توقعات قاتمة تنتظر الاقتصاد الألماني
محمد عبد المنعم
يُتوقع أن يحقق الاقتصاد الألماني نموا ضعيفا خلال العام الحالي، في مؤشر ينذر بأن أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي سوف يواجه عاما صعبا. ويقول الخبراء إن التطورات الديناميكية ربما تكون بعيدة المنال.
وعن أداء العام الماضي تحدث كبير الاقتصاديين في مصرف بادن فورتمبيرغ، عن ذلك بشكل جلي خلال مقابلة تلفزيونية مؤخرا، قائلا: “لا أريد أن انخرط فى الجدل القائل هل الرقم سيكون زائد 0.2 بالمئة أو ناقص 0.2 بالمئة؟ الحقيقة هي أننا في حالة ركود”.
وفي محاولة للتوضيح، قال “نحن نتحرك صوب نوع ما من الاقتصاد المنكمش الذي ينمو وينخفض بمعدلات ضئيلة، لكننا في الواقع مستلقين على الأرض”.
وأظهر استطلاع نشره المنتدى الاقتصادي العالمي تزامنا مع اجتماعه السنوي في دافوس بسويسرا، أن أكثر من ثلاثة أرباع الاقتصاديين يتوقعون “نموا ضعيفا أو ضعيفا للغاية” في أوروبا في عام 2024. ويتوقع أكثر من نصف الاقتصاديين، الذين شملهم الاستطلاع في الفترة من نوفمبر إلى ديسمبر، أن يضعف الاقتصاد العالمي هذا العام.
وتعد منطقة اليورو مثالا على ذلك: فقد انكمش الناتج هناك قليلا في الربع الثالث من عام 2023. وستؤكد أرقام الربع الأخير، المتوقع ، ما إذا كانت المنطقة انزلقت إلى الركود قرب نهاية العام”.
لماذا وصلت ألمانيا لهذا التردي في اقتصادها؟
يرجع الخبراء ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في ألمانيا إلى عدة أسباب، لكنها معروفة للجميع إذ أن أبرزها تراجع معدلات الاستهلاك بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، فضلا عن أن ركود الاقتصاد العالمي وضع المزيد من الضغوط على المصدرين الذين يمثلون القوة الدافعة للاقتصاد الألماني.
ودفعت أزمة الطاقة وعدم استقرار أسعارها، العديد من الشركات العالمية إلى تعليق خطط الاستثمار، لكن الأسوأ تمثل في قرار بعض الشركات نقل عمليات الإنتاج خارج الاتحاد الأوروبي وتحديدا إلى الولايات المتحدة أو الصين.
ويُضاف إلى ذلك زيادة كلفة خطط التحول الأخضر الذي يقوده روبرت هابيك، وزير الاقتصاد وحماية المناخ الألماني، في أكبر اقتصاد في أوروبا.
ويعكس انكماش الناتج المحلي الإجمالي الألماني العام الماضي الضعف في مختلف قطاعات الاقتصاد، ولكن بشكل خاص في قطاع التصنيع الضخم في البلاد، والذي تضرر بسبب تعثر الطلب الصيني، وارتفاع تكاليف الطاقة، والارتفاعات المؤلمة في أسعار الفائدة.
وفي القطاع الصناعي، سجل إنتاج السيارات وتصنيع معدات النقل الأخرى نموا في العام الماضي، ولكن الإنتاج انخفض في الصناعات الكيميائية والمعدنية كثيفة الاستهلاك للطاقة. بشكل عام، انكمش الإنتاج الصناعي، الذي يهيمن على الصناعة، بنسبة 2 بالمئة، وانخفضت الصادرات بنسبة 1.8 بالمئة.
كما انخفض إنفاق الأسر والحكومة الألمانية، للمرة الأولى منذ ما يقرب من 20 عاما. وقالت ديستاتيس (وكالة الإحصائيات الفيدرالية الألمانية): “يرجع هذا في المقام الأول إلى وقف إجراءات مكافحة فيروس كورونا التي تمولها الدولة”.
فجوة الميزانية
في منتصف نوفمبر من العام الماضي، عندما بدا أن الأمور لن تسوء أكثر من ذلك قضت المحكمة الدستورية الاتحادية بأنه لا يمكن نقل 60 مليار يورو من القروض غير المستخدمة لمكافحة جائحة كورونا إلى صندوق المناخ والتحول (KTF). ونتيجة لذلك، فقدت الحكومة مليارات للسنوات المقبلة لتمويل المشاريع المركزية للتحول إلى الطاقة النظيفة.
وعلى مدار عامين، اعتمدت الحكومة على استخدام القروض غير المستخدمة لمكافحة جائحة كورونا، لكن قرار المحكمة الأخير سوف يدفع الحكومة الائتلافية إلى توفير الموارد المالية ما ينذر بحدوث ثغرة كبيرة في الميزانية.
بيد أن الأمر ليس بهذه السهولة في ضوء مشكلة رئيسية تتمثل في آلية “كبح الديون” وهي قاعدة مالية أضيفت إلى دستور البلاد في عام 2009 بهدف إرغام الحكومات الألمانية على تحقيق توازن بين المصروفات والإيرادات بما يشمل فرض قيود صارمة على عمليات الاقتراض الجديدة.
ولم يتم السماح بالموافقة على ديون إضافية بقيمة 60 مليار يورو إلا عقب إعلان حالة الطوارئ كما حصل إبان وباء كورونا، ما مهد الطريق أمام تعليق آلية “كبح الديون” مؤقتا.
وجرى تخفيض ميزانية عام 2024 بشكل كبير وسط مخاوف من أن تؤدي خطط خفض التكاليف بالتزامن مع تقليل الدعم الحكومي وارتفاع أسعار الطاقة، إلى تباطؤ الاقتصاد بشكل أكبر، لكن ما هو أسوا ربما سيكون التسبب في موجة جديدة من التضخم.
تحذيرات منذ وقت طويل
وتوقع صندوق النقد الدولي بوقت سابق، بأن اقتصاد ألمانيا سيعاني من انخفاض قوي بالإنتاج الاقتصادي بأسوأ مما كان متوقعا، مضيفا بأنه من المرجح أن يكون أكبر اقتصادات قارة أوروبا هو الوحيد من بين مجموعة الدول الصناعية السبع (G7) التي لن تسجل نموا خلال عام 2023 الجاري.
وأيضا، رجح صندوق النقد الدولي بأن انكماش الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا بنسبة 0.5 بالمئة لعام 2023؛ مخفضا بذلك تقديراته السابقة التي رجحت انكماش اقتصاد ألمانيا بنحو 0.3 بالمئة، على وقع التضخم المرتفع وتراجع نشاط التصنيع بالبلاد، حيث أفاد الصندوق في مراجعته الجديدة بأن ألمانيا تواجه عقبات عديدة من بينها ضعف استجابة القطاعات الاقتصادية الحساسة لأسعار الفائدة وتباطؤ طلب الشركاء التجاريين.
ثلاثة تحديات
بدروها، كشفت خبيرة اقتصادية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، النقاب عن الأسباب وراء هذا التباطؤ الاقتصادي، قائلة إن “أزمة الطاقة عصفت بألمانيا أكثر من الدول الأخرى لأن الصناعة تلعب دورا أكثر أهمية في ألمانيا، وهذه الصناعة كانت تعتمد على الغاز الروسي أكثر بكثير مما في الدول الأخرى”.
وأضافت أن ارتفاع التضخم وانخفاض القوة الشرائية للأسر قد ألقيا بظلالهما على معدلات الاستهلاك، مشيرة إلى أن “أزمة ميزانية الحكومة تثير قلق الشركات والمستهلكين على حد سواء”.
ويعتقد خبير اقتصادي في “دويتشه بنك”، أن الاقتصاد الألماني سوف ينكمش في عام 2024.
إن التحدي الأول يتمثل في “الاعتماد على الغاز الروسي كمصدر رخيص للطاقة في الصناعة والتحدي الثاني يتمثل في المراهنة على المعجزة الاقتصادية الصينية كمحرك للصادرات الألمانية فيما كان التحدي الثالث على السلام الأميركي.. وبسبب الارتكان إلى هذه الرهانات الثلاثة وصلت البلاد إلى طريق مسدود”.
.