المسؤولية الذاتية للعرب في قضية “تسفيههم”!
د. نزار محمود /
كنت في مقال سابق قد كتبت حول “تسفيه” العرب ومن يقف وراءه ولماذا، وفي ختام المقال وعدت بالكتابة في الأسباب الذاتية للعرب في دفع الاخرين لتسفيههم!
من هنا فإني سأتحاشى التطرق للعوامل والأسباب الخارجية التي تدفع باتجاه” تسفيه” العرب، حيث تطرقت الى ذلك، مركزاً على العوامل والأسباب الذاتية.
عندما جاء الإسلام وكلف العرب بحمل رسالته حصل انبعاث في أرواح وعقول ونفوس الأوائل ممن آمن به منهم، متحملين معاناة ذلك وصبرهم على من ظلمهم وهاجمهم وقاتلهم. ولم يكن لهم الفلاح في ذلك دون استنهاض لسجاياهم الطيبة وأخلاقهم الحميدة، متجاوزين خلافاتهم وصراعاتهم القبلية وبداوتهم وأعرابياتهم.
وعلى عكس ذلك فقد مر العربي بعد فترة من الزمن، وبنسبة كبيرة منهم، بعهود ولازالوا، من التخلف والضعف واهتزاز المنظومات الاخلاقية واهتزاز السجايا ما شجع الاخرين على “تسفيههم”،، ومهد الطريق اليهم.
فما ان “سقطت” الخلافة العباسية في بغداد، منارة الاشعاع العلمي والأدبي والحضاري، وكذلك منارات الاندلس وقرطبة وغرناطة واشبيلية، وما تبادلته من ادوار الانحطاط الفكري والحضاري لمدة امتدت الى عدة قرون من الزمان، حتى وجدنا ان اغلب الشعوب العربية قد فاتها الزمن في تقدمها المنافس لتقدم شعوب العالم الاخرى. هذا التخلف قد مهد السبيل لاحتلالها من قبل دول استعمارية حرصت على حكمها، حتى بعد انسحابها، بسياسة فرق تسد، وتحت ذرائع وأساليب مختلفة لم تكن تناسبها في نهضتها وتنميتها وتطورها.
هذه الكبوة الحضارية الطويلة والتي لا زلنا نعاني منها ومن تبعاتها حملت معها أخلاقيات وممارسات وأفعال ومواقف من قبل شرائح في مجتمعاتنا العربية، وفي مقدمتهم في أوساط ساستنا، ما حال دون نهضة حقيقية وتقدم ملموس.
كما كان لوباء الصراع على السلطة والاستيلاء على القرار والثروة ما تسبب لنا من انقلابات وثورات وتمردات وتناحرات وعدم استقرار. هذه التناحرات والصراعات أخذت أشكالاً مختلفة وقادت الى نتائج مدمرة، منها:
⁃ الخلافات والصراعات السياسية على السلطة.
⁃ التفاوتات الاقتصادية وفوضى توزيع الثروة، وهدر المال العام المستولى عليه زوراً وبهتاناً.
⁃ الكتل الاجتماعية القائمة على أسس الاثنية والدينية والمذهبية ( الطائفية).
⁃ الظلم الاجتماعي بين طبقات وشرائح المجتمعات العربية.
⁃ التنوع والتشتت السياسي المتمثل بالأحزاب والتكتلات الشعبية والأنظمة العربية.
⁃ التناحر الثقافي الذي أفرزته الصراعات الاثنية والسياسية والاجتماعية والمذهبية والمناطقية، والتخبط في مناهج الحكم والادارة السياسية والاقتصادية، الأمر الذي ساهم وقاد الى التردي في الحال السياسي والاقتصادي.
⁃ التيه الثقافي الذي بات العرب يعيشونه بين ماض مجيد لم يعد يمتلكون اشتراطاته، وبين حاضر لا يدرون ما يناسبهم ويحترمهم ويحفظ عليهم ماء وجوههم، وهم يعيشون حالة صراع اجيال بين متزمت وجامد، ومتهور وغوغائي.
⁃ هرب وهجرة الملايين من أبناء مجتمعاتنا العربية ممن تحتاجهم مجتمعاتهم في البناء والتعمير والتقدم.
⁃ تشكل انظمة وسلطات سياسية وأمنية دموية أو جاهلة أو عاجزة عن تثمير موارد مجتمعاتها او الحفاظ على كرامة أبنائها في حقوقهم السياسية او الاقتصادية او الثقافية.
⁃ تفشي مفاهيم وقيم اجتماعية وثقافية متخلفة تارة، ومتضاربة ومتناقضة تارة اخرى. الكبير يلعن الصغير، والصغير يسفه الكبير.
⁃ انتشار قيم البطش والاحتيال السياسي من جهة الساسة واصحاب السلطات، من جهة، واليأس واللا مبالاة الوطنية من قبل قطاعات واسعة من الشعب، من جهة أخرى.
مثل هذه الأمور جاءت لتعبر عن حالة السفه الذاتي للعرب في تدبير أحوال حياتهم ولتشكل سبيلاً للنيل منهم وتشجيعاً للآخرين على احتلالهم أو فرض الوصاية عليهم أو احكام تطبيق سياسات فرق تسد بينهم. لم يبق لنا سوى ان نلعن حظنا العاثر في شعوب استسلمت للخنوع، وحكومات تعودت على اعادة البؤس، وخارجياً لم يقصر في استغلال سفهنا وتسفيهنا.
.