كي تمر سنوات المراهقة بهدوء

 

صدر كتاب “سنوات المراهقة تمرّ بهدوء” للدكتوره فايزة حلمي، حيث تؤكد المؤلفة على أن الاكتشافات العلمية الجديدة سوف تساعدنا حال تطبيقها على تطوير الأداء التربوي في الأسرة والمدرسة، والجامعة، والإعلام.

 

ـ مراحل المراهقة والتعامل معها:

تنقسم مراحل المراهقة إلى: مرحلة المراهقة المبكرة من عُمر 10 – 14 سنة تقريبًا، والمراهقة غالباً من عُمْر 15 – 17عامًا، أما المراهقة المتأخرة فهي تمتد من عُمْر 18 – 22 عامًا، وتتميز هذه المراحل الثلاث بالتحرك نحو الاستقلالية، والنمو المعرفي والاهتمام بالمستقبل، والتغيّرات الجسميّة، والأخلاق وإدارة الذات.

في جميع المراحل تتطلب عملية التعامل مع المراهقة من قبل الأسرة ضرورة بناء علاقات إيجابية مع الأبناء، والإنصات لهم، لأن وجود العلاقات القائمة على الاحترام والحب سوف تجعل العلاقة تزدهر، وتتكون لدى الشباب مهارات تقدير الذات والمهارات الاجتماعية.

المهم تشجيع الأفكار الاستقلالية، وثقافة التعلّم من الأخطاء، والتعبير الذاتي، والمشاركة فى القرارات التى تتخذها الأسرة، والقواعد التى يتم الاتفاق على إتّباعها.

يجب إظهار الاهتمام الحقيقي بأنشطة الأبناء، لأن متابعة تقدم أو تأخر الأبناء فى جوانب حياتهم المختلفة، تسمح للآباء بإدارة حياة أبنائهم بطريقة إيجابية، فالآباء الذين يضعون مع أبنائهم حدودا مستقرة وقوية وتوقعات عالية، غالبا ما يجدون قدرات أبنائهم تصل لتحقيق هذه التوقعات العالية.

 

ـ التغيرات الزمنية في تحديد فترة المراهقة:

يعتقد عامة الخبراء أن سن المراهقة، ينتهى عند عمر 18 عامًا، ولكن أستاذ علم النفس بجامعة تمبل، (Larry Steinberg) يقول: “إن علم الدماغ الجديد أوضح لماذا يفضل المراهقون الآن أن يظلوا فى سن المراهقة حتى منتصف العشرينيات من عمرهم”.

وما يطرحه هذا الرأي يشير إلى أن الدماغ خلال فترة المراهقة يكون مرنا جدًا، أي أن المخ لديه قدرة متزايدة علي التغيّر نتيجة التجربة، وهنا يظهر شقان، من ناحية أن المخ عُرضة بشكل خاص لتجارب ضارة يمكن أن تؤذيه، ومن ناحية أخري أن المخ عُرضة للتأثيرات الإيجابية التي تعزز النمو، وهذا النوع من الفرص الخاصة بسن المراهقة، يحتاج أن نفكر فيه داخل الإطار الذي رفع سن المراهقة إلى 25 عامًا، وإن كانت الكثير من الآراء ترى عدم مد هذه الفترة إلي ما بعد 21 عامًا.

 

ـ إدارة الخلافات مع المراهق:

عندما يُكسر التواصل بين الآباء والأبناء، تظهر الصعوبة في إدارة الخلافات مع المراهقين، لذا يفضل وضع تعليمات محددة للحد من هذه الخلافات.

فمثلا الابنة ذات الثلاثة عشرة عاما حين تعلم أنها يجب أن تكون فى المنزل بحد أقصى الساعة الثامنة، وإلّا ستكون هناك عواقب لعدم الالتزام، فإنها سوف تلتزم، مع ملاحظة: أن الخلافات فى الرأي هي فرصة لإعادة النظر فى هذه الحدود التى تم وضعها، والتفاوض بشأنها، وهذه مهارة من الضروري أن يتعلمها أطفالك من أجل نموهم، وهذه المفاوضات ضرورية للمهارات المعرفية المتنامية، لتعزيز القدرة على التفكير، والنظر فى الاحتمالات ووجهات النظر، بحيث تدرك الفتاة أن الأوقات المسموح لها بالتأخر فى نهايات الأسابيع، تختلف عن الأوقات التى يجب عودتها فيها مبكراً أثناء الأيام الدراسية.

لذا حين تنشأ الخلافات بينكما فإن إخبار طفلك بأسباب قلقك بحزم ولكن بهدوء، يمكن أن يمنع الخلافات.

 

ـ تجنب الإفراط في ردود الفعل:

يمكن أن يؤدى رد الفعل القوي إلي الصراخ والصياح، بل قد يؤدى إلى غلق باب المناقشة، ولكن حين تحاول إبعاد القلق والمشاعر عن المناقشة، فإن ابنك حينها يناقشك بقلب مفتوح.

عادة يميل الفتى إلى الحديث مع الأب حين يطمئن أنه لن ينشر أسراره، إذا ما اعترف له بشيء منها، وهذا يتطلب استخدام الحافز الايجابي المتمثل في الإنصات والمناقشة الهادئة لتصحيح السلبيات، أو دعم التصرفات الإيجابية.

يحب على الآباء والأمهات الحديث مع الأبناء في هذه المرحلة حول ما يتعلقون به من هوايات أو الرياضة المفضلة، أو الموسيقى، حيث يهتم معظم المراهقين بها، مع الأخذ في الاعتبار أن كل جيل له موسيقاه التي تميزه، لذا حاول أن تعرف أشهر الموسيقيين، ومن المهم أن تذكر لابنك أن الموسيقى التي يسمعها غير مناسبة إذا كنت تراها كذلك، ولكن بطريقة هادئة.

يجب على الأهل تناول المواضيع ذات الحساسية، مع أبنائهم بطريقة تتناسب مع قيمة الموضوع، لأن تجاهل مناقشة مثل هذه الموضوعات، لا يجعلها تذهب بعيداً عن أفكارهم.

 

ـ تأثير الأصدقاء:

أثبتت الأبحاث أن الأصدقاء لهم تأثير على حياة المراهقين وطريقتهم فى التعامل على مدار الوقت، حيث وجد أن الأصدقاء متشابهين فى سلوكياتهم وطريقتهم فى التعامل.

يظهر هذا التأثير فى اختيار الملابس، والأنشطة، والموسيقى، ومع ذلك فالأصدقاء لا يحلون محل الوالدين، وسوف تظل الأسرة وخاصة الأب الأهم تأثيراً فى حياة الابن أو الابنة، فالأبناء أكثر ميلا لآبائهم حين يتعلق الأمر بقراراتهم المصيرية المتعلقة بمستقبلهم، وهذا الميل يزيد حين تكون العلاقة قوية بين الأب وابنه.

ومن ثَّم يجب على الأب قضاء وقت مع أصدقاء ابنه لأنه من المهم للراشدين أن يعرفوا كيف يراهم المراهقون الصغار، لذلك فالحوار مع ابنك وأصدقائه يجعلك تعرف أسباب سلوكياتهم مع الكبار.

 

ـ تأثير الإعلام على المراهق:

لا يمكن فهم عالم المراهقة المبكرة ما لم نأخذ فى الاعتبار التأثير الضخم لوسائل الإعلام عليهم، إنه يتنافس مع الأصدقاء، والأسرة، والمجتمع، والمدرسة فى تأثيره على تشكيل سلوكيات وقيم المراهقين الصغار، بل أن وسائل الإعلام تخترق حياتهم، سواء التليفزيون، أو الانترنت، أو الموسيقى، وقراءة مجلات المراهقين.

وعلى الرغم من الجانب الجيد، نتيجة استخدم الوسائل الحديثة فى التعليم، مثل الكمبيوتر، إلا أن المراهق الصغير لا يستطيع التفرقة بين ما هو جيد وما هو رديء فى وسائل الإعلام، فقد يمضى ساعات طويلة أمام التليفزيون، أو يضع السماعات فى أذنه، بصرف النظر عما إذا ما كان يراه عنفا أو رعبا، قد يؤدى ما لا يستقبله الطفل عبر الوسائل السابقة إلى السلوك العدواني، واتجاه نحو العنف.

يؤدي الإسراف في التعلق بكل ما سبق إلى إهمال الدراسة، وتراجع التحصيل العلمي، ومن ثم يتطلب علاج الإدمان السلبي للتكنولوجا إلى مناقشة تلك المخاطر بهدوء، والحث غير المباشر على القراءة، بهدف التدرج في إزالة الآثار السلبية للإعلام.

 

ـ الرغبة في الاستقلال:

تظهر الرغبة في الاستقلال أثناء مرحلة المراهقة المتأخرة؛ وهذه المرحلة الإنتقالية تُعد تمهيدًا للوصول إلى سن الرشد، ليصبحوا فيما بعد مسئولين قانونيًا عن أنفسهم، ومن هنا تتمثل المهام التنموية للأسرة في المساعدة على تحقيق الإستقلال وخلق الشعور بالذات، مع الحفاظ على الروابط العاطفية مع الأسرة.

غالبًا ما ينتهى الأمر إما إلى الإحساس بالانتصار حال النجاح، أو الإحساس بالندم عند الاخفاق.

يكتشف المراهق مع الوقت محدودية والديه في تحقيق رغباته أو بعضها، وهنا يقوم الابن باكتشاف هذا التناقض فيقول: “لن يكونا هناك .. حين أحتاج إليهما .. أنا وحدي”، “لن يستطيعا حمايتى من الأذى.. كل الأشياء السيئة تحدث لي”، ” إنهما لا يتّخذان القرارات السليمة من أجلي، إنني أحيانا أتحمل نتيجة أخطائهما”، “إنهم لا يعرفون ما يجب أن يفعلوه، إنني يجب أن أتعرف إلى الحياة بنفسي”.

 

ـ الإحباط والخوف:

يعاني الكثير من المراهقين في هذا العالم من كثرة الضغوط، وهذا يرفع احتمالية دخولهم في المتاعب في التعامل مع العائلة والأصدقاء، وتتنوع هذه المشاكل ولعل من أبرزها مشاكل المراهقين السلوكيّة، وعنف المراهقين ضد الوالدين، ومشاكل المراهقين العاطفيّة.

يشعر الأهل بالخوف والغضب والإحباط واليأس، بل أحيانا يشعرون بالذنب ويتساءلون أين كان خطؤهم فى تربية الأبناء، وهذه المشاعر طبيعية ومهمة ليعلموا أن هناك مشكلة، وهناك فرص متاحة للحصول على المساعدة لهم ولأبنائهم.

 

ـ تأثير عنف الأبناء على الآباء:

يتسبب عنف الأبناء فى إصابة الآباء بالإكتئاب، القلق، الإجهاد، عدم النوم، والإصابة الجسدية التي قد تؤدي لدخول المستشفي، ويصاحب كل ذلك مشاعر من الإحساس بالفشل في أداء دور الأبوة أو الأمومة مع الإحساس بوصمة عار جراء هذا السلوك.

تلعب وصمة العار تلك دوراً أساسيا، في شل الآباء عن طلب المساعدة، لذا فالمسئولون عن اكتشاف ومتابعة هذه الحالات، حين يزورون الأسر التي تعاني من هذا النوع من العنف، يجب عليهم ملاحظة العلامات الدالة على عنف الأبناء، لأنهم يحاولون إخفاءها، فعلى المختصين أن ينظروا لهذه الحالات ولدورهم، بعين الحماية أكثر منها إتهام.

هذا النوع من العنف لا صلة له بسوء الأبوة والأمومة، لذلك يجب اللجوء للمختصين، لأن اللجوء لغيرهم غالباً ما يكون ضارا بالأسرة ككل.

 

ـ مشاكل المراهقين العاطفية:

تعد مشكلة إضطراب الهويَّة الجنسيّة من هذه المشاكل النادرة، ومن الملاحظ أن الحكومة تمنع تغيير جنس المولود المسجل فى شهادة الميلاد، ما لم تكن التغييرات التى تم إجراؤها دائمة ولا رجعة فيها، كما أن المتحولين جنسيا يكونون فى حالة نفسية، تجعلهم غير مؤهلين للخدمة العسكرية، كأن جراحة تغيير الجنس بمثابة إعلان عن عدم الأهلية.

وتبرز مشكلة إيذاء الذات بالرغبة في الانتحار، وغيرها من مشاكل كل ذلك يتطلب فهم شخصية المراهق واللجوء إلى الطبيب المختص في الحالات التي يعز الأبوان عن التعامل معها.

وخلاصة القول إن هذا الكتاب يعد رسالة تثقفية لحماية المراهق من المشاكل التي ترتبط بهذه المرحلة.