الفنّ في مواجهة الخراب

موسى الزعيم

تتعددُ المدارس الإبداعية وتختلف في طريقة إيصال رسائلها التعبيرية، وفي فتح الآفاق الجمالية عبر التجارب البشرية منذ الأزل، لكنّها  تغدو قريبةً من الذات حين تشتبك مع الواقع وتصبح ذات رسالة مجتمعيّة هادفة، قد يختلف بعضهم حول ذلك، لكن ما لا يختلف عليه أحد أن حساسية الفنان لأحداث وطنه أكبر في أوقات المحن، وهذا ما يُعرف بالالتزام  .  

ففي برلين أقامت مجموعة من الفنانين معرضاً فنّياً خيريّاً مُشتركاً رصد ريعه من أجل إعادة ترميم مدرسة دمرتها الحرب في سوريا.

ومن هنا  يمكن للمرء أن يتساءل :  

ما دور الفنّ التشكيلي في مواجهة الخراب الذي يطال الأبنية والشوارع، وما دوره في ترميم الخراب الداخلي للإنسان؟

في اللقاء التالي حاورتُ مجموعة من الفنانين المشاركين في المعرض، حول هذه القضيّة من خلال  السؤال التالي:

هل ترى أنّ للفن دوراً في مواجهة الحرب والخراب ؟ ما الرسالة التي يمكن أن يؤديها الفنان في ذلك ؟

 الفنان أحمد ياسين الذي شارك في تنظيم وإعداد المعرض

 يرى أنّ: الفنّ هو صوتٌ مقاومٌ للخراب، يحمل رسالة تتجاوزُ الألم والدمار، ليعيد صياغة الواقع برؤية أكثر إنسانية في مواجهة الحرب، يمكن للفن أن يكون توثيقًا بصريًا للمعاناة، مثل لوحات بيكاسو في “غويرنيكا”، التي جسّدت أهوال الحرب الإسبانية، أو أعمال بانكسي الجدارية، التي سلطت الضوء على المأساة بلمسة نقدية عميقة، كما أنّ الفن يوفر مساحة للشفاء النفسي، إذ يساعد الناجين والمجتمعات المتضررة على التعبير عن تجاربها وإعادة بناء هويتها من خلال الفنون البصرية والمسرحية والموسيقية..

الفن ليس مجرد وسيلة تعبير، بل هو أداة ضغط  وإيصال صوت المقهورين. كفنان، أرى أنّ دور الفنان يتجاوز الإبداع الشخصي، ليصبح مشاركةً فعلية في نقل معاناة شعبنا السوري للعالم، من خلال لوحاتي وصوري الفوتوغرافية، أوثّق الألم السوري، وأحاولُ أن أكونَ صوتًا لمن فقدوا أصواتهم وسط الدمار. يمكن للفن أن يحفظ الذاكرة الجماعية أيضاً، ويخلق حوارًا عالميًا حول القضايا الإنسانية، تمامًا كما فعل الفنانون الذين وثقوا مآسي الحروب عبر التاريخ. كما أنه يمنح الأمل، من خلال تقديم رؤى جديدة للحياة، وتحفيز المجتمعات على استعادة هويتها وثقافتها رغم الخراب.

 والفنان ياسين مصوّر فوتوغرافي، درس الفنّ في سوريا، وعمل مراسلًا لعدد من القنوات التلفزيونية، أكمل ماجستير “الفن في السياق” في ألمانيا، عمل في مجالات الفنّ البصريّ والمرئي والمسموع، والنحت المعدني، إلى جانب التصوير الفوتوغرافي، حيث وثّق بعدسته أحداثًا مفصلية في سوريا. شارك في العديد من المعارض داخل أوروبا والعالم العربي، كما حصل على شهادة محافظة برلين عن مشروع تطوعي وجائزة مهرجان الثقافة في برلين وجائزة أكبر زيارات لمعرضه الأول في برلين.

في المعرض الخيري، قدّم أعمالًا تعكس الواقع السوري، مستخدمًا الفنّ كوسيلة لطرح الأسئلة وايصال الحقيقة.

الفنانة الألمانية سيلين دوغانر  Selin Doğaner

من وجهة نظرها: يلعب الفن دورًا مهمًا في النضال، إنه أداة للمقاومة، فهو يخلق مساحات يمكن من خلالها تطوير أشكال بديلة من التعلم والتنظيم السياسي ونقل المعرفة، وهو ليس مرتبطاً بالمؤسسات الأكاديمية، بل يسمح لنا بالتعلم والمشاركة بطرق إبداعية، وخاصة في العقود القليلة الماضية، إذ زاد عدد الفنانين الذين يتعاملون مع القضايا السياسية والصراعات الاجتماعية، يمكن للفنانين أن يتحدثوا عن الحقائق غير المريحة ويحركوا المجتمعات، في الوقت نفسه، يتصرف العديد من الفنانين عادةً انطلاقاً من موقعهم الإبداعي المتميز، ولهذا السبب تعتبر ممارسات الفنّ التضامني مُهمة في هذا الإطار، الفنّ هو وسيلة حرّة تجعل الصراعات الاجتماعية مرئية، وتتحدث إلينا جميعًا، وتحفز الناس على التصرف حيال ذلك.

 الفنانة سيلين دوغانر، طالبة هندسة معمارية (ماجستير) في جامعة ديو في برلين، تبحث في التوترات السياسية في التخطيط الحضري والإسكان وديناميكيات الحدود، تتناول أطروحتها للماجستير موضوع نزاع الملكية في إعادة الإعمار بعد زلزال عام 2023.

 درست وعملت في ألمانيا وتركيا وبريطانيا والنمسا، وتعمل في الاتحاد الديمقراطي الكرواتي، وهي منظمة سياسية، وحاصلة على منحة دراسية من مؤسسة روزا لوكسمبورغ، وهي فنانة هاوية، وتقدم ورش عمل مستقلة حول مواضيع سياسية من منظور فني.

شاركت في عرض لوحتين كبيرتي الحجم، تم رسمهما خلال مرحلة التأمل الذاتي والتعامل مع صورة الذات الأدوار الجنسانية والهجرة.

الفنان الخطاط محمد خير خانُم:

وهو فنان سوري من مواليد الكويت يرى أنّ للفنّ دورٌ جوهريّ في مواجهة الحرب والخراب، والخطّ العربي، بما يحمله من جماليات وقيمٍ ثقافيةٍ، يضطلع بدورٍ هام في هذا السياق، يمكن للفنان الخطّاط أن يقدّم من خلال الخطّ العربي. توثيقاً للواقع و تصوير آثار الحرب والدمار، وتخليداً لذكرى الضحايا، وفضح جرائم الحرب، والتعبير عن الألم والأمل من خلال تجسيد مشاعر الحزن والمعاناة، وفي المقابل، بثّ روح الأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل. كذلك الدعوة إلى السلام، فإن استخدام الخطّ العربي لنشر رسائل السلام والمحبة والتسامح، والتأكيد على أهمية الحوار والتفاهم من خلال الرسائل البصرية.

ولا يخفى على أحد دور الخطّ في الحفاظ على الهويّة وهذا ركنٌ أساسيّ في الخط العربي وهو التأكيد على الهوية الثقافيّة الغنية للمجتمعات المتضررة، والتعبير عن رفض الاستسلام للخراب.

بالنسبة لي: أتبع المدرسة الهاشميّة للخطاط عباس البغدادي متأثراً بالخطّ الفارسي الحديث، مع إضفاء لمستي الفنية الخاصة.

 يُذكر أنّ الفنان محمد خانم، أقام العديد من المعارض الفرديّة في الكويت و دمشق و سبعة معارض فردية في ألمانية. و لديه سلسلة من ورشات عمل للكبار و الطلاب وهي مستمرة كلّ أربعاء و خميس في جامعة باوهاوس يتحدث فيها تاريخ الخطّ العربي والزخارف الإسلامية، حصل على المركز الثاني في مسابقة الخطّ العربي في دولة الكويت 1995 ودكتوراه فخريّة من أكاديمية الحريّة في الفنون من هامبورغ 2020

عن نوعية أعماله المُشاركة في المعرض الخيري يقول:

شاركتُ بمجموعة متنوعة من أعمال الخطّ العربي، تنوّعت بين الكتابة على القماش، أعمال خطّ الثُلث رقميّة باستخدام ألوان معيّنة، وأساليب خطيّة تعمل على إظهار جمال الخطّ العربي.

 أمّا الفنانة مرح رفيق عبد العال:

 حسب رأيها  للفنّ بكلّ أشكاله وممارساته المرئي والمقروء والمسموع  له دور، مؤكّد في مواجهة الحروب والخراب عن طريق توثيق المعاناة والدمار والضحايا والحالة المجتمعية وتأثّرها بالحرب، الفنّ هو منبع الأمل وهو الأداة الجمالية السلسة التي تخلقُ تحدّيا مقاوماً ورافضاً لأيّة حالة غير إنسانية، كذلك يمكن للفنّ أن يوحّد آراء المجتمع حول قضية أو موقف ما.

 وعن تجربتها الإبداعية تقول عبد العال، درستُ الحقوق في سوريا و شاركت في العديد من المعارض منها ثلاثة في برلين وفي الوقت الحالي لدي أعمال فنيّة في اتجاهات أخرى.

 في المعرض الأخير؛ حاولتُ أن أُظهِر ومن خلال ريشتي المعاناة على امتداد الرقعة السورية، إحدى اللوحات كانت تمثل صعوبة العيش في بيئة لم يألفها الانسان من خلال لوحة شجرة لها جذور، هذه الجذور ربما هي بيته أو عائلته أو عمله أو الحيّ الذي يقطنه .. رأيتُ أنه من واجبي كأمّ  وفنانة أن أشارك في هذا المعرض سيّما وأنّه يدعم التبرع لإعادة إعمار مدرسة في سوريا، ودورنا يحتّم علينا خلق الظروف المواتية ليتعلم أبناؤنا في بيئة مناسبة لذلك.

الفنان مصطفى قصاب باشي:

من وجهة نظره على الرغم من أننا نعيش أزمنة حربٍ وموتٍ لا يبدو فيها أنّ الفنّ له دور يؤدّيه، لكنّ الحقيقة أنّ لا منجاة للجنس البشرى من الدمار سوى الفنّ أو الثقافة بمعناهما السامي، ولا أحد يمكنه مواجهة ثقافة الموت والحرب أفضل من المبدعين.

الفنانقصّاب باشي سوريا يقيم في ألمانيا يتركّز نشاطه في مجال المَعارض الفنيّة، أقام خلال العشر سنوات الأخيرة أكثر من ثلاثين معرضاً فنيّاً في ألمانيا ويشارك في هذا المعرض بست لوحات بأسلوبه السوريالي التكعيبي.

الفنانة ميس الأخرس:

ترى أنّ للفنّ دور أساسي في مواجهة الحرب والخراب، فهو ليس مجرّد وسيلة تعبير جمالية، وإنما وسيلة قويّة للتعبير عن الألم و إيصال الحقيقة، الفنّ يوثّق المعاناة، يفضحُ الظلم، إضافة لذلك يمنح الأمل و يعيد إحياء الهوية الثقافية التي تحاول الحروب طمسها.

لذا يمكن للفنّ أن يكون سلاحاً قويّاً في مواجهة الحرب والدمار، ليس فقط بالتوثيق وإنما بإعادة الروح والحفاظ على الهوية والثقافة .  

الفنانة الأخرس تخرجت مع معهد الفنون التشكيلية في مدينة حماه، وهي تتبع للمدرسة التعبيرية، شاركت في العديد من المعارض  الجماعية في سورية و ألمانيا .حصلت على شهادات تقدير من المراكز الثقافية السورية من خلال مشاركاتها، أما عن الأعمال التي شاركت بها في المعرض الخيري فهي تعبر عن الحرية و النجاة و التعريف بالحضارة السورية.

الفنانة  فلك الغزّي

من وجهة نظرها للفن أهميّة كبيرة في مواجهة الحرب والخراب، لكنّنا الآن في مرحلة إعادة إعمار والإعمار ليس  للحجر، بل هو بناء نفوس الناس التي تحملت كلّ هذا الانكسار والألم خلال الفترة السابقة سواء بقيت في الداخل أو هجرت أمهم الآن أن تنهض من جديد.

في ألمانيا بدأتُ دراسة العلاج بالفنّ وهدفي أن أنقل هذه التجربة إلى بلدي في المستقبل. بالنسبة لي، درستُ في معهد إعداد المدرسين القسم الفني، واشتغلت بمجال الانيميشن ورسوم الأطفال.

أول معرض فنّي لي كان في تركيا عام٢٠١٤ باستخدام تقنية الرسم باللّهب وكان عنوانه وجوه من سوريا وبعدها شاركتُ في الكثير من المعارض المشتركة مع سوريين وأتراك وهذا المعرض الثالث لي في ألمانيا.

في هذا المعرض شاركت ب ٤ لوحات واحدة اكريليك بعنوان الانتظار واللوحات الثلاث أصغر بعنوان الصرخة، الخط العربي في مواجهة الخراب.

الفنانة حنان الأحمد

من وجهة نظرها أنّللفنّ دور أساسي بإعادتنا إلى جذورنا الإنسانية، بتهذيب الوحشيّة والقسوة، وتذكيرنا بالمعنى والجمال، وهذا بحدّ ذاته نقطة بداية لمقاومة الخراب، سواء خرابنا الداخلي أو الخراب الذي من حولنا، كما أنّ للفنّ قدرة رهيبة على الولادة من رحم المعاناة، وتحويل قمّة البشاعة والقبح إلى عمل فني ابداعي.

الفنان بشكلٍ تلقائي هو حامل رسالة وعلى أقلّ تقدير ناقل لرسالة، مهما كان محتواها، وهو مسؤول أمام مجتمعه وأمام العرق البشري عن فحوى رسالته، والفنانون السوريون على امتداد عمر الثورة وقبلها، كانوا من المؤثرين الأساسين في حمل هذه القضية ونقلها والتعريف بها بشتّى الطرق والأساليب الإبداعية ..

والفنانة حنان الأحمد مهندسة معمارية، مهتمّة بأشكال التعبير بالمجمل؛ من رسم إلى الكتابة والتصوير والشعر .لا تتبنّى مدرسة فنيّة مُحددة، لازالتْ في طورِ استكشاف تجريب أساليب متنوعة، في الفترة الأخيرة تميل للانطباعية.

الفنان بدر الخوص

يقول: إنّ كلّ شخص يعبّر عن مشاعره بطريقته، بعضنا يبكي مُصيبته، والآخر يضحك فرحاً، الفنّ ليس سوى أحد هذه الوسائل، خاصّة عندما تخذلنا الكلمات في التعبير عن أعمق مشاعرنا، حينها، نلجأ إلى بدائل أخرى، بعضنا ينطوي على ذاته، وآخرون يجدون ملجأ في الآخرين، وأنا وجدت مأوى لي في رسم وخطّ الكلمات.

أعيش في ألمانيا منذ  ٢٠١٦ أعمل في مجال الفنّ، نشأتُ في بيت يُعنى بالخطّ العربي؛ فوالدي وأعمامي خطاطون، وكانت أدوات الخطّ تحيط بي منذ الصغر، في لحظةٍ ما، ما وجدت إلا وقلمٌ يزحف إلى يدي، وأنا بدوري بدأتُ أخطُّ أولى كلماتي: “بدر”

 تعلّمتُ الخطّ العربي بالطريقة التقليدية، لكن لاحقًا سحرتني مدارس أخرى، أبرزها الباوهاوس الألمانية، التي ألهمتني لإعادة تشكيل الخطّ العربي بأسلوب حديث.

في مشاركتي في معارض “لأجل سوريا” أحاول تطويع الحروف لتخدم المعنى، وأجتهد في مزج العربية مع روح الباوهاوس. افتتح المعرض بتاريخ 16/2/25 بالتعاون مع بلدية رانكيندورف وجمعية سلام واتحاد الجمعيات السورية الألمانية وجمعية الكواكبي وجمعية بردى وجمعية الأمل.