحت محررة بالكامل من مقاتلي هذا التنظيم الإرهابي”.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد هذا النصر، خلال زيارة مفاجئة للجنود الروس المتمركزين في سوريا إذ توجه إليهم بالقول “تعودون منتصرين الوطن ينتظركم”، معلنا بذلك انسحاب قسم كبير من القوات الروسية من سوريا.
وعبر التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الذي يقاتل منذ 2014 تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والذي لطالما اتهم الروس بأنهم لا يستهدفون المتطرفين، عن استيائه الشديد من إعلان روسيا النصر.
وقال زير الخارجية الفرنسية “جان ايف لودريان” الذي كان وزيرا للدفاع خلال العمليات العسكرية الأقوى في سوريا، ساخرا “أرى أحيانا أنه من المفاجئ قليلا، أن تنسب روسيا إلى نفسها الانتصار على داعش”. وأكد أن الرئيس السوري “بشار الأسد والروس والإيرانيين وصلوا متأخرين إلى هذه الحرب ضد داعش لا يجب أن يمدحوا أنفسهم على أعمال لم يقوموا بها”.
“تلميع صورة النظام”
واستعادت قوات النظام السوري بدعم من الطيران الروسي وقوى مؤيدة لإيران في تشرين الثاني/نوفمبر آخر مدينتين كانتا لا تزالان تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية هما دير الزور والبوكمال، في شرق البلاد.
وفي تشرين الأول/أكتوبر، حققت قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي، انتصارها الكبير الأول من نوعه عندما استعادت مدينة الرقة التي كانت تعتبر عاصمة تنظيم الدولة الإسلامية، بعد 11 شهرا من المواجهات.
وقال البنتاغون إن روسيا “لم تقد سوى جزء صغير من العمليات ضد الإرهاب” في سوريا ومكافحة تنظيم الدولة الإسلامية “لم يكن ضمن أولوياتها”.
واعتبر التحالف الدولي أنه منذ تدخل روسيا في الصراع السوري في أيلول/سبتمبر 2015، ركز الجيش الروسي اهتمامه على المعارضة التي تعتبر معتدلة في غرب سوريا حيث تتركز الموارد الاقتصادية الحيوية في البلاد، بحسب التحالف.
وصرح مصدر دبلوماسي فرنسي “بدؤوا بضرب داعش عندما لم يبق كثر غيرهم لضربهم”. وأضاف “يريدون في النهاية إعادة توصيف التزامهم على أنه التزام ضد الإرهاب” و”تلميع صورة النظام”. ويكمن الرهان كذلك في السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي السورية تحضيرا لمحادثات السلام.
في المقابل، تقرأ موسكو الأحداث بطريقة مغايرة تماما. إذ أن وزارة الدفاع الروسية تؤكد أنه “خلال ثلاث سنوات، لم يحقق التحالف إلا مؤخرا النتيجة الأولى في حربه على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا: تدمير الرقة والمدنيين فيها عبر عمليات القصف الكثيفة”.
“تحوّل النزاع”
يرى الغربيون أنه في حين تحقق الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية، فإن النزاع لم ينته بعد. فقد أكد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أن العمليات ستستمر على الحدود مع العراق، “حتى منتصف أو أواخر شباط/فبراير”.
وحذرت الأجهزة الأمنية الغربية من أنه رغم فقدان تنظيم الدولة الإسلامية السيطرة على الأراضي، إلا أنه لا يزال يشكل تهديدا إرهابيا رئيسيا عبر شبكاته النائمة وسيستعيد السيطرة على بعض المناطق إذا فشلت عملية السلام.
ويرى المصدر الفرنسي نفسه أنه كلما “تراجع (نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية)، ازداد احتمال ظهور توترات جديدة” مشيرا إلى “خطر تحوّل النزاع” إلى مواجهات بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام أو بين الأكراد والعرب أو أيضا بين الأكراد والجيش التركي.
وأضاف زير الخارجية الفرنسية “يجب ألا يستعاض عن الحرب ضد داعش بحرب أهلية (جديدة)”.
واعتبر رئيس المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن أنه سيتوجب على روسيا شرح أي انتقال سياسي تؤيد الآن بعد الانتصار على العدو. وقال “هنا سنرى حدود ما يمكنها القيام به لأنه لم يتم تسوية أي شيء. لن يسعى أحد إلى تمويل سوريا ما بعد الثورة، هناك انتصارات من غير المجدي الإعلان عنها”.
البقاء في سوريا
وقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مجلس الدوما (الغرفة السفلى للبرلمان) مشروع الاتفاقية المبرمة بين بلاده والنظام السوري بشأن توسيع القاعدة البحرية الروسية في ميناء مدينة طرطوس.
وبحسب الوثيقة التي نشرها مجلس الدوما يقضي مشروع الاتفاق الموقع لمدة 49 عاما على توسيع القاعدة الروسية في طرطوس.
وبحسب الاتفاق ستخرج القاعدة البحرية من مسؤولية سوريا المدنية والإدارية ولن تخضع لتفتيش أو حجز للممتلكات الروسية المنقولة وغير المنقولة في القاعدة وستكون قابلة للتمديد لمدة 25 عاما بموافقة الطرفين. كما يحق لروسيا إرسال العدد الذي تراه كافيا من الجنود من أجل حماية القاعدة.
والإعلان الروسي يشير إلى سعي موسكو لتثبيت أقدامها عسكريا في سوريا ، وتحاول روسيا التمدد في الشرق الأوسط من بوابة سوريا في مواجهة النفوذ الأميركي بالمنطقة.
وفي هذا السياق تعمل موسكو على تحجيم النفوذ الأميركي من خلال تشكيكها المتواصل في جدوى عمليات قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.