تهور اردوغان يدفع الدول الأوروبية لوقف تعاملها الاقتصادي مع تركيا
سمير سعد الدين
تسارعت وتيرة إغلاق دول الاتحاد الأوروبي لأبواب العلاقات الاقتصادية والتجارية العريقة مع تركيا بسبب سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان الخارجة عن جميع الأعراف الدولية، والتي لم تعد أوروبا تجد سبيلا لاحتوائها.
ويقول محللون إن تفكك الروابط التجارية والاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي يمكن يقود تركيا إلى كارثة اقتصادية غير مسبوقة ترسخت عبر عقود ويمكن لتعثرها أن يقطع شرايين حياة الاقتصاد التركي.
ويعد الاتحاد الأوروبي من أكبر شركاء تركيا التجاريين بلا منازع وأكبر سوق لصادراتها. وفي المقابل تحتل تركيا المرتبة الرابعة بين أكبر أسواق الصادرات الأوروبية.
وبلغت العلاقات بين الطرفين أدنى مستوياتها حين كشفت المستشارة الألمانية أنها ستسعى لإقناع نظرائها الأوروبيين بإغلاق ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بعد 30 عاما من المفاوضات المتعثرة.
وقالت المفوضية الأوروبية إن سلوك تركيا يجعل انضمامها لعضوية الاتحاد أمرا مستحيلا. وقال المتحدث باسم المفوضية إن “تركيا تتخذ خطوات كبيرة تبعدها عن أوروبا”.
وتواصلت التصريحات الاستفزازية التركية حين انتقد إبراهيم كالن المتحدث باسم الرئيس التركي المستشارة الألمانية وقال إن “مهاجمتها لتركيا وتجاهلها يعكس انعدام الرؤية في أوروبا”.
تركيا خارج الاتحاد
وتقدمت الجمهورية التركية بطلب رسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في 14 نيسان 1987 ووقعت اتفاقية اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي في 31 كانون الثاني عام 1995.
ويرى مراقبون أن تركيا خسرت فرصة ذهبية في التقارب مع الاتحاد الأوروبي بسبب تخبط أردوغان الذي عمد إلى إثارة مشاكل سياسية واقتصادية مع عدة دول أوروبية وإقليمية.
وتشير إحصائيات المفوضية الأوروبية إلى أن تركيا هي رابع أكبر سوق للصادرات الأوروبية، التي تقول إنها تتركز في الآليات ووسائل ومكونات المواصلات والمواد الكيماوية إضافة إلى بعض الصناعات المتقدمة.
كما تضع تركيا في المرتبة الخامسة بين أكبر المصدرين إلى دول الاتحاد الأوروبي، الذي يستورد منها قطع الغيار ومواد شبه خام وبعض الصناعات المتوسطة والمواد الغذائية.
وتستقبل أسواق دول الاتحاد الأوروبي نسبة 45 بالمئة من إجمالي الصادرات التركية، في حين يأتي 35 بالمئة من واردات تركيا من الاتحاد الأوروبي.
ويرى محللون أن تركيا إذا استمرت بالسير وفق المسار الذي وضعه اردوغان قد تخسر مكاسب علاقتها مع أوروبا منذ توقيع اتفاقية أنقرة بين تركيا والتجمع الاقتصادي الأوروبي ودخولها حيز التنفيذ في مطلع كانون اول 1964. وتضمنت الاتفاقية ثلاث مراحل يجب أن تمر بها تركيا لتحقيق تكاملها مع الاتحاد الأوروبي وهي المرحلة التحضيرية والمرحلة الانتقالية والمرحلة النهائية.
ودخلت تركيا في الاتحاد الجمركي في مطلع عام 1996 وذلك في نهاية المرحلة الانتقالية، التي تعد أهم مراحل تكامل تركيا مع الاتحاد الأوربي.
وفى 12 كانون اول عام 1999، اعترف الاتحاد الأوروبي بتركيا رسميا كمرشح للعضوية الكاملة وذلك في قمة هلسنكي وبدأت عملية المفاوضات الثنائية للوصول إلى مرحلة العضوية الكاملة.
ويتمحور قلق الاتحاد الأوروبي من انضمام تركيا حول كونها تحكم من قبل حزب إسلامي متشدد،حسب رؤيتهم ـ خاصة أن انضمامها يجعلها ثاني أكبر عضو في الاتحاد من حيث عدد السكان بعد ألمانيا، حيث يبلغ تعداد سكان تركيا نحو 80 مليون نسمة.
وتخشى بروكسل من تهديد سوق العمل والمخاوف من أن يؤدي انضمامها إلى تدفق الملايين من المهاجرين الأتراك إلى بعض دول الاتحاد مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا للبحث عن فرص عمل في هذه الدول. كما تحذر الدول الأوروبية من انتشار السلع التركية الرخيصة ذات الجودة المتدنية في دولها مما يؤثر على المنافسة المتكافئة مع الصناعات المحلية.
قمة الأزمات
وتؤكد البيانات أن الأزمات الاقتصادية في تركيا وصلت مرحلة خطيرة بعد انحدار متواصل منذ محاولة الانقلاب في منتصف العام الماضي وما تبعها من عمليات اجتثاث وتحولات سياسية مكنت الرئيس رجب طيب أردوغان من إحكام قبضته على جميع السلطات.
وتكشف الأرقام التي تعلنها وزارة المالية أن الموازنة سجلت عجزا كبيرا في جميع أشهر العام الحالي وبلغت ذروتها في مارس الماضي حين بلغت نحو 5.3 مليار دولار بعد أن كانت تسجل فوائض كبيرة قبل محاولة الانقلاب في منتصف العام الماضي.
ويستبعد صندوق النقد الدولي أن يحقق الاقتصاد التركي نسبة النمو التي تتوقعها الحكومة في العام الحالي بسبب ضبابية الوضع السياسي والعلاقات المتوترة مع أوروبا واضطراب الأمن في داخل البلاد والمنطقة.
وتوقع الصندوق أن يظل التضخم فوق المستوى المستهدف وأن يظل العجز التجاري كبيرا وأعلى من المطلوب. ورجح أن يطيل توتر الوضع الأمني والهجمات الإرهابية من أمد الضبابية وبقاء الطلب المحلي ضعيفا.
سياسات أردوغان
ويقول محللون إن انهماك أردوغان في المناورات السياسية ودعمه المطلق للجماعات الإسلامية وتركيز جميع السلطات في قبضته منذ التحول إلى نظام رئاسي يجدد التساؤلات بشأن مستقبل العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
بعد ذلك تأتي سياساته مع دول الاتحاد، والوصف العنيف الذي وصفه للساسة الألمان واتهامهم بالنازية.
ويمثل انحسار السياحة الأوروبية إلى تركيا، بسبب سياسات أردوغان والتوتر الأمني، الضربة الأقسى للاقتصاد التركي الذي يعتمد بشكل كبير على السياحة.