اللغة العربية في خطر

منال عبد الحفيظ

ما برح المثقفون العرب في الآونة الأخيرة يسطرون المجلات والصحف عن موضوع اللغة العربية ومكانتها بين لغات العالم ولا يخفون قلقهم من تراجعها وعدم قدرتها على مواكبة التطور التكنولوجي ويطلقون صرخاتهم المدوية في الفضاء اللغوي.

نعم، ربما لا نجد دوماً مقابلاً عربياً لكل اكتشاف وابتكار ينهمر علينا من الغرب ويدخل حياتنا دون استئذان ولكن قبل القلق على العربية من سطوة اللغات الأخرى عليها، علينا الخوف عليها من أبنائها وحمايتها من استهتارهم بها. 

أتساءل وأتعجب، لماذا نخجل من لغتنا؟ لماذا نستخدم المفردات الأجنبية في حياتنا اليومية؟ لماذا نصر على إرسال أبنائنا إلى مدارس دولية يدرسون بها كل المواد باللغات الأجنبية؟ لماذا نبتسم ونهز كتفينا عندما يخطئ ولدنا في لغته الأم وننقض عليه ونغضب عندما يُخطئ في استخدام اللغة الأجنبية؟ لماذا عقدة النقص هذه؟ لماذا نعتقد في كل افرنجي ابرنجي؟  هل نسينا أفضال العرب على العالم؟  كم من اختراع واختراع يفتخر به الغرب اليوم قد وضع أسسه العرب. 

لغتنا وعاء ثقافتنا ووسيلتنا للتعبير عما يجول في خواطرنا، وإن لم نتقنها فكيف لنا أن نتقدم ونعبر عن أفكارنا .. بلغات أجنبية؟!

البعض يتهم اللغة العربية بالتأخر، مع العلم أنه ليس هناك لغة متأخرة وإنما هناك أمة متأخرة تجر لغتها إلى القاع، وأمة متقدمة ترفع من قيمة لغتها وتنشرها وتفرضها على العالم. لذا فلنكن جنوداً ندافع عن لغتنا من زحف العولمة اللغوية التي تؤدي إلى هيمنة لغة واحدة على العالم بأسره، ألا وهي الإنكليزية في وقتنا الحالي.

نحن نعيش اليوم عصر العولمة اللغوية، عصر الثورة التكنولوجية التي أصبحنا نتقبلها على أنها من البديهيات وأنها جزء من حياتنا اليومية. ويفسر البعض العولمة اللغوية على أنها سيطرة اللغة الإنكليزية على معظم مناحي الحياة العملية واليومية.

والأسئلة المطروحة هي: ما الخطوات العملية الممكن اتخاذها لمواجهة العولمة اللغوية والحفاظ على لغتنا العربية والارتقاء بها إلى أعلى الدرجات؟ وما الدور الذي تؤديه مجامع اللغة العربية والحكومات؟ بل ما هو الدور الذي نقوم به بوصفنا أفراداً؟

قبل أن أبدأ، أود أن أشيد بكل الجهود المبذولة في هذا المجال وأقف احتراماً لما تطرق إليه المؤتمر الأخير الذي أقيم في مقر أمانة جامعة الدول العربية في القاهرة حول لغة الطفل في عصر العولمة، إذ كانت تلك هي المرة الأولى التي ُتناول فيها المشكلة من جذورها.

نعاني في ظل السيل المتدفق من الاختراعات التقنية وغزو المصطلحات الأجنبية من قصور في التعريب. فإلى أن نجد مقابلاً عربياً لها يكون المصطلح الأجنبي قد استوطن واستساغته آذاننا وتكون مئات المصطلحات الأخرى قد انهمرت علينا من كل حدب وصوب. هذا ليس لوماً مبطناً لمجامع اللغة العربية، فهي تبذل قصارى جهدها في هذا المجال. يكمن الحل في رأيي  في تعزيز حركة الترجمة، بحيث يضع المترجم المصطلح الأجنبي بين قوسين لنشر المقابل العربي مع المصطلح الأجنبي، والعربية تتميز بتعدد طرائق التعريب، مثل النحت والاشتقاق.

نلاحظ ذود الدول الأجنبية عن لغاتها وسعيها إلى نشرها في العالم عن طريق إقامة معاهد رفيعة المستوى خارج حدودها لتعليم لغاتها للأجانب. ماذا تفعل الدول العربية لنشر لغتها في الخارج؟ معاهد اللغة العربية المعنية بتعليم لغة الضاد بوصفها لغة أجنبية قليلة جداً مقارنة بانتشار معاهد غوته والأكاديمية الفرنسية ومعهد TESOL، وجل محاولاتنا جهود فردية. ويُعتبر انتشار المواقع الإلكترونية على الشابكة التي  تعنى باللغة العربية خطوة تستحق الإشادة ولكن معظمها موجه لأصحاب اللغة العربية بوصفها اللغةَ الأم، إلا القليل منها المهتمة بتعليم اللغة العربية كلغة أجنبية. لا أريد القول بأن نبدأ بنشر لغتنا العربية في الخارج الآن – مع أني أحبذ هذه الفكرة وأشيد بها – ولكن علينا البدء بأنفسنا أولاً ونشر لغتنا في بلادنا.

ما الذي تستطيع الحكومات العربية فعله؟  أقترح فرض مادة دراسية في الجامعات والمدارس الثانوية لتكون الجسر بين التقنية واللغة العربية والسعي إلى تعليم الجيل الجديد من التقنيين لغتهم العربية بأسلوب متطور يتيح لهم نحت المصطلحات وتكوينها في مجالات عملهم، إضافة إلى إقامة دورات تدريبية للمدرسين في مجالات التقنية والحاسوب بحيث ينكسر الحاجز النفسي بينهم وبين وحش التقنية. كما أن تعريب التعليم الجامعي بحيث يدرس الطلاب العلوم بلغتهم الأم أمر مفيد، شرط أن يكون التعريب قائماً على قدم وساق.

أتطرق الآن إلى دور الأفراد. فقد انتشرت في الدول العربية ظاهرة المربيات الأجنبيات اللاتي يتكلمن مع أبنائنا بلغة عربية “مكسرة ركيكة”، فكيف سيتعلم الطفل اللغة السليمة إذن؟ والكل يعلم أن السنوات الأولى من حياة الطفل مهمة جداً في تكوينه اللغوي.

دور الأفراد يكمن في التخلص من عقدة النقص وتشجيع أبنائنا على دراسة لغتهم الأم وتصحيح أخطائهم اللغوية. لنستغل الفضائيات لنشر اللغة العربية السليمة، لنفرض رقابة لغوية على مذيعات الفضائيات اللاتي نسي بعضهن مقابل “ثانك يو” في العربية.

أوجه صرخة مدوية تناشد الوعي بالمخاطر المحيطة بلغتنا. لا، ليس بلغتنا فحسب، وإنما بعروبتنا ومكانتنا نحن العرب أيضا .

علينا العمل جميعاً للمحافظة على قيمنا وهويتنا العربية والسعي من جهة أخرى إلى ردم الهوة النفسية والعملية بين أطفالنا ولغتهم العربية.

.